تتصاعد تساؤلات عديدة، منذ أن أعلن حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية الحاكم ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، في انتخابات العام المقبل؛ لكن خبراء اعتبروا هذا الإعلان محاولة "إلهاء سياسي"، ولا يعكس بالضرورة قرارًا من بوتفليقة (81 عامًا) بالاستمرار في الحكم. وأعلن جمال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير، الأحد الماضي، أن بوتفليقة سيكون مرشحهم في انتخابات ربيع 2019. بينما لم يعلن الرئيس موقفه رسميًا. وهذه هي المرة الأولى، التي يعلن فيها الحزب، الذي يترأسه بوتفليقة شرفيًا، أن الرئيس الحالي هو مرشحه للانتخابات. وعلى مدار أشهر، اقتصر الأمر من جانب الحزب الحاكم على إطلاق دعوات ومناشدات لبوتفليقة بخوض السباق من أجل ولاية خامسة. تجاهل رسمي تقديرات محلية ودولية رأت أن إعلان ولد عباس يعكس نية بوتفليقة الترشح للانتخابات المنتظرة في أبريل أو ماي 2019. لكن صدى هذا الإعلان جاء أقل حدة داخل الجزائر؛ فولد عباس يشتهر بإطلاق تصريحات سياسية في كل مناسبة حول ضرورة استمرار بوتفليقة، الذي يعاني متاعب صحية، في الحكم. وتجاهلت وسائل الإعلام الرسمية بالجزائر إعلان ولد عباس، ولم ينقله التلفزيون الحكومي مساء ذلك اليوم في نشرته المسائية، التي يبث فيها كل الأخبار المهمة في البلد. ويحكم بوتفليقة حاليًا في العام الأخير من الولاية الرئاسة الرابعة، إذ وصل الحكم في 1999، وفاز بثلاث ولايات متتالية. وسبق أن أطلقت أحزاب ومنظمات موالية دعوات لبوتفليقة من أجل الترشح لولاية خامسة. وصدرت هذه الدعوات عن حزبي الائتلاف الحاكم، وهما جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، إضافة إلى الاتحاد العام للعمال، وأحزاب صغيرة. كما صدرت عن قيادات في الزوايا (طرق صوفية)، وتنظيمات لطلاب الجامعات، ومنتدى رؤساء المؤسسات، وهو أكبر تجمع لرجال الأعمال بالجزائر. بالمقابل، تدعو أحزاب وشخصيات معارضة بوتفليقة إلى عدم الترشح؛ بسبب متاعب صحية ناجمة عن تعرضه لجلطة دماغية، عام 2013، أفقدته القدرة على الحركة. إبعاد للأنظار أول رد فعل سياسي داخلي على إعلان الحزب الحاكم جاء على لسان عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، وهو أكبر حزب إسلامي في الجزائر. مقري صرح بقوله: "لا أستطع تصديق رغبة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الترشح لولاية خامسة". ورأى الإعلامي الجزائري رياض هويلي أن "تصريح ولد عباس يجب أن يُنظر إليه من زاويتين". وأوضح: " أولًا هو ليس صادرًا عن اللجنة المركزية (أعلى هيئة قيادية بالحزب)، صاحبة صلاحية الفصل في قرارات مصيرية، مثل الرئاسيات، لذا فهو تصريح شخصي أكثر منه حزبي". والزاوية الثانية هي أن "الأمين العام للحزب حاول بهذا التصريح إبعاد أنظار الناس عن ما شهده البرلمان من انقلاب على الرئيس الشرعي سعيد بوحجة، وتعيين آخر خارج مقتضيات الدستور"، حسب هويلي. منذ أيام، تمت تنحية بوحجة، رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، بعد صراع مع نواب الموالاة دام ثلاثة أسابيع، وقاد إلى انتخاب معاذ بوشارب خلفًا له. وتندد المعارضة الجزائرية وبوحجة بما حدث باعتباره "انقلابا"؛ لأن القانون لا يتيح تغيير رئيس المجلس سوى بالاستقالة أو العجز او الوفاة. وأضاف هويلي، رئيس تحرير فضائية "الشروق نيوز" (خاصة)، أن "ما وقع في البرلمان من انتهاك صارخ للدستور سبب لولد عباس وللحزب الحاكم وللرئاسة حرجًا سياسيًا وقانونيًا كبيرًا في الداخل والخارج". وتابع: "الأمين العام للحزب الحاكم قال: نحن نترجى من الرئيس الترشح.. وهو ما يعني أن المسالة تتجاوز ولد عباس إلى الرئيس نفسه، وأن ولد عباس يحاول الاحتماء بغطاء الرئيس تحت عنوان الولاية الخامسة لمواجهة خصومه (داخل الحزب). مزايدة سياسية متفقًا مع هويلي بشأن إعلان ولد عباس، قال الدكتور نصير سمارة، الأستاذ بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر العاصمة: "أعتقد أنه تصريح سياسي للمزايدة السياسية". وأردف سمارة قائلًا إن تصريح ولد عباس يستهدف "تحويل الرؤى الشعبية والإعلامية عما هو جار في المجلس الشعبي الوطني". وردًا على سؤال بشأن إن كان هذا التصريح يعكس حسم مسألة ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، أجاب سمارة: "أشك في ذلك كثيرًا". ترشح غير محسوم بدوره، قال الصحافي رياض بوخدشة: "أن يتحدث رئيس حزب أو أية شخصية أخرى باسم رئيس الدولة فهو أمر لا يمكن الأخذ به، طالما أن الرئيس نفسه لم يخض في الموضوع". وأضاف بوخدشة: "في واقع الأمر لا يستطيع أمين حزب جبهة التحرير الوطني أن يتحدث عن مرشح آخر للحزب في وجود الرئيس بوتفليقة بصفته رئيسًا للحزب". واعتبر أنه لو كان ترشح بوتفليقة محسومًا لأعلنت عن ذلك كل أحزاب الموالاة، وليس الحزب الحاكم فقط. وختم بقوله: "مسألة ترشح الرئيس بوتفليقة ليست محسومة، وإذا ما ترشح فبالتأكيد سيكون مرشح كل الأحزاب السياسية المعروفة بأحزاب الموالاة، وليس فقط حزب جبهة التحرير الوطني". *وكالة الأناضول