على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم أبو الطيب المتنبي الهروب من المغرب الى المغرب: رغم أن موضوعي المعنون ب:"صحراء بوليساريو لم يعد لها وجود"؛والمنشور بهيسبريس؛لا يدخل في باب السجال السياسي؛فان مشاعري وانطباعاتي فيه – كمواطن مغربي عايش إرهاصات المسيرة ،وسيلانها ،عبر الأباطح،جنوبا؛حيث لا تقع إلا الصحراء المغربية؛ واستمرار جذوتها وقادة على مدى ستة وثلاثين عاما – استقرت على أن شيئا ما في أذهان ووجدان الانفصاليين ليس على ما يرام؛وإلا ماكان لهم أن يهجروا مرابع صباهم ؛ويخرسوا كل قصائد الشعر الحساني ،التي حفظها ( من التحفيظ) الدستور الجديد – شعرا ولغة-ليتم استنباتهم ،بسوء نية مضاعفة،في بيئة أخرى لا تقع إلا ضمن امتدادات الخريطة المغربية ،وضمن ظلال العلم الوطني،ومنابت الأحرار ،حيثما جرت "عيون العسل وسواقيها"؛ ولتبدأ تغريبة بني هلال جديدة ،لم يقر لها قرار بعد. انتهيت – فقط- إلى أن كل شيء تغير في الصحراء ؛لأنها لم تضرب عن الحياة،بعد أن غدر بها بعض بنيها. تواصل فيها العمران،الشعر،الغناء، ورقصة الكدرة..... كل ما تركه الهاربون وراءهم اندثر ؛ ولو التقى الواحد منهم بأخواته، بعد أن استبدلن السواد بكل ألوان الحرية و الربيع والبذخ،لأنكرهن . إن ملحف الواحدة منهن يساوي،أحيانا، راتب موظف خارج السلم. وكان النداء- سيرا على نهج المرحوم الحسن الثاني- أن عودوا الى مضاربكم و مرابعكم،حيث أمطرت ،فالوطن غفور رحيم ؛وسيعرف أهلكم وخلانكم كيف يسيرون بكم في التضاريس الجديدة ؛وكيف يسمعونكم كل قصائد العشق التي فاتتكم. وقوفا للنداء الملكي الحراكي: لا مبالغة ،ولا مجاملة في هذا النعت ؛فحينما يتم التصريح، في خطاب الذكرى السادسة والثلاثين للمسيرة الخضراء ، ب: "وانطلاقا من الإصلاحات العميقة التي أقدم عليها المغرب، وقدرته على التفاعل الإيجابي مع التحولات" و " وقد مكن هذا التحول الديمقراطي الكبير الذي أنجزه المغرب، في خضم متغيرات جهوية غير مسبوقة من تعزيز موقف بلادنا ومصداقية مبادرتها للحكم الذاتي" و " لقد آن الأوان ليتحمل كل طرف مسؤوليته، فبدل الخضوع لنزوعات الجمود والتجزئة والانفصال، يتعين اتخاذ قرارات اندماجية وتكاملية ومستقبلية شجاعة. كما يجدر استثمار الفرص الجديدة التي تتيحها التحولات التي تعرفها المنطقة العربية والمغاربية، والتي كان المغرب سباقا لتفهم التطلعات الديمقراطية المشروعة لشعوبها والتضامن معها، وذلك في حرص على استقرار بلدانها، وعلى وحدتها الوطنية والترابية" فان أقل ما يمكن هو نسبة هذا الخطاب الملكي إلى كل متون الربيع العربي ؛بما فيها نداءات حركة العشرين فبراير؛وان انتسب في الحقيقة إلى ما هو أعمق وأوسع: إلى حراك جيوسياسي عربي وعالمي ؛لا يزال في بداياته،ولم تتضح كل معالمه ؛يذكرنا بتمفصلات كبرى