"فاعتبروا يا أولي الأبصار" قال الشاعر: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم... !!! الظلم رذيلة أخلاقية لصيقة ببني آدم منذ بدء الخليقة، وتجلى في أبشع صوه في الحسد الذي نهش قلب قابيل على هابيل، ابني أبو البشرية سيدنا آدم عليه السلام وأودى بقتل الأخ لأخيه، ولعياذ بالله، فكان أول ظلم بين بني الإنسان... بإيعاز وتحريض من العدو الأكبر الشيطان الرجيم لعنة الله عليه، المتسبب في خروج أبينا آدم وأمنا حواء من الجنة، بغوايته لهما، وبتقديم النصيحة المسمومة الملغومة لهما... قال تعالى: « واتل عليهم نبأ ابني آدم، إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، قال لأقتلنك، قال إنما يتقبل الله من المتقين » صدق الله العظيم. ولقد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما في الحديث القدسي: « يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا » وفي الحديث النبوي الشريف: « الظلم ظلمات يوم القيامة » وفيه أيضا « إن الحبارى تموت في أوكارها من ظلم الظالم ». والظلم ليس محصورا في الأفراد، بل قد ترتكبه الدولة في حق أحد أو بعض مواطنيها... كما قد ترتكبه الدول فيما بينها... ! وجاء التهديد والوعيد من الله العزيز الجبار ذي الانتقام لكل من ظلم من لا ناصر له إلا الله في الحديث القدسي: « اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصرا غيري » بل توعد جل علاه في حديث قدسي آخر ، كل من كان في مقدوره نصرة مظلوم ولم يفعل: « لأنتقمن ممن رأى مظلوما فقدر أن ينصره ولم يفعل... وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله ». كما ورد في الحديث النبوي الشريف الآمر بنصرة المظلوم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما... أي كف الظالم واردعه عن ظلمه... ومن صور الانتقام الإلهي من الظالم في الحياة الدنيا: استبدال قوم بقوم آخرين: قال تعالى: « وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين » الآية 11 من سورة الأنبياء، وابتلاؤه بمن هو أظلم منه... وهذا الجزاء ينطبق على الأفراد والجماعات والدول والأنظمة على حد سواء... وقديما قيل: وما من ظالم إلا سيبلى بأظلم... !!! ولعل أفدح صور الظلم تتجسد على مدار العصور والدهور والقرون والأزمان في شخصين اثنين غضب الله عليهما ولعنهما هما: 1)- فرعون: المتأله في الأرض: الذي قال لقومه: أنا ربكم الأعلى... !!! و2)- النمرود: الذي حاج ابراهيم عليه الصلاة والسلام في ربه وقال له: أنا أحيي وأميت... !!! ومع كامل الأسف، استنسخت صورتي فرعون والنمرود، بأشكال متفاوتة بعد هلاكهما... رغم اندثار امم وشعوب وقبائل وزوال دول... وإنه لمن المشين حقا أن توجد في عصرنا الحالي الذي يحلو للبعض تسميته بعصر حقوق الإنسان وبعصر دولة الحق والقانون... !!! نماذج عملية تجسد وتطبق عمليا مبادئ فرعون والنمرود... تتجلى فيما يتعارف عليه بالتمويت والتتريك... وما يعبر عنه بلغة القانون: بالتجريد من الحقوق الوطنية... والتجريد من حقوق الإنسان... وفرض حصار تفقيري وتجويعي وإعلامي... والتحجير... والإقصاء... والتهميش... ظلما وعدوانا... وبدون أي وجه حق... وبدون أية متابعة متابعة قضائية أو تأديبية... !!! بل بدون حتى إعلام المظلوم بالقرارات الظالمة المتخذة في حقه... ! واستمرار هذه الوضعية الشاذة... المخالفة لشرع الله وللميثاق العالمي لحقوق الإنسان... وللدساتير الموضوعة... وللقوانين الوضعية... طيلة عشرات السنين... تجاوزت نصف قرن... !!! وسد جميع الأبواب والنوافذ في وجه المظلوم... داخل الوطن وخارجه... بتعاون سافر بين الدول على الإثم والعدوان... !!! ويقال عن المظلوم الذي تعرض لهذا الظلم المتوحش في المغرب: هذا داز فيه الترين... !!! أي سحقه القطار... !!! ويحذر كل من يفكر في التعاطف معه أو التوسط له أو مساعدته بعبارة: بعد عن الدم ليطليك... !!! أي ابتعد عن الملطخ بدمائه... لكي لا يصيبك ما أصابه... !!! كما توجد عدة دول تشكو من ظلم دول مجاورة لها... تنازعها السيادة على جزء من أراضيها... وتستنزف ثرواتها وطاقاتها... وتعيق مشاريع تنميتها ونهوضها... قال تعالى: « وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ». ومعلوم أن من مظاهر الترف المال والسلطة والجاه... ومن صور الفسق الظلم والاستبداد واستغلال النفوذ وهدر كرامة وحقوق الإنسان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء »، و «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ». فيا أيها المسؤولون هلا جربتم وصفة رفع الظلم عن المظلومين وإنصافهم ورد الاعتبار إليهم، بل رد حقوق الإنسان المغتصبة منهم طيلة عقود من الزمن؟؟؟ قال تعالى: « فاتقوا الله يا أولي الألباب، لعلكم تفلحون » وقال جل علاه: «أليس منكم رجل رشيد !!! ».