هو الدكتور القانوني حسن الترابي، وأيضا الشيخ حسن، والدبلوماسي حسن، ورئيس حزب حسن، والفقيه وعالم الدين حسن، وصاحب الفتاوى، وصاحب الاجتهادات والآراء المثيرة للجدل وصاحب الاطلاع الواسع وباللغات العديدة إنجليزية، وفرنسية، وألمانية. وهو كبير المستشارين للشؤون القانونية إبان عهد الهدنة والتحالف مع الفريق عمر البشير قبل الإطاحة به، بل هو من صنع الفريق البشير وقدمه للواجهة. ويقال إنه هو أيضا من أقنع كارلوس وأيمن الظواهري وأسامة بن لادن بالقدوم والاستقرار في السودان. بوفاته أي الدكتور حسن الترابي تكون الحركة الإسلامية في العالم قد فقدت أحد أبرز أعمدتها التنظيرية، والتي طالما عدت كاتباته وآراؤه نبراسا لها أو لبعضها، سيما تلك التواقة إلى المشاركة السياسية، وصولا إلى الحكم أو مشاركة ائتلافية في تدبير الشأن العام. الدكتور حسن الترابي لم يكن بالداعية والفقيه فقط، بل كان رجل سياسة وقانون في المقام الأول، أسس حزبا سياسيا أو قل عدة أحزاب، وتحالف مع العسكر وساهم في قيادة انقلاب عسكري في السودان في 30 يونيو 1989، مطيحا بصهره الصادق المهدي، ومتحالفا مع الرئيس الحالي المعمر في السلطة الفريق عمر البشير، بيد أن حسابات السلطة العسكرية الانقلابية وحسابات الفقيه المنظر سرعان ما تفرقت، ما أدى بالإطاحة بالحليف الدعوي للجيش، حيث تردد على سجون شريكه في الانقلاب أكثر من أي معارض آخر ! و بعيدا عن السياسة كان للدكتور الترابي آراء أقل ما يقال عنها بأنها شاذة أثارت زوابع كبيرة، وأهرقت الكثير من الحبر والمداد…لم يكن للرجل ولفكره كبير انتشار في المغرب بالمقارنة مع دعاة إسلاميين آخرين مثل الدكتور فتحي يكن أو الأستاذ سيد قطب وأخوه محمد قطب، والراحل سعيد حوى، باستثناء كتاباته السياسية قبل انفراط عقد التحالف مع السلطة الحاكمة، حيث كان ينظر إلى تجربته بعين الرضا والإكبار في صفوف فصيل إسلامي داخل الحركة الإسلامية المغربية، و هي الجماعة الإسلامية بقيادة رئيس الحكومة الحالي عبد الإله بن كيران، والتي تحولت لاحقا إلى حركة الإصلاح والتجديد (حاتم) قبل أن تنتهي إلى حركة التوحيد والإصلاح. وفي المقابل لم يكن للدكتور حسن الترابي حضور في أدبيات جماعة العدل والإحسان، ربما لأن الجماعة لم تكن تبارك وما تزال التحالف مع العسكر، وتنبذ لغة الانقلابات العسكرية، لأنها تعتقد بأن الانقلاب لا ينتهي إلا بانقلاب. حتى لو كان انقلابا أبيض، فكل الألوان منبوذة طالما أضيفت لانقلاب ما. في النشأة و المسار وُلد د. حسن عبد الله الترابي في 1 فبراير 1932 في مدينة كسلا شرقي السودان، وسط أسرة متدينة ميسورة تنتمي إلى قبيلة البديرية، توفيت أمه وهو صغير، وكان والده قاضيا وشيخ طريقة صوفية فحفّظه القرآن الكريم صغيرا بعدة قراءات، وتعلم علوم اللغة العربية والشريعة في سن مبكرة، وجمع في مقتبل حياته أطرافا من العلوم والمعارف لم تكن ميسرة لأبناء جيله خاصة في السودان. تابع دراسته للحقوق في جامعة الخرطوم ما بين عام 1951 حتى 1955، وحصل على الماجستير من جامعة أكسفورد عام 1957، ثم دكتوراه الدولة من جامعة السوربون بباريس عام 1964. وأجاد الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ما جعله يوسع من مداركه ويحصَّل صنوفا شتى من المعارف والثقافات الغربية كان لها كبير الأثر في فكره وسعة من مداركه. وبعد عودته إلى السودان تولى الترابي عمادة كلية الحقوق بجامعة الخرطوم. ثم أضحى