حين كنتُ أتابع أخبار مشاركة الطفلة المغربية مريم أمجون في تحدي القراءة العربي للعام 2018، وأنشر تصريحاتها وصورها وجميع المعلومات عنها في حساباتي الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أياما قبل موعد التصويت، كان عندي شعور قوي بأن هذه الطفلة المعجزة ذات التسعة أعوام قريبة من تتويج المغرب بلقب أكبر مشروع معرفي وثقافي في العالم العربي. مريم، على الرغم من حداثة سنها، استطاعت قراءة 200 كتاب، وعرضت على لجنة التحكيم مناقشتها فيها كلها، فاكتفت الأخيرة باختبار معرفتها في مضمون ستين منها فقط دون أن تطلعها على أي منها، فنجحت في مناقشة كل المحاور التي عرضت عليها ببراعة وكانت تحسن الرد بلغة عربية سليمة وباستخدام كلمات من العيار الثقيل في اللغة والمعنى والتعبير. قبل تتويجها باللقب الكبير، انتابني شعور بأن مريم أمجون هي من أولئك الذين يمنحون الحياة معنى ويجعلون دربَ القراءة، مهما كان صعبًا، يستحقُّ المسير، فتابعت أخبارها وتصريحاتها في الإعلام الإماراتي طيلة أطوار إقصائيات المسابقة في وقت كان فيه بعض الإعلام المغربي (سامحه الله) منشغلا بأخبار "الشيخة التراكس" وغيرها من تافهي المجتمع.. فجزء كبير للأسف من إعلام بلدي مصر على ما يبدو على جعل تافهي وسفهاء المجتمع مشاهير وأعلاما وضيوفا لمنصات إعلامية، وكأنهم يريدون أن يكون أمثال هؤلاء هم واجهة المجتمع، وإلا بماذا نفسر السبب وراء نفخ السفهاء وإيصالهم إلى القمة وزيادة شهرتهم إلى أن احتل اسم واحدة من هؤلاء «ترند» موقع اليوتوب على مستوى المغرب لمدة أسبوع بالتمام والكمال. ولأن التفاهة لا تدوم والسفاهة عمرهما محدود، أطلت على المغاربة ابنة الجبل المغربي الشامخ من الإمارات العربية المتحدة، وهي القادمة من بلد الجمال والأخلاق والتربية والثقافة والكرم حاملة مشعل فوزها في أكبر محفل معرفي على أكبر قامات القراءة في العالم العربي كلهم أكبر منها سنا، فهي أصغر مشاركة في المسابقة. مريم أمجون لمن لا يعرفها هي ابنة مدينة تيسة إقليمتاونات (9 سنوات) أصغر مشاركة تتمكن من انتزاع ورقة التأهل إلى نهائيات مسابقة الفوز بلقب "تحدي القراءة العربي 2018 في دبي".. بعد تفوقها على 300 ألف مشارك من 3842 مدرسة شاركت في تحدي القراءة العربي على مستوى المملكة المغربية. مريم انتزعت اللقب من بين 10 ملايين طالب وطالبة من كل العالم العربي.. كلهم كانوا يحلمون بنيل نصيبهم من مجموع جوائز مسابقة تحدي القراءة العربي، البالغة نحو 3 ملايين دولار؛ فالأمر يتعلق هنا بأكبر مشروع معرفي في العالم العربي أطلقه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس الوزراء وحاكم دبي، لتشجيع القراءة في الدول العربية. المشاركة المغربية في تحدي القراءة العربي للعام 2018 لم تقتصر فقط على الطفلة مريم أمجون، بل شملت أيضا مؤسسة تعليمية أصفق لها بحرارة من جنوب المغرب حظها للأسف لم يكن موفقا، الأمر يتعلق بثانوية الوحدة الإعدادية في قرية بئر كندوز (جهة الداخلة وادي الذهب)، والتي كانت قد انتزعت ورقة تأهل من بين 52 ألف مدرسة تعليمية في العالم العربي، لتتبارى إلى جانب 4 مدارس أخرى من السعودية وفلسطين والجزائر والكويت للفوز بلقب "تحدي القراءة العربي 2018"، وقيمته مليون درهم إماراتي، فتوجت مكانها مدرسة الإخلاص الأهلية الكويتية، حين احتلت المركز الأول وحصدت جائزة أفضل مدرسة متميزة على مستوى الوطن العربي. ثانوية الوحدة الإعدادية في قرية بئر كندوز وبمجهودات ذاتية قامت بزيادة أنشطة القراءة حتى يستفيد طلابها من 60 حصة قراءة في المكتبة مجانا، كما عمدت إلى إقامة مكتبات إلكترونية إلى جانب مكتبات ورقية في الصفوف الدراسية لتشجيع الطلاب على القراءة، فشرفت المغرب والمغاربة بالتأهل والمشاركة في أكبر مشروع معرفي وثقافي أطلقته دبي في العالم العربي للتشجيع على القراءة، على الرغم من أن الفوز لم يكن من نصيبها. أبارك للبطلة المغربية مريم أمجون فوزها بتحدي القراءة العربي؛ فمشهد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وهو يكفكف دموع الفرح، التي انسابت من عينيه بعد إعلان تتويجها من قبل الإعلاميين اللبناني جورج قرداحي والبحرينية بروين حبيب خلال تكريم أبطال تحدي القراءة العربي في دار الأوبرا في دبي، فخر لكل مغربي ومغربية. مريم أمجون هي الأمل والتفاؤل والرجاء في جيل مغربي قارئ متعلم مفكر، هي دليل كبير على أن نجومية القرّاءة أرحب فضاء وأكثر جذبا من نجومية التافهين والسفهاء.. مريم فتحت أبواب الأمل للطلبة المغاربة بأن ثمة مجدا للقراءة ورفعة للكتاب، وبأن التافهين يبقون تافهين مهما برزوا في هذه الأمة وتسلقوا عليها. شكرًا مريم، وتحية إلى كل الأسر المغربية التي تشجع أبناءها أكثر على القراءة وتحصيل العلم والتحلي بالخلق والأخلاق وحب اللغة العربية. *إعلامي وصحافي مغربي مقيم في باريس