منذ وُصوله إلى مربَّعِ الحكم، طارَ رئيس الحكومة الإسباني الاشتراكي، بيدرو سانشيز، إلى أزيد من 12 دولة، في سياق جولاته الخارجية، لكنه لم يخصص ولو زيارة واحدة إلى المغرب، الجار الجنوبي الذي يتشاركُ معه عددا من القضايا، يأتي في مقدمتها ملف الهجرة والأمن الإقليمي، وهو ما أذكى فضول الإسبان إلى تبيُّنِ الأسباب وراء هذا البرود و"المزاج الرئاسي" المتقلب الذي يحكُم قصر مونكلوا (مقر رئاسة الحكومة). ووفقا لما نقلته مصادر إسبانية، فإنَّ الرئيس الاشتراكي سانشيز، الذي وصل إلى قيادة الحكومة بمجموع 84 مقعدًا، حاولَ فعلاً زيارة المغرب الذي يمثل أول وجهة للمسؤولون الإسبان مباشرة بعد انتخابهم؛ وذلك منذ أكثر من ثلاثة عقود. جريدة "abc" الإسبانية كتبت أن "رئيس الحكومة الإسباني زارَ العديد من الدول الأوروبية والأمريكية في ظرف أربعة أشهر فقط، وهو ما يجعله من بين المسؤولين الإسبان الأكثر تنقلاً خارج مدريد، كما أن مستوى الإقامات خارج البلاد للرئيس الشاب أعلى بكثير من سابقيه"، باستثناء خوسيه لويس ثاباتير، الرئيس الاشتراكي السابق، الذي كانت له علاقة خاصة مع الرباط، مشيرة إلى أن "سانشيز رئيس نشيط لكنه لا يستطيع الذهاب إلى المغرب". وأضاف المنبر ذاته أن "عددا من استطلاعات الرأي التي أجريت فسَّرت أن إقامة رئيس الحكومة الإسباني خارج البلاد تمثل فرصة لمدريد من أجل تعزيز الوضع الرئاسي لسانشيز، وتثبيت قدميه في حالة إجراء انتخابات جديدة"، مشيراً إلى أن "بناء صورة الرئيس تنطلق من منجزات حكومته في السياسة الدولية، ولهذا السبب، طوَّر رئيس الحكومة نشاطًا غير معتاد في الخارج منذ الأشهر الأربعة الأولى مقارنة بأسلافه". وفي تحليلها لدلالات زيارة الرئيس سانشيز إلى خارج إسبانيا، أوردت الجريدة الإسبانية أن "الرئيسين الاشتراكيين (سانشيز وثاباتيرو) قامَا بعشرات الرحلات خارج إسبانيا خلال مدة وجيزة، فقد زارَ سانشيز 14 دولة إلى حدود اليوم، وكلاهما كرّرا زيارة بروكسيل لعقد القمم الأوروبية، كما زارَ سانشيز البرتغال وفرنسا مرتين، لكنه لم يخصص أي زيارة إلى المغرب". وقد كانت الرباط وجهة أساسية لمدريد، لكن سانشيز تمرّد على هذا التقليد الاستراتيجي ولم يستطع الوفاء به، على الرغم من أن قصر مونكلوا ادعى أن الرئيس الحالي أعطى أولوية للاتصالات في أوروبا (بروكسل وباريس وبرلين ولشبونة والسويد)، إلاَّ أن الحقيقة هي أن "الجهود المبذولة لزيارة المغرب هي بمثابة فشل حقيقي". وبالمقارنة مع أسلافه، فإنَّ الفارق يبدو جلياً، فقد قام ماريانو راخوي بعشر رحلات إلى الخارج، معظمها في أوروبا، وذلك في خضم الأزمة الاقتصادية. ومن جانبه، قام خوسيه ماريا أثنار بثماني رحلات خارجية في الفترة نفسها، وتختلف حالة فيليبي غونزاليز كثيراً؛ لأن السياق الدولي كان مختلفاً للغاية، في خضم اعتراف إسبانيا بحلف الناتو وإجراءات دخولها إلى الاتحاد الأوروبي (1986)، إلا أن غونزاليز لم يقم إلا بزيارة واحدة إلى الخارج. وكانت صحف إسبانية ذكرت أن الرئيس الاشتراكي، المُنتخب حديثاً، سيزورُ الرباط، بعدما قرّرَ في وقتٍ سابقٍ "أن يبدأ زياراته الخارجية بجولة أوروبية، حيث فضّل لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤجلاً زيارته إلى المغرب إلى الشطر الثاني من العام الجاري بسبب عدم وجود العاهل المغربي في البلاد". وفي هذا السياق، قال أستاذ العلاقات الدولية، خالد الشيات، في تصريح لجريدة هسبريس، إن "العلاقات المغربية الإسبانية كانت دائمة الحساسية، باعتبار البلدين دولتين جارتين تشتركان في التحديات نفسها (الإرهاب والهجرة...)، وهي بالتالي علاقات ليست بتلك الطبيعة التي تتواجد عليها العلاقات المغربية الفرنسية مثلاً"، مضيفا: "الجوار دائماً ما يكون له فعل تأثير، سواء إيجابي أو سلبي، وهو ما يجعل السجال دائم الحضور بين الدولتين". وأبرز الشيات أنه "خلال العقود الأخيرة كان هناك انفراج مع الحزبين الاشتراكي والشعبي، لكن سرعان ما عادت العلاقات بين الرباطومدريد إلى التوتر من جديد مع حكومة بيدرو سانشيز"، مشيرا إلى أن "الطموح المغربي لاقتناء الأسلحة يقابله توجس إسباني، كما أن ملف الهجرة لم يحظ بإجماع الطرفين، وهذا كاف ليظهر حساسية العلاقات الثنائية بين المملكتين".