أحد أهم قيادات جبهة الميثاق الإسلامية، والتي كانت تمثل أول حزب أسسته الحركة الإسلامية السودانية، وهو يعد حاضنة وامتدادا لفكر جماعة الإخوان المسلمين. وبعد خمس سنوات أصبح لجبهة الميثاق الإسلامية دورا سياسيا أكثر أهمية، فتقلد الترابي الأمانة العامة. وعمل الترابي في ظرف سياسي على أن يكون اللاعب الأساسي، سيما وأن جبهة الميثاق كانت مكونة من فصيلين، الأنصار والختمية ذاتا الخلفية الصوفية واللتان تدعمان حزبي الأمة والاتحاد ذوي الفكر العلماني. ثم بقيت جبهة الميثاق الإسلامية حتى عام 1969 حينما قام جعفر نميري بانقلابه العسكري. وتم اعتقال أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية، وأمضى الترابي سبع سنوات في السجن. حيث لم يطلق سراح الترابي إلا بعد مصالحة الحركة الإسلامية السودانية مع النميري عام 1977. ثم في 1979 شغل منصب النائب العام، وأيد الترابي قرار نميري إقرار الشريعة الإسلامية في 1983، وبعد سقوط نظام نميري في 1986، شكّل الجبهة القومية الإسلامية. انفصل الدكتور الترابي عن جماعة الإخوان، وتصاعدت الخلافات بينهم نظرًا لخروجه عن نهج الجماعة وطريقتها في الدعوة والتربية، و»انحرافاته التجديدية» ! التي خرج بها عن إجماع المسلمين؛ مما أدى بهم إلى التشهير به والرد عليه. في 30 يونيو 1989، تحالف الدكتور حسن الترابي مع العقيد عمر البشير، لقلب الحكومة المنبثقة عن انتخابات ديمقراطية بقيادة صهره زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، وطبع اتجاه الترابي السياسة الخارجية للسودان على خلفية دعم المدّ القومي الإسلامي؛ بهدف التحرر من الهيمنة الأميركية الصهيونية. وفي أبريل 1991، أسس المؤتمر الشعبي الإسلامي الذي نُصِّب أمينًا عامًا له، ليشكل منبرًا للقضايا الإسلامية، حيث عقد المؤتمر الذي ضم حركات وتنظيمات إسلامية من شتى دول المعمور دورتين في ديسمبر 1993، وفي أبريل 1995 في الخرطوم. وفي فبراير 2000، أغلقت السلطات مقر المؤتمر. انتُخب الترابي رئيسًا للمجلس الوطني أي البرلمان في 1996 و 1998، بيد أن علاقاته توترت مع البشير، الذي عارض هيمنته على المؤتمر الوطني، الذي حلّ محل الجبهة القومية الإسلامية،والتي تم حلها في 1989، وتحول في ما بعد إلى حزب سياسي بموجب قانون تشكيل الأحزاب السياسية، والذي أتاح تشكيل أحزاب سياسية، وبدأ العمل به مطلع 1999. ووجه البشير الذي تتلمذ على يد الترابي ضربة قاصمة لأستاذه مع إقصائه عن رئاسة المجلس الوطني وحله في 12 دجنبر 1999، وإعلانه لحالة الطوارئ وتعليق بعض مواد الدستور. وجاء القرار بعد 48 ساعة من تصويت النواب على تعديلات هدفها الحد من صلاحيات رئيس الدولة. وفجّر القرار صراعا على السلطة بين الرجلين، وداخل المؤتمر الوطني. وبدأ العد العكسي لانهيار التحالف بين قطبي السلطة في السودان. ووافق الترابي في 23 يناير 2000 على مقترحات المصالحة والتعايش مع البشير، مكتفيًا بمهام تنظيمية داخل الحزب، بعيدًا عن مقاليد الحكم، مع اتجاه البشير للتقارب مع جيرانه العرب والأفارقة، وأبعد أنصار الدكتور الترابي عن المناصب الحكومية مع تشكيل الحكومة، وتعيين حكام جدد للولايات في 24 يناير 2000. تزوج الدكتور الترابي من السيدة وصال الصديق المهدي قائد الثورة المهدية فى السودان الإمام محمد أحمد المهدى وشقيقة رئيس وزراء السودان الأسبق الصادق المهدى. وله منها: صديق حسن الترابي، الابن الأكبر للشيخ، ذو