سعيد آيت باجا مسرحي ومُشخّص مغربي شاب دخل المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي محبّا للمسرح، ومحاولا صقل موهبته، قبل أن يعود إليه أستاذا ينقل حب أبي الفنون وتقنياته إلى أجيال مغربية أخرى. آيت باجا، الذي سبق أن حصل على الجائزة الكبرى في المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي، لا يتوقف ذكره عند دَرَج الخشبة، بل يتعدّاه إلى لائحة المشخّصين في المسلسلات التلفزية والأفلام السينمائية. في هذا الحوار التقت هسبريس بسعيد آيت باجا، وسألته عن مستوى الإنتاجات المسرحية المغربية، وسبب ضعف إقبال المغاربة على القاعات السينمائية والمسرحية، وأيضا عن جديده المسرحي. • كيف ترى مستوى المسرح اليوم بالمغرب؟ المسرح المغربي بألف خير، والدليل على ذلك فوز مسرحية "صولو" بجائزة أحسن عمل عربي. كما أن الباحثين المغاربة الشباب في ميدان المسرح حازوا على عدة جوائز في المهرجانات العربية؛ لذا أقول إن المسرح المغربي بخير، وهناك تكاتُف للجهود من أجل إعطائه اعتبارا خاصا. وعندما نرى الكم الهائل من المهرجانات التي تنظَّم بالمغرب، والمهرجانات الخاصة بالشباب، وهواة المسرح، والمهرجان الدولي للمعاهد المسرحية، الذي نُشرف عليه بشراكة مع مسرح محمد الخامس، وينظّمه أيضا قطاع الثقافة في وزارة الثقافة والاتصال، لا يمكن لكلّ هذا إلا أن يضيف إضافة كبيرة إلى المسرح المغربي. أيضا في تجربة حقيقية ونوعية تتضافر فيها جهود الحكومة المغربية بتنظيم وزارة شؤون الهجرة التي اقتنت مجموعة من العروض في جميع أنحاء المعمور من أجل مغاربة العالم، وهو ما أعتقد أنه قفزة كبيرة ونوعية في ترويج المنتوج المسرحي. أيضا ما تبذله وزارة الثقافة والاتصال من جهود في مجال اقتناء العروض وسياسة التوطين، وتشجيع تنظيم المهرجانات المسرحية بالمغرب، وما يقوم به مسرح محمد الخامس الذي نوجد به الآن في مجال اقتناء عروض مسرحية لمختلف الفرق المغربية وترويجها. والأكيد أن هذا سيضيف إضافة كبيرة جدا إلى المسرح المغربي، وسيخلق فرص شغلٍ، ولن يبقى عندنا فنّانون يشتغلون بشكل موسمي؛ ولهذا أقول دائما إن المسرح المغربي بخير. من ناحية الإنتاج، يجب الانفتاح على تجارب مختلفة من أجل أن نرقى بالمسرح المغربي فنيّا، وتصبح عندنا جودة. كما يجب أن تتحمل الجماعات المحليّة والجهات مسؤولية ترويج المنتوجات المسرحية، فلا يكفي أن تكون وزارة الثقافة المغربية هي الوحيدة التي تساهم في المسرح المغربي، بل يجب الانفتاح حتى تصبح لدينا صناعة مسرحية حقيقية يرتادها الجمهور، ويؤدي مقابلا من أجل الدخول ومشاهدتها، وبالتالي سنكون أمام فرق مسرحية أو مقاولات مسرحية تقدّم منتوجات تراعي ما يتطلع الجمهور إلى مشاهدته، وبالتالي سيأتي هذا الجمهور إلى دور العرض من أجل مشاهدة المسرحيات. • هل عدد القاعات السينمائية المغربية كافٍ؟ أكيد أنه عدد غير كاف، ويجب إعادة الاهتمام بدور السينما ودور العرض بشكل عام، ويجب تشجيع المواطنين أيضا على دخول السينما، والرّفعُ من مستوى إنتاج الأفلام السينمائية المغربية؛ لأن المشاهد المغربي يجب أن يرى أفلاما تنبض بما يحسُّه، وتعتبر جزءا منه، ليرى السينما التي تمثّله والسينما التي ترتقي به. المشاهد المغربي يريد أن يسمع الدارجة في دور العرض، ويريد أن يشاهد قصصا درامية مصدرها ما نعيشه في المجتمع؛ لذا يجب تشجيع الإنتاج المغربي السينمائي، والرفع من مستوى الأفلام المغربية المعروضة، كما يجب الرفع من عدد دور العرض، لأن الظاهرة التي كنّا نعيشها هي أن دور العرض كانت تُغلق، وبالتالي يجب أن يوجد حلٌّ حتى تُصبح عندنا دور سينما بوفرة، ولا ننسى أن تكون عندنا أيضا دور ثقافية أو مسارح يمكنها أن تستوعب الكثير من شرائح المجتمع، التي ستأتي من أجل أن تشاهد العروض المسرحية أو السينمائية. • في نظرك، ما سبب قلة إقبال الجمهور المغربي على دور السينما؟ لا أدري. أقول دائما ربما يكون المنتوج المغربي قليلا بالمقارنة مع المنتوج الأجنبي؛ لذا من الجيد أن تكون عندنا إنتاجات أجنبية تعرض في دور العرض، ولكن لا ننسى أن الأفلام المغربية تلقى إقبالا من طرف المشاهد المغربي، ففي بعض الأحيان آتي إلى السينما وأجد الناس مصطفين من أجل مشاهدة إنتاج وطني. أيُّ إنتاج مغربي يأتي الناس لمشاهدته؛ لأنه يمثل شيئا قريبا منهم ويمسّهم، أما الأفلام الأجنبية فهي أفلام راقية، ولامعة، والأفلام الأمريكية رفيعة ونتيجة صناعة سينمائية، ولكن هل يأتي الناس لمشاهدتها أم لا؟ هنا علامة استفهام. لذا أقول إنه يجب إيلاء الاهتمام بالمنتوج المغربي، وإعطاؤه دعما أكبر لأنه يمس المشاهد المغربي، ولأن المشاهد المغربي يأتي لمشاهدته. أنا إنسان طوباوي (مثالي) ولست عدميّا؛ وأختلف مع من يقولون إن الجمهور لا يأتي إلى المسرح، أو لا يأتي إلى السينما، فهناك أشخاص يذهبون إلى السينما، وهناك أُناس يذهبون إلى المسرح. يجب تقديم أفلام تكون جادة، ومن الممكن أن تجلب جمهورا. كما أن الجمهور يعشق الفرجة ويعشق مشاهدة أفلام من محيطه وتمسّه، وإذا قدّمنا له فرجة محبوكة بشكل ممتاز تراعي معايير الجودة، فالأكيد أنه سيأتي، رغم أنني أقول إنه يأتي لمشاهدة الأفلام والمسرحيات. • ألا ترى أن القرصنة من أسباب نقص الإقبال على السينما؟ أكيد؛ فدائما نقول إنه من أجل الذهاب إلى السينما هناك طقس، أي طقس الذهاب إلى السينما، وعندما يكون الفيلم السينمائي متوفّرا في السوق يمكن أن تأخذ الفيلم من السينما وتجلس في منزلك وتشاهدَه. يحدث هذا إذا لم تكن تعرف متعة أن تشاهد فيلما في الشاشة الكبيرة، وأن تكون عندك طقوس معيّنة في المشاهدة، وأن تجلس بشكل جميل جدا والمؤثرات الصوتية تحيط بك من كل الجوانب. بمعنى أنه عندما تصير الفرجة طقسا بالنسبة إليك؛ لا يمكن أن تستبدل قاعة السينما بقرص مدمج تأخذه من أحد الباعة. الأكيد أن القرصنة ساهمت في (نقص الإقبال) ليس على السينما فقط، بل أيضا في الموسيقى عندما يتعلق الأمر بالفنانين المغاربة؛ لأن القرص في الماضي كانت له إيرادات، عكس اليوم، حيث يمكنك ولوج الأنترنت وتحميل المقاطع الموسيقية، أو أن تشتري فيلما من الباعة المتجوّلين وتشاهدَه. إذن، يجب إعادة التفكير، والبحث عن العطب الحقيقي وراء سؤال: لماذا لا نذهب إلى السينما؟ وهذا حديث، وفي المسرح حديث آخر. • هل السينما كافية لتكون مصدر عيش الممثّل أو المخرج؟ عندما تجد منتجا أو مخرجا يشتغل هذه السنة على فيلم، ثم ينتظر سنة أو سنتين ليُعد فيلما ثانيا أو ثالثا؛ فلا يمكن أن يقتصر على هذا العمل. المغرب تغيّر بشكل خطير في المجال الفني، ويجب أن لا نفكّر الآن بنمط تفكير الماضي، بل يجب أن نفكّر على أساس أن هناك فنانين سينمائيين يعيشون من السينما، وأن هناك مخرجين يعيشون من السينما. لقد أصبح للفنّان وضع اعتباري، ولم يعد مقبولا ما كان يقال سابقا عن "الممثّلين المساكين" أو "الفنان المسكين". توجد صحوة، ويوجد فنّانون أغنياء، ويوجد مخرجون أغنياء، وتوجد نخبة ميسورة من الفنانين. الفن "تيوكّل الخبز" (يمكن العيش من مردوده)، وأكثر من هذا "تيوكّل حتى ميلفوي" (يمكن العيش برفاهية من مردوده). • ما الأقرب إلى قلبك، السينما أم المسرح؟ السينما والمسرح هما معا جزء من تاريخ، وجزء من الفنون التي تبقى راسخة على مرّ السنين، ولا يمكن أن أتبرّأ من أحدهما، ولكن سأختار المسرح لما أحسّه وأنا ألعب فوق خشبة المسرح، ولما أكنُّه للجمهور الحاضر الذي يتفرّج، ويتفاعل بشكل مباشر؛ فأحب المسرح، وأحبّ السينما، ولكن أحب بقدر أكبر الفن المسرحي. • ما جديدك الفني؟ نحن هذه الأيام في فترة التّداريب، ونستعد لتأدية مسرحية "سير تضيم"، المدعومة من طرف جمعية "إسيل" والصندوق المغربي للتقاعد. وهي مسرحية تسلّط الضوء على فئة من المجتمع هي فئة المتقاعدين، ويُشخِّصُها كل من عبد ربه، وفضيلة بنموسى، ومحمد الأثير، ووسيلة صبحي، ومن سينوغرافيا (التصميم الفني) رشيد الخطابي، وإخراج الفنان بنعيسى الجيراري.