الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , وبعد : فإن من أعظم الحرمات عند الله سبحانه وتعالى الظلم , وقد وردت النصوص الكثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تحرم الظلم , روى الإمام مسلم رحمه الله عن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا"، وقال عليه الصلاة والسلام: "اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" متفق عليه . وحقيقة الظلم وضع الأشياء في غير مواضعها الشرعية، منه ما هو شرك، قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان:13]. ومنه ما هو ظلم للنفس بتعريضها لعذاب الله وعقابه، بارتكاب المنكرات واجتراح السيئات، ومنه ما هو ظلم للعباد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله " )) رواه مسلم ((. إن المتأمل في الآيات القرآنية الواردة في النهي عن الظلم وفي اتقاء الظلم، والأحاديث النبوية التي وردت في هذا المعنى، وجدها تحمل النهي المغلظ، والوعيد الشديد، والإخبار النهائي العاجل بانتهاء دولة الظالم ومرتكب الظلم، قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } [إبراهيم:42]، وقال عز وجل: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الشورى:42]، وقال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [النساء:10]، وقال عز من قائل : {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } [الشعراء:227]. وقال تعالى : {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } [هود:18] , وقال سبحانه وتعالى : {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [الشورى : 40] , وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [الأحقاف : 10], وقال سبحانه :{إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21] , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ 0لْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ". ولقد ذكر لنا القرآن الكريم بعض قصص الظالمين الذين انتقم الله منهم، لتكون عبرة للظالمين , ودلالة وحجة واضحة على عاقبة الظلم ونهاية البغي والبغاة , فهذا فرعون الذي كان يستعبد بني إسرائيل فيقتل أبنائهم ويستحيي نسائهم، و قال أنا ربكم الأعلى وطلب من الناس عبادته كيف كانت عاقبته , قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِين }[القصص : 40,39,38] . وهذا قارون الذي تجبر على الناس بماله وظن أنه قادر بهذا المال على أن يصنع كل شيء فأهلكه الله وخسف به الأرض بعدما بلغ أوج انتفاخه وعظمته " فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ " فجاءه الأمر الإلهي الذي لا يرد { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ } [القصص : 81] .
ولم يكتفي القرآن الكريم بذكر الأفراد الذين انتقم الله منهم ، وإنما ذكر لنا بعض الأمم التي ظلمت ، فانتقم الله منها كقوم عاد وثمود وقوم نوح وقوم صالح وقوم لوط وغيرهم، فإنّ الله تعالى ينتقم من كلّ ظالم ويمهله ولا يهمله، قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر : من الآية 6 إلى الآية 14] . إن الظلم ظلمات يوم القيامة ، والظلم لا يبقى معه ملك ولا تجري معه حضارة، والعدل به يدوم الملك، ويأمن معه الحاكم والمحكوم، وتطمئن به النفوس ، قال تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}[هود : 117]. قال الإمام ابن تيمية –رحمه الله -: "إنَّ الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة". إنَّ الظالمين والبغاة والطغاة وأهل الاستبداد كلما اشتدت وطأتهم وتعاظم خطرهم وتفاقم أمرهم واستفحل شرهم وزاد طغيانهم، كان ذلك إيذانًا بانحسار أمرهم، وآخر نهايتهم ونهاية طريقهم وأوان ذلهم وهوانهم ووقت خذلانهم وانكسارهم، فهذه سنة الله في أرضه التي تجري على الدول والممالك، وإن لكل شيء نهاية، ونهاية الظالم مسطورة في ذاكرة التاريخ. لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتدرًا *** فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ تنام عيناك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنمِ وفي الختام نسأل الله أن يرفع الظلم عن إخواننا المظلومين في سوريا وبورما ومصر وفلسطين إنه ولي ذلك والقادر عليه, وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.