للناس طاقات متفاوتة بل أحيانا متناقضة على التحمل ومقاساة المواقف الصعبة التي تواجههم في حياتهم ! وهذا الأمر من سنن الله في الحياة التي بموجبها تكتسب صفة التوازن ولا تصل إلى حد التطرف ، وحينها تفسد الحياة وتصطبغ بلون واحد وهذا ما يجعلها مملة وبائسة ! نعم ، سرعة الزمن أو بالأحرى تسارعه ، وطغيان صولة هذا العالم الإلكتروني الكاسح كشف عن ما في الإنسان من مساوئ ومعايب ، أولا عدم التريث والتأني في فهم محتوياته ولغاته وعباراته ومواضيعه ، هو عالم لا يؤمن بحسن النيات ، بل عالم فاضح ومكشوف ! فعندما نتلقى الصدمات تلو الصدمات ، تلقائيا نكتسب مناعة ضد أسبابها المستقبلية ، ونحذر من أن نرهق ذواتنا وعقولنا وأرواحنا من التبريرات والتفسيرات التي تأتي دائما متأخرة ، ولن تعيد تلك الجراح والندوب التي خلفها فينا الزمن والناس على مسيرة أيامنا التي مضت والتي تأتي ! وعملية التفكير العميق المضني والتأمل الطويل ، ومراجعة مواقفنا هي لب حقيقة الإنسان السوي الذي يمتلك روحا نقية ، وعقلا راجحا ، ونفسا سوية ؛ إذ بهذه الطريقة نصل إلى حدود التمييز بين مواقعنا وبين من تفصلهم عنا مسافات من قبيل: الاختلاف في تقدير الأمور ، أو ترتيب الأولويات ، أو حتى تبين ووضوح من غائية علاقاتنا وصداقاتنا وقراباتنا الدموية ..! الغريب في علاقات بني الإنسان أنها تحتاج إلى زمن كبير وواسع وممتد ، وتحتاج إلى لغة وأحاسيس ، تحتاج أن تعاش بحب أو بحزن كي تفهم وتتمتن وتتوطد وتكبر وتنمو ، وتلك سنة متأصلة في هوية الإنسان وماهيته في هذه الحياة ... تقاس مواقفنا بالأفراح والسراء كما تقاس أيضا في الضراء ، وغبش من سوء الأفهام أو عجز عن إدراك المغزى والمعنى مما يحصل لنا من مواقف حياتية ... لو سارت الحياة على وتيرة واحدة ، ولو اصطبغت علاقاتنا بلون واحد لما استطعنا أن نكمل العيش فيها ، ولتمنينا أن نعيش الاختلاف !