بادر الملك محمد السادس بالدعوة لإحداث آلية سياسية للحوار بين الجزائر والمغرب رغم غياب مؤشرات تحول جوهري في الثوابت التي تحكم العلاقات بين البلدين. فما هي حظوظ نجاح هذه المبادرة وهل تدفع في اتجاه حل معضلة الصحراء؟ الثمن الباهظ للخلاف رحبت كل من الجامعة العربية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وقطر بمبادرة ملك المغرب بتشكيل آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور مع الجزائر، بهدف تجاوز الخلافات القائمة بين البلدين، غير أنه وإلى حدود كتابة هذه السطور لم يصدر بعد أي رد فعل رسمي جزائري على اليد الممدودة للملك محمد السادس. فقد سادت أجواء غلب عليها الترحيب الحذر بين الأوساط المتابعة للعلاقات المغربية الجزائرية. فأي تقارب بين الرباطوالجزائر قد يدفع باتجاه حل سياسي توافقي لمعضلة الصحراء، وبالتالي فتح آفاق لبناء الاتحاد المغاربي المعطل. رغم إخفاق كل محاولات التقارب بين البلدين خلال العقود الماضية. وفي هذا الصدد ترى إيزابيل فيرنفيلس، خبيرة شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومديرة مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، في حوار مع DW عربية أن "خطوة العاهل المغربي ذكية جدا وقد تحرج الجزائر، وهو يعلم تماما أنه من غير المتوقع أن تتجاوب معها الجزائر، وبذلك فهو يعزز الموقف التفاوضي للمغرب في جنيف تحت رعاية الأممالمتحدة". العارفون بتاريخ وسيكولوجية العلاقات بين البلدين يعلمون أن مبادرة المغرب وإن بدت تكتيكية، فإن الحوار بين الرباطوالجزائر أفق استراتيجي لا مفر منه ومفتاح أساسي يلبي مطلبا راسخا لدى شعوب المنطقة. توجس جزائري؟ لم تتفاعل السلطات الجزائرية حتى الآن بشكل رسمي مع مبادرة العاهل المغربي، لكن مصدرا دبلوماسيا جزائريا رفض الكشف عن هويته، أبدى تحفظه على المبادرة، وليس على مبدأ الحوار. وقال ذات المصدر، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، "إن توجيه ملك المغرب دعوة للجزائر من أجل الحوار في الذكرى ال43 للمسيرة الخضراء، يمثل في حد ذاته استفزازا جديدا من طرف الرباط، وعقبة في طريق إنهاء التوتر الذي يميز العلاقات بين البلدين". ماذا لو فتحت الحدود بين المغرب والجزائر؟ السياق الداخلي الجزائري قد لا يساعد أيضا على التفاعل الإيجابي مع المبادرة المغربية في ظل الجدل حول العهدة الخامسة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والمخاض الذي تعيشه المؤسسة العسكرية عماد النظام الجزائري، حيث تمت إقالة خمسة من كبار الجنرالات والقادة الأمنيين. وتعتبر الجزائر الداعم الأساسي لجبهة البوليساريو التي تسعى للانفصال عن المغرب وتأسيس دولة مستقلة في إقليم الصحراء، معتبرة أنه إقليم يجب أن يخضع ل"تصفية الاستعمار". ويرى المصدر الجزائري أن المغرب يجب ألا يزج بالجزائر كطرف صراع، فيما يؤكد المغرب أن الجزائر طرف أساسي في النزاع وأن التفاوض المباشر مع جبهة البوليساريو مضيعة للوقت، معتبرا أن الأخيرة مجرد أداة في يد الجزائر توظفها لإضعاف المغرب في صراع هدفه الهيمنة الإقليمية. وفي هذا السياق أكد إسماعيل الشيخ سيديا، الكاتب والمحلل السياسي الموريتاني المتخصص في الشؤون الإفريقية والمغاربية في حوار مع DW عربية إن "المغرب تريد أن تقول للجزائر: المشكلة بيننا وبينكم، فأنتم المسؤول الأول والأخير والحاضنة للبوليساريو..وأنتم من سنعطيه أو نأخذ منه ضمانات". رسائل إقليمية ودولية من جهتها، ترى إيزابيل فيرنفيلس أن "خطاب ملك المغرب سيلقى قبولا من قبل الفاعلين الجزائريين الذين يرون أن قضية الصحراء لا يجب أن تهيمن على العلاقات المغربية الجزائرية، خصوصا الأوساط الاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني". واستطردت الخبيرة الألمانية موضحة أن رسالة العاهل المغربي موجهة أيضا لأطراف دولية أخرى، ف "القصر في المغرب يعلم أن اقتراحه سيلقى ترحيبا في أوروبا". الحوار.. متى يأتي؟ فيما يرى إسماعيل الشيخ سيديا أن الرسالة المغربية موجهة أيضا لجون بولتون (مستشار الأمن القومي الأمريكي) الذي كان سكرتيرا لدى جيمس بيكر، المغضوب عليه مغربيا أيام كان مبعوثا أمميا، وقد يكون له حساب مع المغرب والمينورسو. وأضاف المحلل السياسي الموريتاني أن "هناك إرادة دولية يخاطبها المغرب ويغازلها مفادها أنه ليس حجر عثرة أمام الحل في منطقة المغرب العربي". وأوضح سيديا أن الجزائر معنية شاءت أم أبت بالصراع الصحراوي لسببين رئيسيين "أحدها تاريخي والآخر جيو استراتيجية، فإقليم الصحراء يبعد بحوالي 800 كيلومترا عن مناجم الحديد الجزائرية، وهي تريد بوابة على الأطلسي، فبوابتها المتوسطية تبعد بحوالي 2000 كيلومتر عن تلك المناجم. ومن الناحية التاريخية هناك التزام للثورة الجزائرية اتجاه حركات التحرر، والجزائر تعتبر البوليساريو حركة تحرر". وتابع سيديا بالقول: "أما موريتانيا، فترى نفسها الخاسر الأكبر في الصراع لأن الصحراويين يتحدثون الحسانية (لهجة عربية) وهي امتداد للقبائل الصحراوية، كما أنها متضررة اقتصاديا بسبب استمرار النزاع. ولا شك أن أي تقارب مغربي جزائري سيساعد في تخفيض التوتر في المنطقة، وقد يخلق أجواء إيجابية لأحد أقدم النزاعات في القارة الإفريقية". *ينشر وفق اتفاقية شراكة مع DW عربية