كانت مدينة الصويرة، أمس الخميس، على موعد مع أمسية موسيقية فريدة مزجت بين الغناء التراثي الديني اليهودي لمنطقة تافيلالت، وروائع الغناء المغربي الأصيل، خلال افتتاح الدورة الخامسة عشرة من مهرجان "الأندلسيات الأطلسية"، الذي يُقام هذه السنة تحت شعار: "إنعاش الذاكرة والاحتفاء بمغرب التسامح وقيم العيش المشترك". وحجّ جمهور غفير يقدر بالمئات إلى "ساحة المَنزه"، التي قدّم فيها الفنان أنس العطار، أحد أعمدة الموسيقى الأندلسية، ملحمة غنائية شدت انتباه الحاضرين بمختلف أعراقهم ودياناتهم، من خلال العزف الرائع على آلة الرباب التي تعود جذورها إلى القرن الثامن عشر ميلادي، رفقة أعضاء فرقته الموسيقية الشهيرة التي تدعى "أوركسترا محمد البريهي". وعرف الحفل، الذي أنعش ذاكرة المغاربة والأجانب على السواء بالقيم الكونية، مثل التسامح والإخاء، تجاوبا كبيرا مع المعزوفات الأندلسية التي استطاعت أن تصمد في وجه تقلّبات الزمن، إلى درجة أن بعض عشاق الغناء الصوفي الذين حضروا الأمسية أطلقوا عليها تسمية "نغمات الفردوس المفقود"، لاسيما بحضور فرقة الكورال المرموقة "عشاق الموسيقى الأندلسية". وفي هذا الصدد قالت كوثر شاكر، المديرة الفنية للمهرجان، في الكلمة التي ألقتها في بداية الحفل الافتتاحي بمختلف لغات العالم، إن "هذا الموعد الثقافي يسعى أساسا إلى استحضار التاريخ المشرق لمنطقة الأندلس، التي كانت شاهدة على تعايش الديانات الثلاث، الأمر الذي اعتبر حقبة مميزة في تاريخ الإنسانية؛ فكلما تقدم المهرجان في الزمن ازداد فرحا وتألقا وشبابا". وأتحف المنشد أحمد مربوح الحضور بباقة متنوعة من التراث الأندلسي المغربي الأصيل، التي تكرس لمفهوم التعايش المشترك بين الديانات، بعيدا عن كل ما يمت بصلة إلى الإيديولوجيات السياسية، في ظل تصاعد موجة العنف بالعالم، الأمر الذي يستدعي دعم هذه التظاهرات الثقافية التي ترسم صورة إيجابية عن المملكة، وفق شهادات الحاضرين. وأدى الفنان عبد الرحيم الصويري مقاطع غنائية متميزة أعادت الموسيقى المغربية إلى زمنها الجميل، حيث غنّى وصلات من المديح والسماع استرعت انتباه الحاضرين، كما لم يفوّت الفرصة لشُكر المنظمين على حسن تنظيم المهرجان الذي صار قبلة عالمية لمختلف الفرق الموسيقية التي تهتم بالتراث الأندلسي. وحضرت الحفل الافتتاحي الباذخ مجموعة من الشخصيات المهمة، في مقدمتها المستشار الملكي أندري أزولاي، وسفير دولة قطر بالمغرب، وسفير دولة فلسطين المعتمد لدى المملكة، ثم رشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني السابق، وطارق العثماني، رئيس جمعية "الصويرة موكادور"، بالإضافة إلى مجموعة من الأساتذة الجامعيين والمفكرين الأجانب؛ فضلا عن عدد من أعوان السلطة بجهة مراكشآسفي وممثلي السلطة المحلية بإقليم الصويرة. يشار إلى أن مهرجان "الأندلسيات الأطلسية"، الذي ينظم خلال الفترة الممتدة من 25 أكتوبر إلى غاية 28 منه بمدينة الصويرة، يعرف مشاركة أزيد من مائة فنان موسيقي ومغن، سيتحفون الجمهور بأغان تستمد مرجعيتها من التراث العربي اليهودي الأصيل، بهدف نشر قيم التسامح والسلم والتعايش المشترك، في وقت تعرف بعض المناطق انتشار نزعات الكراهية والتطرف الديني.