لم تمر الانتخابات البرلمانية الكيبيكية دون أن تثير زوبعة وسط الشارع الكبيكي، خصوصا وسط المهاجرين والأقليات الدينية، سواء خلال الحملة الانتخابية أو بعدها، بسبب عدد من التصريحات والمواقف والوعود التي أطلقها "حزب التحالف من أجل مستقبل كيبيك"، بزعامة رئيسه لوغوا، تهم رؤيته لملف الهجرة واختبار اللغة الفرنسية ونواياه إصدار قانون يحضر الرموز الدينية في بعض الوظائف العامة، ما اعتبر في حينه استعمالا لخطاب عنصري كان الهدف منه استدرار أصوات فئات من الكيبيكيين وعدد من المحسوبين على اليمين. وفور ظهور النتائج الانتخابية، والتي كانت لصالح حزب "التحالف من أجل مستقبل كيبيك"، ب74 مقعدا برلمانيا مكنته من تشكيل الحكومة، ومع أول خروج إعلامي للوزير الأول الجديد فرانسوا لوغوا، أعلن الأخير نية حكومته إصدار قانون يحظر ارتداء الرموز الدينية في الوظائف العامة، والتي لها اتصال مباشر مع المواطنين كالتعليم والصحة والقضاء والشرطة، مؤكدا أنه على استعداد لاستخدام بند في الدستور لتمرير تشريع يحظر على الموظفين العموميين ارتداء ملابس دينية، مثل الحجاب الإسلامي والكيبة اليهودية والعمامة السيخية. واعتبر العديد الأمر استهدافا للحريات الشخصية للمواطنين، ومسا بأحد أهم القيم التي تقوم عليها كندا ومنها كيبيك، ألا وهي قيم التنوع والتعايش والتسامح؛ كما اعتبره الكثيرون سلوكا يفتح كيبيك على سياسات عنصرية تستهدف النساء المسلمات، المحجبات منهن على الخصوص. ولم تمر تصريحات لوغوا دون أن تنزل الآلاف من المتظاهرين، مسنودين بأزيد من ستين تنظيما جمعويا ونقابيا ومقاولات وهيئات تنشط وسط الجاليات. وكان أبرز المشاركين المئات من النساء المحجبات اللواتي نزلن إلى شوارع وسط مدينة مونتريال، حاملات لافتات وشعارات مناهضة لتوجه حكومة لوغوا وقوانينها المرتقبة، التي حسبهن تهدد أمنهن الديني والاجتماعي، معتبرات إياها سياسات عنصرية؛ وقد صرحت إحداهن للصحافة قائلة: "نحن هنا كمتظاهرات نعبر عن رفضنا التام لما يعتزم لوغوا تطبيقه من قوانين تخيرنا ما بين العمل أو الحجاب". إحدى المحتجات أضافت أنها قضت سنوات عدة في دراسة اللغة الفرنسية بالجامعة وتخرجت كأستاذة للغة الفرنسية، غير أنها اليوم تسمع لوغو يقول لها لا يمكنك أن تشتغلي في مجال التدريس لأنك محجبة، وعليك أن تختاري بين الحجاب أو العمل، وتقول: "أجد نفسي مخيرة ما بين الاحتفاظ بحجابي أو بمستقبلي العملي كأستاذة، وهذا فيه مس بكرامتي كامرأة مسلمة وفيه مس بكل الديانات بالعالم"، وأضافت: "الدولة هي التي يجب أن تكون علمانية وليس المواطنين". وقال أحد المنظمين: "مونتريال مدينة مناهضة للعنصرية، تتكون من أشخاص آتين من جميع أنحاء العالم، وسياسات الخوف لحزب الكاك لن تمرّ من هنا". ومعلوم أن الوزير الأول الكندي جوستان ترودو كان قد عبر عن أن الدولة ليس من وظائفها أن تملي على المواطنين ما يجب أن يرتدوا، إذ قال: "إنني لن أفاجئ أحدا إذا قلت إن الدولة لا يجب أن تُملي على مواطنيها ما يجب عليهم ارتداؤه أو عدم ارتدائه"، وأضاف: "إزالة الحقوق والحريات الأساسية لمواطنينا أمر جسيم. وسوف نعمل مع الجميع حتى يفهموا عواقب هذه التصريحات". تجدر الإشارة إلى أن نتائج انتخابات 1 أكتوبر الماضي أسفرت عن فوز ساحق لحزب التحالف من أجل مستقبل كيبيك، الذي يتبنى سياسات ومواقف من الهجرة واللغة والدين تخالف سياسات سلفه الليبرالي.