للتاريخ ،مرت بها الإنسانية وظلت فاعلة في رؤاها وأنظمتها. ارحل الملكية: من حق الملك أيضا أن يطالب- مغاربيا- برحيل النظام: نظام لم يزد على إجهاض آمال الشعوب في مغرب عربي موحد ؛تخترق فيه السيارات الحدود ؛وتكاد لا تتوقف الا ليرد ركابها على تحية وترحيب الحرس والجمارك. نظام لم يفتح عليه الله إلا في إذاقة الشعوب سنوات رصاص،بمذاق مغاربي. لقد تأسس هذا النظام على ألغام المد الكولونيالي ؛حقيقة ومجازا:فحينما تصادف في وجدة،مثلا، شيخا يدب على رجل واحدة؛ولا مآرب له في عصاه غير الاستقواء على ضعف العاهة المغاربية و الهرم، فاعلم أنه لم يزد،ذات يوم، على اقترابه كثيرا من تراب تأبى عليك الجغرافيا الطبيعية أن تنسبه لهذا البلد أو ذاك؛ كما لا تقبل منك الجغرافية البشرية أن تشطر القبيلة والدوار والأسرة شطرين. نظام انتهى بالمستعمرات الفرنسية السابقة إلى الدخول في عصمة الجنرال ديغول: زوجات متنافسات في استدرار الحب والعدل؛ مات الزوج الأول وما انتهت الحكاية؛لأن سكان الاليزي يتوارثون العصمة. نظام ما كاد المغرب بفرح فيه باستقلال الجار حتى أذهله غدر الأشقاء بثلة من حرس مغاربة- في حاسي بيضا- وكأنهم من فلول الجيش الاستعماري.واندلعت حرب الرمال ؛وبدا رجل اسمه بنبلة وكأنه رومل، ثعلب الصحراء الماكر.وما حاق المكر السيء إلا بأهله. نظام ،من ضعفه ،وضيق أفقه،أطمع فيه منظرا جماهيريا غريبا اسمه ألقذافي ؛فولغ فيه لعشرات السنين؛وما تكفي- الآن- حتى الغسلات السبع الشرعية لتطهيره. ارحل الملكية مبررة بطريقة ملكية ترقى الى مستوى المنعطف التاريخي ،كما أسلفت: "فإن المغرب يؤكد استعداده، سواء على الصعيد الثنائي، وخاصة مع الجزائر الشقيقة، في إطار الدينامية البناءة الحالية، أو على المستوى الجهوي، للتجسيد الجماعي لتطلعات الأجيال الحاضرة والصاعدة، إلى انبثاق نظام مغاربي جديد، يتجاوز الانغلاق والخلافات العقيمة، ليفسح المجال للحوار والتشاور، والتكامل والتضامن والتنمية. نظام مغاربي جديد يشكل، بدوله الخمس، محركا حقيقيا للوحدة العربية، وفاعلا رئيسيا في التعاون الأورو- متوسطي وفي الاستقرار والأمن في منطقة الساحل والصحراء، والاندماج الإفريقي" في هذا النداء نفس من خطاب طنجة للمغفور له محمد الخامس، سنة 1947؛وقد كان له وقع مغاربي و دولي كبير،لما فيه من استشراف للمستقبل ،وصولا إلى الاستقلالات، وميلاد النظام ألمغاربي الأول الذي ظل – ضدا على إرادة المغرب؛أو مراكش كما يحلو لبنبلة- طفلا كسيحا لا يرجى شفاؤه. لقد لاح مغربيا –مرة أخرى- نداء ملكي شجاع، يستشرف مستقبل المنطقة ،ولا يراه إلا في نظام مغاربي جديد( أو ثان). هكذا قفزا حتى على المطالبة بمجرد الإصلاح؛لأن الإعاقات الحالية لا تقويم لها. وحتى لا يتسرب أي قلق لبقية جيران الشرق العرب ،وجيران الشمال الأوروبي –والوقت وقت قلاقل-يتم التصريح بأن اشتغال النظام الجديد يخدم،أيضا، الوحدة العربية الشاملة والوحدة الإفريقية ،ويستحضر مقتضيات التعاون الأورو-متوسطي ،في شتى المجالات بما فيها الاستقرار والأمن في منطقة الساحل. إذن فهي لا ملكية ،غير مسبوقة، لنظام فاسد ؛لا ذات اصرار ،وصولا حتى إلى " ما مفاكينش" المغربية.