غيب الموت، الخميس، المشير عبد الرحمن سوار الذهب الرئيس السوداني الأسبق، الذي رحل بمستشفى عسكري بالأراضي السعودية، بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز 83 عاماً. "الزهد في السلطة"، كانت الصفة الأكثر ارتباطا بسوار الذهب، فقد استلم السلطة في السودان عندما كان قائدا للجيش، عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق جعفر نميري عام 1985 بانتفاضة شعبية، وسلمها إلى حكومة منتخبة في 1986. عام في السلطة وُلِد المشير سوار الذهب في عام 1935 بمدينة الأبيض (غرب)، وكان والده ينشط في نشر العلم وتحفيظ القرآن. والتحق بعد ذلك بالكلية الحربية في الخرطوم وتخرَّج فيها ضابطاً عام 1955؛ أي قبل سنة واحدة من استقلال السودان، كما تلقَّى علوما عسكرية عُليا في بريطانيا والولايات المتحدة ومصر والأردن. وتدرج سوار الذهب في الجيش السوداني بعدة مناصب وتولى رئاسة الأركان ووزارة الدفاع في حكم نميري (1969-1985). وحسب الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع السودانية، فإن سوار الذهب تم إبعاده عن الخدمة تعسفيا عام 1972، وأرسل لدولة قطر. وهناك عمل بها مستشارا للشؤون العسكرية لحاكم قطر آنذاك الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، وأسهم في إنشاء "شرطة قطر - القوات المسلحة القطرية". وعاد لاحقا بعد رضا حكومة النميري عنه وعين رئيسا لهيئة الأركان إلى أن تم تعيينه قائدا أعلى للقوات المسلحة. واستلم المشير سوار الذهب مقاليد السلطة على رأس مجموعة من الضباط بعد انتفاضة شعبية في أبريل/نيسان 1985، وتولى المجلس الانتقالي إلى حين قيام حكومة منتخبة. وبعد مرور عام على حكمه، سلم سوار الذهب مقاليد السلطة للحكومة الجديدة المنتخبة برئاسة رئيس وزرائها آنذاك الصادق المهدي، إيفاءً بعهده الذي قطعه بتسليم السلطة في السودان إلى حكومة مدنية منتخبة. وعقب ذلك اعتزل العمل السياسي ليتفرغ للعمل الطوعي وخدمة المسلمين، عبر منظمة الدعوة الإسلامية (منظمة إقليمية مقرها الخرطوم). وقال سوار الذهب، في تصريحات سابقة، إن "القرار الذي اتخذه عندما كان قائدا للجيش، بإقصاء الرئيس السوداني نميري، في الرابع من أبريل 1985، بإعلانه انحياز الجيش للشعب، توصل إليه بعد أن تأكد له كوزير للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة، بأن نميري بات لا يملك شعبية، ولأجل حقن دماء السودانيين". وأضاف انه اتخذ القرار أيضا "لمنع حدوث انقلاب عسكري من ضابط صغير في الجيش كما يحدث في بلدان إفريقية". العمل الدعوي شارك سوار الذهب بفكره وخبرته في كثير من المؤتمرات المحلية والإقليمية والعالمية المهتمَّة بالعمل التطوعي والدعوة الإسلامية. وكان له دور كبير في دعم التعليم والعمل الصحي والاجتماعي في بلاده وفق الرئاسة السودانية، وترأس عدد من جمعيات أصدقاء المرضى الخيرية، كما كان عضواً في عدد آخر منها. وقدم الرجل بحوثا في مؤتمرات كثيرة عن الإسلام والدعوة إليه، والتحديات التي تواجهه، وذلك على المستوى المحلي والإسلامي والعالمي، وهو عضو في إحدى عشرة مؤسسة إسلامية وعالمية. وحاز الرئيس السوداني الأسبق على عدد من الجوائز والأوسمة منها، قلادة الاستقلال من قطر، وجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2004، وتم اختياره شخصية العام الإسلامية لعام 2009 في الدورة الرابعة عشرة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم. كما منحته جامعة كردفان السودانية (حكومية) درجة الدكتوراه الفخرية تقديرا لدوره في قيامها، وهو من مؤسسي كلية شرق النيل الجامعية (خاصة). واختير إلى جانب مسؤولياته في منظمة الدعوة الإسلامية، نائبا لرئيس المجلس الإسلامي العالمي للدعوة (هيئة إسلامية عالمية)، ونائباً لرئيس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في الكويت. كما اختير نائباً لرئيس أمناء مؤسسة القدس الدولية، وهي منظمة عربية مقرها لبنان تهدف إلى العمل على إنقاذ مدينة القدس والمحافظة على هويتها العربية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية. وللرجل مجهودات في مجال الإغاثة في فلسطين والصومال والشيشان وأذربيجان، وفي حل النزاعات بين بعض الدول والجماعات الإسلامية وتحقيق السلام في جنوب السودان، كما كان عضوا في الوفد العالمي للسلام بين العراق وإيران. وفي فبراير، جدد مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية ثقته في المشير سوار الذهب رئيسا لمجلس الأمناء لدورة جديدة للعامين القادمين. وفي نعيها له اليوم، وصفت الرئاسية السودانية، عبر بيان، حياة سوار الذهب بأنها كانت "حافلة بالبذل والعطاء" في ساحات العمل الوطني والدعوي. وقالت: "ننعى إسهاماته الوطنية والإسلامية الكبيرة، فقد خدم وطنه وشعبه، إضافة لعطائه في شتى المجالات، ومشاركته الفاعلة في مسيرة السلام والوفاق". وأضافت: "امتد عطاء الفقيد إلى الأمتين العربية والإسلامية بقيادته للعمل الدعوي والطوعي عبر منظمة الدعوة الإسلامية وانتشارها في إفريقيا والعالم أجمع". ولفتت إلى أن جثمان الفقيد سيوارى الثرى في البقيع بالمدينة المنورة.