شخصية سياسية مهتم بالجانب الاقتصادي والمالي والأمانات المركزية للحزب واهتمامه بهذا الجانب لخلفيته الدراسية. ومحمد عمر الابن الأصغر كانت ترغب والدته في تسميته محمد وكان يرغب أن يسميه الشيخ عمر فجرت تسميته ب «محمد عمر». أمامة تعد من أقرب بناته، عرف عنها اهتمامها بالدراسات واللغات ومهتمة بالجانب الفكري، وأسماء فمتزوجة من عقيد في القوات المسلحة عرف عنها أنها شخصية عملية، وذات نشاط كبير في الحزب في أيام الإنقاذ الأولى تولت أمانة المرأة بالخرطوم، وسلمى التي درست في جامعة النيلين، ثم عملت بعد ذلك في الجانب التنظيمي للحزب. حكاية ديمقراطية العمامة على ظهر الدبابة ! منذ استقلال السودان عن مصر في 1 يناير 1956 والانقلابات العسكرية اللغة الأولى للوصول إلى الحكم، وبحكم أن السودان كان يعيش حربا ضروسا مع الجنوب فقد كان للجيش دور سياسي بارز، بل إن الهزائم العسكرية مع الجنوب كانت بمثابة المشروعية لأي انقلاب عسكري. إذ بدأت سلسلة الانقلابات العسكرية من إبراهيم عبود إلى جعفر نميري، ليصبح الانقلاب والوصول للسلطة هو الأصل بينما الاحتكام إلى الديمقراطية وصناديق الاقتراع هو الاستثناء ! وتبقى تجربة الفريق عبد الرحمن سوار الذهب فريدة من نوعها على المستوى العربي والإفريقي وحتى العالم ثالثي، فلم يكن مجيء الفريق عبد الرحمن سوار الذهب إلى سدة الحكم في 6 أبريل 1985، بالأمر المفاجئ بل كان الحدث الذي توقعه كثيرون. فقد تطورت الاحتجاجات الشعبية العفوية إلى عصيان مدني شامل، وبدأت احتجاجات أبريل 1986، بمظاهرات بسيطة عفوية ضد التسعيرة الجديدة المرتفعة التي وضعتها الحكومة لبعض السلع ومن ضمنها السكر، إلا أن مظاهرات «السكر المر» كما أطلق عليها سرعان ما تطورت إلى إضرابات واحتجاجات متواصلة رغم تراجع الحكومة عن التسعيرة الجديدة، حتى اضطرت القيادة العامة للجيش التدخل لتفادي تردي الأوضاع الأمنية، وتفشي الفوضى أمام عجز الحكومة التي كان يرأسها نائب الرئيس عمر محمد الطيب، إذ كان الرئيس جعفر نميري خارج البلاد في زيارة استشفائية للولايات المتحدة. وفي صباح يوم السبت 6 أبريل 1985، أذاع الفريق أول عبد الرحمن سوار الذهب وزير الدفاع والقائد العام لقوات الشعب المسلحة بيانا أعلن فيه عن الاستيلاء على السلطة وإنهاء حكم الرئيس جعفر نميري والذي حكم السودان 16 عاما. وفعلا وعلى غير عادة العسكر، أنجز الفريق عبد الرحمن سوار الذهب وعده بالانسحاب من السلطة وتسليمها للمدنيين بعد انقضاء مهلة العام في سابقة فريدة من نوعها ! وجرت الانتخابات في موعدها، وفاز فيها حزب الأمة الجديد بزعامة الصادق المهدي، متقدما على غيره من الأحزاب وتولى رئاسة مجلس الوزراء، بينما جاء الحزب الاتحادي الديمقراطي في المرتبة الثانية الذي كان يتزعمه أحمد الميرغني وتولى رئاسة مجلس رأس الدولة، فيما خرج منها حزب الجبهة الإسلامية القومية وزعيمه حسن الترابي ليتصدر صفوف المعارضة في البرلمان. وسلم سوار الذهب السلطة إلى الحكومة المدنية الجديدة. في عام 1989 تم ائتلاف آخر بين حزب الأمة والجبهة الإسلامية القومية، وعلى إثره تم تعيين الدكتور حسن الترابي المنتمي إلى الجبهة الإسلامية القومية في منصب نائب رئيس الوزراء، وهو الذي كان يشغل قبل ذلك منصب وزير للخارجية. بيد أن الجبهة سرعان ما استقالت من الحكومة عقب دخول الصادق المهدي في محادثات سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، أسفرت عن اتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية على وقف إطلاق النار، وتكرس بإلغاء قانون الشريعة، وإلغاء حالة الطوارئ، وإلغاء الأحلاف العسكرية مع مصر وليبيا. لم تتضح الأمور يوم أعلن التلفزيون السوداني عن استيلاء بعض من الضباط التابعين للجيش السوداني على الحكم بقيادة العميد عمر حسن أحمد البشير. أو تظهر هوية ومعالم الانقلاب الجديد؟ مما ساعد الحكومة الجديدة على أن تنال تأييدا واسعا داخليا وخارجيا، بل ومن دول كثيرة، سيما مصر . وقامت الحكومة الجديدة من باب التمويه بعدد من الاعتقالات الواسعة واعتقلت ضمن من اعتقلت الدكتور حسن الترابي نفسه الذي ظهر وفيما بعد أنه مهندس الانقلاب ورأسه المدبر. و يعلق الدكتور حسن الترابي أو قل يعترف بكواليس الانقلاب قائلا :»قلت للبشير :اذهب للقصر رئيسا، وأنا أذهب إلى السجن حبيسا».. وهي العبارة التي تعكس روح التعاون، والقدرة على التخطيط، فذهب العقيد عمر البشير إلى القصر، وتولى رئاسة مجلس قيادة الثورة، بينما اقتيد شيخه ومنظره الدكتور حسن الترابي إلى السجن، وكان الهدف هو إبعاد مشاركة الإسلاميين في الانقلاب حتى يمكنه أن ينجح، ويتم الاعتراف الدولي بالنظام العسكري الجديد من باب التمويه، وذر الرماد على العيون كي يحجب عنها هوية التوجه السياسي الجديد في السودان، ليمكث الدكتور الترابي في السجن بضعة أسابيع مع بقية المعارضين الآخرين، قبل أن يطلق سراحه. وفي كتاب: القصر والمنشية: صراع الهوى والهوية، لصاحبه عبد الرحيم عمر محي الدين، والذي يرمز فيه إلى العقيد عمر البشير بالقصر الجمهوري، وعن شيخه الدكتور حسن الترابي بالمنشية نسبة لحي المنشية بالخرطوم حيث مسكن الترابي، وينقل على لسان وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين قائلا: «قبل شهرين من التنفيذ قمنا بأداء القسم، قسم تامين وولاء للحركة، وهو بأن لا نفشي السر، وفي ذلك الحين قام العميد عمر حسن البشير بتوجيه سؤال للترابي: إذا نجح هذا الانقلاب فمتى تظهر علاقة هذه الحركة الانقلابية بالحركة الإسلامية ؟ فرد الدكتور حسن الترابي بأنه حريص على عدم إفشاء السر، ومعرفة العلاقة بين الإسلاميين والتحرك العسكري، ولو بعد 30 سنة، وكان وقتها العميد عمر حسن البشير يحارب وسط أحراش الجنوب». بيد أنه سرعان ما سطع نجم الشيخ المنظر حسن التربي، وبدت بصماته في انقلاب 1989 جلية، باعتباره أهم حليف للجيش، بل وأهم من الجيش نفسه لأنه هو من كان ينظر لأصحاب البزات العسكرية. ورويدا رويدا خرج الدكتور الترابي إلى العلن حيث تولى منصب الأمين العام للمؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، وهي مؤسسة غير حكومية، لكنها تمثل حلقة الوصل بين الخرطوم وعدد من التنظيمات والشخصيات الإسلامية، في تونس والجزائر، وفلسطين، وأفغانستان، والصومال وإريتريا وإثيوبيا ومصر… حيث كانت مؤتمرات المؤتمر تنظم تحت عنوان الصداقة مع الشعوب لكنها كانت مؤتمرات في غالبها لتيارات إسلامية. وهنا أضحت السودان قبلة للإسلاميين، سيما أولئك الفارين والباحثين عن ملاذ ومأوى، فقصدها كل من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري بل حتى كارلوس … مما كان سببا لفتور، وتوتر العلاقات الدبلوماسية بين السودان وعدد من الدول، كما نتج عنه أيضا ازدواجية في المواقف، وتناقضاً مع وزارة الخارجية، ثم انتقل في منتصف التسعينيات أي الدكتور الترابي بعد رئاسة السلطة