بشكل "محتشم"، أعلن وزير الثقافة والاتصال، مساء الأربعاء، عن انطلاق السنة الثقافية الجديدة، وسَط حضور قليل بالكاد ملأ مقاعد الصفوف الأمامية من قاعة "باحنني" التابعة لوزارة الثقافة بالرباط، يعْكس وضعية المشهد الثقافي في المغرب. وإذا كان "الدخول الثقافي" في البلدان المتقدمة مناسبة لاستقبال القراء مئات العناوين الجديدة الوافدة على رفوف المكتبات، كما هو الحال في فرنسا، حيث تصدُر مئات الأعمال الأدبية في مُفتتح السنة الثقافية الجديدة، فإنّ "الدخول الثقافي" في المغرب يمرُّ في شبْه صمْت. وعلى الرغم من أنّ وزير الثقافة حرِص في كلمة بمناسبة الإعلان عن السنة الثقافية الجديدة على استعراض منجزات وزارته خلال السنة الماضية، فإنه لمْ يُخْف كون قطاع الثقافة في المغرب يمرّ بأزمة، بقوله إنّ الإنتاج والاستهلاك الثقافي في المغرب مازالا ضعيفين. "بالنسبة لي، الدخول الثقافي لا يعدو أن يكون سوى فلكلور سنوي يُحاول من خلاله الفاعلون الثقافيون إثبات وجودهم الذي أصبح كغيابهم في ظل عدم معالجة الإشكاليات الكبرى للحقل الثقافي في المغرب، المتمثلة في ضعف الإقبال على المنتوج الثقافي، وتراجع القراءة، وهزالة الدعم الرسمي للكتاب، خصوصا والفِعل الثقافي عموماً"، يقول الروائي المغربي مراد الدافري. واعتبر الدافري أنّ من بين الأسباب التي أدّت إلى ركود الإنتاج الثقافي في المغرب وضعف استهلاكه، "عدم فتح الأبواب للأقلام الناقدة والمُعارضة للطروحات الرسمية؛ ما يقتل الكثير من الإبداعات الشبابية عند عتبة النشر والتوزيع". وتعكس الميزانية المخصصة لوزارة الثقافة قيمة الثقافة في المغرب؛ إذْ إنها أضعف ميزانية ضمن الميزانيات المخصصة لباقي القطاعات، فهي لم تتعدّ في قانون المالية للسنة الجارية 736.868.000 درهم، بزيادة 1.9 في المئة فقط عن ميزانية السنة المنصرمة. ويُعاني المشتغلون في حقل الأدب في المغرب الأمرّين جرّاء ضعف الإقبال على المنتوج الثقافي؛ إذ إنّ نسبة المقروئية في المغرب انخفضت إلى مستويات قياسية، لكن ثمّة أسبابا أخرى، حسب مراد الدافري، جعلت الإقبال على المنتوج الثقافي يضعف، منها الظرفية الرأسمالية التي حولت اهتمامات الناس عن المنتوج الثقافي والفكري إلى الاستهلاك الترفيهي والفرجوي. وهناك سبب آخر، يردف المتحدث، هو "تحطيم نموذج المثقف كرمز يُحترم في المجتمع وتعويضه برموز سطحية أخرى"، مضيفا أنّ "السياسات المغربية الرسمية قامت بتصفية الفعل الثقافي في الحقل السياسي أولا، من خلال عزل السياسي عن المثقف، وكذلك من خلال تدني الاهتمام الرسمي بالإنتاج الثقافي كمًّا وكيفاً، ولعل الميزانيات الهزيلة المرصودة لقطاع الثقافة ونوعية الأعمال الثقافية الرائجة خير دليل على ذلك".