يقولها جلالة الملك لما تبقى من الفتانين ،الانفصاليين، تلامذة القذافية والبومديينية. لعل كل مواطن مغربي،خصوصا من عاش كل سنوات الرصاص المغاربية،ويشعر الآن أنه انتصر مرتين:في تونس وفي ليبيا،يعض على هذا النهج الملكي الجديد بالنواجذ؛ومهما تقول المتقولون، فان غدا لناظره قريب ؛وسيذكر التاريخ أن الانطلاقة كانت من المغرب. كأنما تداول سمع المرء أنمله العشر: قالها المتنبي بعد أن ألح على أن يترك الإنسان دويا في الحياة.لقد قالها وفعلها. دوي يباغت الأسماع فتتقيه ،لكنها لا تستطيع له إخراسا ؛وهذه حال الانفصاليين الذين اعتبروا النداء الملكي هروبا إلى الأمام ؛وكأنهم أحكموا قبضتهم على الآن والمكان ،ولم يتركوا غير بوابة الهروب للمستقبل. لعل عذرهم ،في انكشافهم العصبي هذا، أمام عقلاء المنطقة والعالم،أن النداء لم يلتفت إليهم أصلا ، كرقم صعب أو سهل ؛ لا في الحاضر ولا في المستقبل. خوطبت دول المنطقة :مثنى وثلاث ورباع وخماس؛وخوطبت كل الجهات المعنية إلا فلول الهزيمة ؛الذين عرف ثوار ليبيا كيف يلقمونهم حجرا. وهل يرقون إلى غير خطاب الحجر؟ أما كان لسفهائكم أن يصمتوا حتى يتكلم عقلاؤكم؟ أما كان لعقلائكم أن يصمتوا حتى يتكلم عقلاء المنطقة؟ حينما ألقى محمد الخامس خطاب طنجة كانت فرنسا الاستعمارية،الشرسة، جاثمة على المنطقة المغاربية كلها تقريبا؛ورغم ذلك كان النداء ، مطبقا ،وفاعلا ،فتوالت الاستقلالات؛ فعن أي أرض تجثمون الآن ،وبأي وزن؛حتى يهرب منكم المغاربة إلى الأمام؟رغم وقاحة سفهائكم في حق الشعب المغربي،قبل عاهل البلاد،فإننا نعول على عقلائكم وعقلاء المنطقة والعالم ،أن يحرروا مستقبل شعوب المغرب العربي من أوهام تذروها الرياح الصحراوية ،قرب قبر صاحبها ؛هناك في البيداء التي دونها بيد. لقد برهنتم عن عمى البصر والبصيرة ،وصمم الأسماع، حينما لم تستحضروا في ردكم الأخرق أن نظامين مغاربيين انهارا كلية ؛وأن الارتدادات الجيوسياسية للحدثين الجللين لم تتوقف بعد. يحدث كل هذا ولا تتريثون حتى لتسائلوا أنفسكم: ما الذي يجعل الملكية المغربية -ومن طبع الملكيات المحافظة على السكينة والاستقرار- تنادي بنظام مغاربي جديد؟ لم تقدروا اليوم شجاعة محمد السادس ،وما يعدكم به عن صدق ؛كما لم تقدروا يوما زيف ما أغراكم به رئيس رحل ،مودعا بالأحذية وأشياء أخرى ،على الطريقة العراقية. ثقوا مرة أخرى ألا عزة لكم إلا في وطنكم؛ لكنكم لا تثقون ولا تقدرون. [email protected]