استنكر حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي(الاسلامي) بالسودان ما أسماه "استعمال الدين لأغراض سياسية" من طرف الرئيس العسكري عبر البشير، المتابع دوليا بوصفه "مجرم حرب"، والذي كلما ووجه بانتفاضة شعبية سارع إلى تبشير الشعب السوداني بالمزيد من "تطبيق الشريعة" في كل المجالات، جريا على عادة سلفه جعفر النميري الذي استولى بدوره على السلطة بانقلاب عسكري بغطاء ديني باركه الأزهر والإخوان المسلمون، وأوقع البلاد في أوضاع كارثية. ما عبّر عنه حسن الترابي مثير للضحك وللشفقة معا، ذلك أنه كمن يستنكر استعمال سلاح فتاك اخترعه هو بنفسه وساهم في ترويجه، ففي 30 يونيو 1989، شارك حسن الترابي باسم "حركة الإنقاذ الإسلامية" في انقلاب عسكري مشؤوم تزعمه السفاح عمر البشير، وكان انقلابا على حكومة منتخبة ديمقراطيا بزعامة الميرغني. كان تحالف الترابي والعسكر واضح الأهداف، دعم الإسلاميين للإنقلابيين ضدّ الديمقراطية وتوفير الغطاء الديني لكل الأفعال الإجرامية التي ستتلو ذلك، وهدف الترابي البعيد المدى التمكين للدين في الدولة ولو في إطار نظام عسكري استبدادي. حصيلة هذا التحالف بعد سنوات جاءت على الشكل التالي: تملص حكم البشير من كل الاتفاقيات الدولية ومعاهدات السلام المبرمة، ومجمل الحل السلمي الداخلي الذي كان جاريا بعد اتفاق الميرغني – جون كرنك. استفحال حرب الجنوب المسيحي ضدّ سعي العسكر والإسلاميين إلى فرض الشريعة الإسلامية على كل مناطق السودان، وهي الحرب التي انتهت إلى انفصال جنوب السودان وخسارة الخرطوم لهذا الملف بشكل مهين. هدر ثروات السودان في المشاريع التآمرية ضد الجيران، وفي العمليات العسكرية من أجل كبح تمرد السودانيين الذي اندلع في كل مناطق البلاد. التمكين لاستبداد العسكر وسيطرتهم على كل القطاعات، مما أدّى إلى شلّ المؤسسات وإشاعة ثقافة التخلف الوهابية والعنيفة في المجتمع السوداني، ضدا على تقاليد وأعراف الكثير من القبائل السودانية وقيمها المتسامحة والنبيلة. مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وطرد الآلاف من السودانيين المخالفين للحكم العسكري/الإسلامي من أعمالهم، وتشريدهم، واعتقالهم، وتعذيبهم وقتل العديدين منهم. بالإضافة إلى سن قوانين قمعية بُغية القضاء على ما تبقى من قنوات المجتمع المدني، مما أدّى إلى شرعنة حلّ النقابات العمالية والمهنية والأحزاب السياسية وتدمير كل مؤسسات المجتمع التي تمكن من المقاومة. نهب القطاع العام وأموال الدولة، وتحويلها لفئة قليلة من الطفيليين الجدد وأثرياء الجبهة الإسلامية، وإرهاق كاهل المواطنين بالضرائب حتي تزايدت حدة الفقر ووصلت إلى نسبة مهولة ( 95% من الشعب السوداني). تفريخ رأسمالية "طفيلية" جديدة خدماتية ذات غطاء "ديني"، نهبت أصول القطاع العام وعائدات البترول وركزت السلطة والثروة في يدها، ونشرت الفساد بشكل لا مثيل له، حتي تم تصنيف السودان في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم! انقلاب العسكر على الإسلاميين أنفسهم والزج بالترابي في السجن ثم الإقامة الجبرية، بعد أن استفحلت الخلافات بين طرفي المؤامرة على الديمقراطية. اندلاع انتفاضة دارفور التي قتل فيها البشير 300 ألف شخص، ورقص على جثثهم فوق منصات الخطابة، وهجّر مليونين من السكان وحوكم بمقتضى ذلك دوليا وصُنف "مجرم حرب" مبحوث عنه. بعد هذا كله يأتي الترابي اليوم بعد 23 سنة، ليشتكي من استعمال الدين في السياسة من طرف عمر البشير، يشتكي لعبة البشير التي علمها إياه، بعد أن أصبح هذا الأخير يتقنها إلى درجة جعلت رفاق الترابي يخسرون كل معاركهم ضدّ استبداد العسكر الذين يواجهون المتطرفين الدينيين بنفس سلاحهم. لا يهمنا مصير الترابي وأمثاله من المقامرين، لكن يهمّنا مستقبل بلدنا المغرب الذي عليه أن يأخذ العبرة من أخطاء الآخرين حتى لا نقع في مصيرهم... وبئس المصير.