التشريعية حيث انتخب رئيساً للمجلس الوطني _ البرلمان السوداني_ ومعه شغل منصب الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني حتى عام 1999. لقد كانت كل المؤشرات تؤكد على أن شهر العسل بين الشيخ الترابي وتلميذه العسكري سرعان ما سينقضي، وأن صبر التلميذ العسكري البشير له حدود. فالشيخ الترابي كان هو الآمر والناهي والمنظر، كما أن العقيد البشير سئم من لعب الأداة التنفيذية والاقتصار على دور التلميذ، فقد تعلم من مدرسة المعمعان السياسي أكثر مما تعلمه من شيخه الترابي. وفي هذا الصدد يصف الكاتب و الصحفي السوداني فائز الشيخ السليك وصفا دقيقا لمجريات ما قبل المعركة والاصطدام، ما بين الشيخ والتلميذ، حيث يقول:» فقد قام الترابي في عام 1994 بإعلان حل مجلس قيادة الثورة قبل صدور القرار بواسطة الرئيس، وإن قبل البشير على مضض حل المجلس العسكري، لكن البشير بعد ذلك رفض مقترحاً بالتقاعد من الجيش، وتمسك بأن وجوده في الجيش يشكل ضمانة لتأمين الثورة، كما رفض البشير تعيين الترابي نائباً أول له في الحكومة بعد اقتراح تقدم به بعض الإسلاميين بعد وفاة نائب البشير ورفيق دربه الزبير محمد صالح في حادثة سقوط طائرة في فبراير 1998، وتضمن المقترح ثلاثة أسماء؛ هي الترابي، علي عثمان محمد طه، وعلي الحاج محمد، ويقول مقربون من البشير إن الرئيس قبل ترشيح طه، ورفض الترابي بحجة أنه لا يمكن أن يكون أعلى من شيخه مرتبة».(انتهى) ثم بدأت سنة الحسم والصدام تقترب، حيث قدم عشرة من القادة الإسلاميين في 1998مذكرة أطلق عليها مذكرة العشرة من أجل إقرار إصلاحات سياسية وحزبية داخل بيت المؤتمر الحاكم، معه تقليص سلطات الأب الروحي الدكتور حسن الترابي الأمين العام للحزب، ورئيس البرلمان. فأعقب ذلك تجميد منصب الأمين العام في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وأمانته العامة، فترك الدكتور الترابي الحزب والحكومة، واختار المعارضة سبيلا، وفتحت صفحة جديدة بين الشيخ والتلميذ، حيث انتقل الترابي من شيخ ومنظر إلى سجين كثير التردد على سجون التلميذ عمر البشير. حيث تردد على السجن عدة مرات منها في عام 2001 بعد أن وقع حزبه مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية المنادية بانفصال الجنوب بزعامة جون قرنق، وكان مجرد الاقتراب من حركة قرنق تعد، خيانةً عظمى ومروقاً أعظم فما بالك بالتحالف معهم! فقضى على إثرها ثلاثين شهرا خلف أسوار السجن. ثم عاد إلى السجن للمرة الثالثة في عام 2004، نتيجة تقارب بينه وبين حركة العدل والمساواة المتمردة في إقليم دارفور المضطرب. ثم حبس مدة قصيرة في 2010 عقب دعمه لتقديم الرئيس البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب اتهامات بجرائم حرب ارتكبت بدارفور… ثم بدأت الأمور تهدأ رويدا رويدا، حيث ظهرت بوادر التقارب من جديد، عبر آلية الحوار الوطني التي عرفت مشاركة الجميع، قبل أن يباغت الموت الشيخ الحسن. ليرحل عن دنيانا يوم 5 مارس 2016 تاركا وراءه ثلة من التلامذة والمريدين ما بين معانق للسلطة وناقم عليها! الإسلاميون المغاربة والدكتور حسن الترابي اختلف حضور فكر وتجربة الدكتور حسن الترابي عند الحركة الإسلامية بالمغرب، ممثلة في أكبر فصيلين حركيين، جماعة العدل والإحسان والجماعة الإسلامية التي انتقلت إلى حركة الإصلاح والتجديد، ثم حركة التوحيد والإصلاح، الحاضن الإيديولوجي والذراع التعبوي لحزب العدالة والتنمية