كثيرة هي نعم الله عزَّ وجلَّ علينا، لا نستطيع حصرها، مصداقا لقوله تعالى في سورة إبراهيم، الآية 34: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا". ومن أهم هذه النعم التي منّ بها الله على عباده، والتي لا يمكن للإنسان أن يعيش بدونها، نعمة الأمن. ويعتبر هذا الأخير ركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار واستمرار الحياة، وعاملا رئيسا في بناء المجتمعات الحديثة ورقيهّا وازدهارها وتقدمها. فالإنسان يمكن أن يعيش وهو يُعانِي الفقر، والجوع، والعطش، لكن لا يمكنه أن يعيش في ظل غياب الأمن. إن الحياة لا تنمو ولا تحلو ولا تساوي شيئًا بلا أمن، كيف لا وقد جاء الأمنُ في القرآن والسنة مَقرُونا بالطعام الذي لا حياة للإنسان بدونه، فقال تعالى في سورة قريش الآية 3-4: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ". وقيل نعمتان عظيمتان لا يشعر الإنسان بقيمتهما إلاّ إذا فقدهما، وهما الصحة في الأبدان والأمن في الأوطان. ونعمة الأمن في الأوطان مطلب كل الشعوب التي تعاني من الحروب والاضطرابات والصراعات، بل هو مطلب العالم بأسرِه، من هذا المنطلق، تظهر لنا بجلاء قيمة الصحة والأمن في الحياة البشرية. ولا ريب أن غياب نعمة الأمن والآمان يؤدي إلى الفساد في الأرض، وسلب الأرواح والممتلكات، فالجهل والفوضى والتخريب، والظلم والعدوان، والإرهاب والحروب (...)، كما يمنع الإنسان من الذهاب إلى المسجد، والعمل، والمدرسة، والمستشفى...، إذن ما قيمة المال والحياة إذا غاب الأمن. إذا غاب الأمن، هل ستصلي في المساجد؟ هل ستسير في الشوارع والأسواق؟ هل ستعيش سعيدا رفقة أبنائك وإخوتك وأسرتك وعائلتك وأصدقائك؟ أسئلة كثيرة لا يجيب عنها ولا يحس بها إلا فاقدوا نعمة الأمن. ومن البديهي، فبلا أمن لا صلاة في المساجد، ولا سير في الشوارع والأسواق، ولا راحة في المضاجع ولا، ولا (...). يقول الله تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: "وإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر" (البقرة الآية:126). وقال سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت، الآية 67: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ". بطبيعة الحال فكل شيء في هذه الحياة نعمة، فالراحة نعمة، والضحك نعمة، والملبس نعمة، والمطعم والمشرب نعمة، والدخول والخروج نعمة، والبيع والشراء نعمة، والرغد والرخاء نعمة، كلها نعم من نعم الله عز وجل، ولكن أعظمها كما قلنا الأمن والأمان، فبدون هذه النعمة تذهب كل النعم، وبالتالي فهي مرهونة بالأمن. وفي هذا الصدد، قال الله تعالى في سورة النحل الآية 112: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ". فقد أعطى الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة، مثل قرية من القرى كان أهلها يتمتعون بالأمن والآمان والطمأنينة، ويأتيهم رزقهم واسعاً من كل مكان فكفروا بنعم الله عليهم ولم يشكروه، فعاقبهم الله، وذاقوا مرارة الجوع والخوف وعدم الأمن والأمان. كم من بلاد حولَكم لا تنعم بالأمن والأمان، فيعيش أهلها في خوف وذُعر، في قلقٍ واضطراب، يشاهدون عائلاتهم وأسرهم تموت أمامهم، ومنازلهم تخرب، ومساجدهم، ومدارسهم، ومقرات عملهم ...، فلا يتمتعون بحياة، ولا يتلذَّذون بشراب، ولا ينعمون بنوم، الكل ينتظر الموت في أي لحظة وفي أي مكان. فنعمة الأمن قيمتها كبيرة جدا، لا يحس بها إلا من افتقدها، فينبغي على كل شخص أن يشكر ربه عليها، فبفضلها تتقدَّم التنمية والأمم، وتزدهر الحضارة، فينتشر العلمُ والتعليم، ويعز الدين والعدل، ويتم التقرب إلى الله، وتكثر العبادات، وتعمر المساجد. إياكم والفتنة فتندمون على هذه النعمة العظيمة، كما ندمت مجموعة من الدول. والندم لا ينفع بشيء في آخر المطاف. نعم، إن الشباب يعيش أوضاعا غير مرضية في ظل تفشي البطالة والفقر، وهذا ما أكده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره، موردا أن الفقر والبطالة في صفوف الشباب والفوارق أصبحت تتجاوز حدود المقبولية. بيد أن هناك أياد خفية هدفها نشر الفتنة وزعزعة الوطن، تنشر فيديوهات لبعض الجرائم تم اقترافها في دول أخرى ويتم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي على أساس أنها تمت في المغرب، وذلك قصد تحسيس المواطن بانعدام الأمن، كما يتم نشر فيديوهات، وصور، وأخبار، مؤثرة على الرأي العام كما لاحظنا في السنوات القليلة الأخيرة. في هذا السياق، ما يتداول على مواقع التواصل الاجتماعي لا تجعله يؤثر عليك، ولا تكن تابعا لمن يريدون إغراءك، وإيقاعك في الفتن، يا شباب تجنبوا هؤلاء، وعودوا إلى أخلاق الإسلام، والتزموا بالحياء، واجتهدوا، واتقوا الله. يقول الله عز وجل: "ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا". صدق الله العظيم (سورة الطلاق: 2- 3) المغرب بلد آمن والحمد لله، والكل يحسدنا على هاته النعمة، ولهذا يجب التصدي لكل من تسول له نفسه زعزعة الأمن والاستقرار، فأمن بلادنا مسؤولية جماعية تهم كل مغربي بدون استثناء. وأختم كلامي بحديث خير خلق الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بما فيها". *باحث بماستر العلوم الأمنية وتدبير المخاطر – جامعة الحسن الأول - سطات