خلال الحقبة السوفياتية عمل كبار علماء المعلوماتية والمبرمجين الروس على نطاق واسع لمصلحة الاستخبارات الروسية. ويبدو أن البلاد استعادت هذا التوجه في عهد الرئيس فلاديمير بوتين مع تزايد الاتهامات الموجهة إلى روسيا بشن حملة هجمات إلكترونية عالمية. واتّهمت هولندا الخميس أربعة عناصر في الاستخبارات العسكريّة الروسيّة بمحاولة قرصنة مقرّ منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي. وتحقق المنظمة في قضية تسميم العميل الروسي السابق سيرغي سركيبال في سالزبري في المملكة المتحدة، وفي اتهام موجه إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حليف موسكو، بشن هجوم كيميائي في سوريا. وكانت دول منطقة البلطيق أول من اتّهم موسكو بشن هجمات إلكترونية ضدها في 2007؛ وقالت إستونيا إن أحدى تلك الهجمات عطّلت الخط الهاتفي المخصص لأجهزة الطوارئ لأكثر من ساعة. ومنذ ذلك الحين تزايدت الاتهامات الموجهة إلى موسكو بشن هجمات إلكترونية. ووُجّهت اتهامات إلى مجموعة القرصنة المعلوماتية الروسية المعروفة باسم "فانسي بير"، "إيه بي تي 28"، و"سوفاسي" بالارتباط بالمديرية العامة للاستخبارات الروسية، وبشن هجمات استهدفت الحزب الديمقراطي الأميركي خلال حملة الانتخابات الرئاسية في 2016 بالاشتراك مع جهاز الأمن الفدرالي الروسي "إف إس بي"، جهاز "كاي جي بي" سابقا. ويعود تطور المهارات التي يتمتع بها القراصنة الروس إلى برامج معلوماتية وبرمجة متقدمة من الحقبة السوفياتية. ويقول أوليغ ديميدوف، الخبير في مركز "بي أي آر" المستقل للدراسات ومقره موسكو، إن "هيكلية الاقتصاد برمّتها كانت تميل نحو القطاع العسكري". ويتابع الخبير بأن "كامل الإنجازات العلمية السوفياتية، بما فيها أوائل الحواسيب، وضعت في خدمة القطاع العسكري"، مضيفا أن الطلاب الأكثر تفوقا أجبروا على العمل في القطاعين العسكري والفضائي. - الجرائم المصرفية - بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، تفتتت قواته المسلحة وتوجه كبار العلماء بغالبيتهم نحو القطاع المصرفي الروسي، بعضهم للعمل وبعضهم لشن هجمات إلكترونية. وشهدت تلك الفترة أولى الهجمات الإلكترونية التي طاولت عمليات القطاع المصرفي وأول ظهور لقراصنة المعلوماتية الروس. وحسب ديميدوف فإن "قراصنة المعلوماتية الروس باتوا مدربين ومجهّزين بشكل ممتاز، وهم من بين الأبرز في مجال الجرائم المصرفية". وتشير تقديرات شركة "كاسبرسكي" العملاقة في مجال أمن المعلوماتية إلى أن قيمة المبالغ التي سرقها قراصنة المعلوماتية الروس عالميا بين سنتي 2012 و2015 لا تقل عن 790 مليون دولار. ويقول دينيس كوسكوف، الخبير في مركز "تيليكومديلي" للأبحاث المتخصصة، إن علماء المعلوماتية الروس يتلقون تعليمهم في "جامعات عالية المستوى في سان بطرسبرغ، وموسكو، ونوفوسيبرسك، وكازان، وكراسنويارسك". ويتابع كوسكوف: "يمكنهم العمل أينما كان في العالم، وفي أي شركة عالمية"؛ لكن في السنوات الأخيرة قرر عدد متزايد منهم البقاء في روسيا، مشيرا إلى "تزايد اهتمام أجهزة الاستخبارات بالمبرمجين المَهَرة الذين بات يسهل عليهم العثور على عمل في روسيا". وفي 2012، أعلنت وزارة الدفاع الروسية إنشاء جهاز خاص يحمل اسم "جنود المعلوماتية"، ونظّمت حملة توظيف تضمنت بث تسجيلات فيديو ترويجية على وسائل التواصل الاجتماعي. ويقول الخبير إن "هذه الجهود... بدأت تؤتي ثمارها". لكن حاليا، حتى الخبراء المعلوماتيون الأكثر انضباطا باتوا تحت مجهر الدول الغربية. وفرضت الولاياتالمتحدة في 2017 حظرا على استخدام الإدارات الفدرالية الأميركية لبرنامج "كاسبرسكي" المضاد للفيروسات الإلكترونية، بسبب مخاوف من ارتباط الشركة بالاستخبارات الروسية. وفي حين قد يختار غالبية الشبان الروس العمل لمصلحة الجيش والاستخبارات لأسباب وطنية، إلا أن أقلية منهم قد تكون أكثر اهتماما بالمردود المادي. وهذا الأسبوع عقدت محكمة عسكرية في موسكو جلسة مغلقة لمحاكمة رئيس الرقابة التشغيلية في مركز أمن المعلومات التابع لجهاز الأمن الفدرالي الروسي، الكولونيل سيرغي ميخالكوف، وثلاثة متّهمين بالتواطؤ معه. وأفاد تقرير لصحيفة "كومرسانت" بأن الأربعة متّهمون بنقل معلومات سرية عن التكنولوجيا الإلكترونية التي تستخدمها الاستخبارات الروسية إلى مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي مقابل مبلغ عشرة ملايين دولار. *أ.ف.ب