لاحقا. ففي حالة جماعة العدل والإحسان لا نكاد نجد للرجل أثر يذكر في أدبيات الجماعة أو عند الاستشهاد في كتابات أعضاء الجماعة، لعدد من الاعتبارات: الاعتبار الأول: الاكتفاء الذاتي الإيديولوجي، بحيث تعد كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين الخزان الفكري والتربوي الأساسي للجماعة. ما قلص دائرة حضور باقي المنظرين الإسلاميين المنتمين عموما للمشرق العربي، وللتجربة الإخوانية خصوصا وتفريعاتها. الاعتبار الثاني: ابتعاد الجماعة عن المشاركة السياسية أو التطلع للمشاركة في حينه، وبالتالي لم تكن كتباته أو تجربته أي الدكتور الترابي مصب التقاء بينه وبين الجماعة. الاعتبار الثالث: نبذ الجماعة للأسلوب الانقلابي ولو أتى بالإسلاميين. سيما إذا كان التحالف مع مؤسسة العسكر، فالأمر محسوم سلفا. وعلى العكس من جماعة العدل والإحسان، نجد انفتاحا كبيرا من لدن حركة الإصلاح والتجديد في حينه على تجربة الدكتور الحسن الترابي، بل لقد وصل هذا الانفتاح إلى درجة الاقتباس والاقتداء بحركته وفكره وتجربته، منذ وصول تلامذته للحكم عقب انقلاب 30 يونيو 1989 إلى غاية الانفصام والانشقاق الحاصل في 1999. ويمكن تقسيم هذا التعامل إلى مراحل: 1_مرحلة التقدير والإكبار: وبدا منذ نجاح الانقلاب والوصول إلى الحكم لتيار الدكتور الترابي وإعلانه عن إسلامية الدولة بالسودان، حيث كان مضرب المثل في الوصول الهادئ والسلس إلى السلطة، ونموذج للحكمة في التعايش ما بين الإسلاميين والجيش، على عكس التجربة الجزائرية في 1992 أو التجربة الإخوانية المصرية في 1954. 2_ مرحلة التعاطف نتيجة المحنة: وبدأت قبيل منتصف التسعينيات حين شُدد الخناق على السودان وفرض عليه الحصار نتيجة، وصول الإسلاميين للحكم. 3_مرحلة التخفف والتريث: و هي مرحلة ما بعد الانفصال ما بين الدكتور الترابي والفريق عمر البشير، ودخول الاثنين في حالة صراع وصدام. وكشاهد على المرحلة الأولى، مرحلة التقدير ولاقتداء، حفلت جريدة الراية الناطق الرسمي في حينه باسم الحركة، أي حركة الإصلاح والتجديد قبل أن تغير اسمها إلى التوحيد والإصلاح، بمتابعة تجربة الدكتور حسن الترابي، من حوارات ومتابعات ونُقول، بل نجد الراية تنقل استجوابا مطولا لحليف الدكتور الترابي الفريق عمر البشير في عددها 15 / بتاريخ 10 فبراير 1992 تحت عنونا: يحاربوننا من أجل خيارنا الإسلامي، نقلا عن مجلة فلسطين المسلمة. وسنكتفي بنقل هذه الفقرة من محاضرة نشرت عبارة عن مقال مطول للأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد: الحركات الإسلامية والتجربة الديمقراطية / جريدة الراية عدد20، أبريل 1992. «ثم جاءت أساليب الديمقراطية المغشوشة بكسادها وفسادها، فكل الأحزاب كانت تابعة لجهات وبلدان خارجية، فحزب الأمة للسعودية، وحزب البعث للعراق، والحزب الشيوعي للصين أو روسيا، والحزب الوطني لمصر، إلا الإسلاميين فقد اختاروا الاستقلالية مراعاة منهم للخصوصية….وقد حصل الإخوان في الستينيات في أول مشاركة على مجموعة من المقاعد في البرلمان ب 5,6% من الأصوات في حين حصل الشيوعيون على 1,1% وبعد انقلاب الشيوعيين والنميري لاقى الإسلاميون مختلف أنواع التعذيب والتشويه إلى أن سقط النظام بعد مرحلة المصالحة التي حاولت تطبيق الشريعة بطريقة حكيمة ومتدرجة وإلى أن حدث الانقلاب من جديد وأصبحت الكلمة الأخيرة للشعب الذي صوت على الجبهة القومية الإسلامية.(حزب الترابي)….»