ملخص: تظهر الدراسة أن عملية تكوين وتأطير المدرسين من طرف هيئة التفتيش يطرح صعوبات مهمة منها، عدم توفر رؤية وتصور واضح لدور هيئة التفتيش ولمهامها في المنظومة التربوية وذلك من خلال تتبع تطور النصوص التشريعية الأساسية المؤطرة لمهام التفتيش، كما توجد إكراهات ميدانية تعوق عمل الهيئة حيث تطغى التكليفات الإدارية لهيئة التفتيش على حساب إنجاز مهامها، بالإضافة إلى ارتفاع معدل التأطير وغياب توازن في خريطة التفتيش وغياب بعض وسائل العمل، ويطغى هاجس التتبع والتسيير الإداري لدى الإدارة المركزية أكثر من الاهتمام بالجانب التربوي ومضمون العملية التعليمية التعلمية. وتقدم الدراسة اقتراحات لما ينبغي أن تكون عليه مهام هيئة التفتيش لتكون في موقعها الطبيعي داخل النظام التعليمي والتربوي ولتقوم بدورها الأساسي وتساهم في تطوير الأداء المهني وتجويده وتكوين وتنمية قدرات وأداء الأطر العاملة في مؤسسات التربية والتكوين. الكلمات المفاتيح: تكوين وتأطير المدرسين، تطور النصوص التشريعية للتفتيش، واقع التفتيش، مهام هيئة التفتيش: مهمة التأطير، مهمة المراقبة التربوية، مهمة البحث التربوي، مهمة إعداد البرامج والمناهج. تقديم: يعتبر تطوير الأداء المهني للموارد البشرية من الأهداف التي تسعى لها كل مؤسسة من أجل الرفع من مردوديتها ولتحسين جودة منتوجاتها والاستمرارية في مسايرة التغيرات والتطورات المعرفية والتكنولوجية التي تحصل في عالم أصبح فيه الاقتصاد مرتبطا بمدى اكتساب ثروة المعرفة وذلك لربح رهان القوة التنافسية في سوق العولمة، لهذا نجد كل المؤسسات تضع برامج وتخصص ميزانيات مهمة من أجل تأهيل وتنمية قدرات الأطر العاملة لديها والرفع من كفاءاتهم، بل وتخصص ميزانيات للبحث العلمي للمساهمة في هذا التطور. في مؤسسة من حجم وزارة التربية الوطنية بالمغرب التي تتوفر على أكثر من 220 ألف مدرس1، وعليها أن تلبي حاجيات حوالي سبعة ملايين تلميذ (أو زبون)، يطرح السؤال بقوة عن التحديات الكبيرة التي تقف أمام تطوير الأداء المهني لهذا الكم الهائل من الموارد البشرية من أجل الاستمرار في مسايرة التطور الحاصل في وسائل التواصل الإعلامي والاجتماعي، والتطورات المعرفية، ومن أجل الرفع من مردودية الأداء وتحسين جودة التعليم. في ظل الأزمة التي يعيشها النظام والمنظومة التعليمية بالمغرب، هل يمكن اعتبار أن الإخلال بجانب التكوين المستمر والتأطير والمراقبة للأطر العاملة في التعليم عنصر له أهميته وأثره في هذه الأزمة؟ إن إشكالية تكوين وتطوير مؤهلات هذا العدد من الموارد البشرية وتقييم جودة عمله بما يضمن رضى أسر التلاميذ (الزبائن) ومنه رضى المجتمع لكي يضمن استمرارية تحقيق تنميته ومستقبله يطرح صعوبات كبيرة. تهدف هذه الدراسة إلى المساهمة في الإحاطة بهذه الصعوبات وهذه الإشكالية من خلال الوقوف على جانب تكوين وتأطير الأساتذة من طرف هيئة التفتيش بوزارة التربية الوطنية بالمغرب، حيث أحالت الوزارة مهام التأطير والإشراف التربوي لأطر التدريس2 على "أطر المراقبة والتأطير التربوي"3. نقف عند تجربة "هيئة التفتيش التربوي" من خلال محورين: المحور الأول: مرتبط بخطاب الوثائق المحددة للمهام التي أنيطت بهذه الهيئة والمرمى من تكليفها بهذه المهام، وكيف كان ينبغي أن يكون أداؤها؟ والمحور الثاني: مرتبط بواقع الممارسة، ونقدم فيه لمحة عن النشأة والتطور وتراجع موقع المفتش، وتقليص للمهام والأدوار من خلال تطور النص التشريعي، ثم تقلص الفعل الميداني للمفتش من خلال تقلص أعداد المفتشين، لنتساءل عن مردودية4 جهاز التفتيش الحالية بالمنظومة التعليمية في ظل واقع للممارسة يتسم بعدة إكراهات ميدانية. حدد النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية والتعليم (2003)5 مهام هذه الهيئة في "التأطير والإشراف والمراقبة التربوية لأساتذة التعليم العاملين بمؤسسات التعليم وبمراكز التكوين، وكذا للمكلفين بالتدريس بمؤسسات التعليم الخصوصية"، كما أناط بهم "المساهمة في إعداد البرامج والمناهج والقيام بأنشطة البحث بتعاون مع الهيئات المختصة". وحددت المذكرة 86 بتاريخ 29ماي1986 في موضوع التفتيش التربوي مهام المفتش في التنشيط والتكوين التربوي ثم في المراقبة التربوية، زيادة على أعمال البحث أو المهام الأخرى مثل المساهمة في الامتحانات المدرسية والمهنية التي يمكن للوزارة أن تكلف المفتش بها. وفصلت المذكرات 114 و115 بتاريخ 21شتنبر 2004 في موضوع تنظيم التفتيش التربوي ومهام التفتيش بشكل أكثر (114 للابتدائي و115 للثانوي) بينما فصلت المذكرة 113 في العمل المشترك بين هيئات التفتيش، وقد اعتبرت المذكرة 115 (الصفحة 2) مهام "التأطير والمراقبة والتتبع والتقويم والتنشيط التربوي من أدوات استكشاف واقع السيرورة التعليمية، ومن وسائل توفير شروط تحسين الجودة ". إذن هذه المهام هي من الوسائل التي توفر شروط تحسين الجودة، وعليه فإن غياب الجودة عن منتوج المنظومة يدل على غياب أثر فعالية مهام التفتيش المساهمة في هذه الجودة، فالهدف من هذه المهام هو تأمين جودة التربية والتعليم بتجويد الفعل التربوي، نقف عند كل واحدة من هذه المهام. مهمة " التأطير والإشراف ": يدل مفهوم التأطير على "عملية تكوين ومصاحبة للفئة المؤطرة، تهدف إلى أجرأة وتطبيق التصورات والاختيارات التربوية من مقاربة ومنهجيات وأساليب وعدة تنظيمية إلى إجراءات عملية ميدانية بغرض تحقيق الأهداف المسطرة." 6 في حين لا نجد لهذا المفهوم تدقيقا في الوثائق الرسمية. بينما يعرف الإشراف التربوي (من بين تعاريف كثيرة نجدها لهذا المفهوم) كونه "عملية تعاونيّة لتطوير وتحسين العملية التعليميّة، التي تتم بين المشرف والمعلم، ولا يمكن أن تُثمر إلا بهذا التعاون والتظافر الذي هدفه تطوير المُعلم من خلال الأساليب الإشرافيّة التي يطرحُها المُشرف على المعلم لتحقيق أكبر قدر من الفائدة للعمليّة التربويّة، ويُعرفه العلماء التربويون بأنّه تحريك وتحديد لمسار المُعلمين باستخدام ذكاء الطلاب."7 وقد أدرج مصطلح الإشراف في الوثائق الرسمية للوزارة ليعوض مصطلح "التفتيش" بعدما استعمل في دول الشرق الأوسط بسلاسة، إلا أنه لم يلق تجاوبا في الساحة التربوية المغربية أساسا بسبب رغبة الهيئة أن تتماثل مع هيئات التفتيش في باقي الوزارات الأخرى بالمغرب. ويمكن حصر عمل التأطير التربوي كما أشارت له المذكرة 86 في تنشيط العمل التربوي "بإنجاز الدروس النموذجية والندوات لفتح المجال أمام الأساتذة لتبادل وجهات النظر في الوسائل التربوية والطرق التعليمية لرفع مستوى التعليم وتحسين المردودية" وفي التكوين التربوي الذي ربطته "بالأساتذة المبتدئين والمتدربين وتدليل الصعوبات التي قد تواجههم في البداية، على أساس أن تخصص لهم أيضا ندوات ودروس نموذجية" وبهذا تكون مهمة التأطير والإشراف هي مهمة مرتبطة بالتكوين والمواكبة لهيئة التدريس من أجل تطوير أداءها المهني، وتحسين جودة العملية التعليمية من خلال الزيارات الفصلية والندوات والدروس النموذجية. ويتبع هذا التأطير بعملية المراقبة، وغالبا ما تكون العمليتان مدمجتين بحيث لا يمكن الفصل بينهما أثناء الزيارات المتكررة. مهمة "المراقبة التربوية": مهمة "المراقبة التربوية" تحمل دلالة "قيام المفتش التربوي بزيارات فصلية، وإعداد تقارير تضم تقويم أداء المدرسين وتذييلها في بعض الأحيان بنقطة امتياز، كفيلة بمنح الأستاذ الفرصة لاجتياز امتحان مهني، أو الترشيح لشغل منصب مدير مؤسسة تعليمية، أو الترشيح للترقية بالاختيار"8 وتكون دائما مقرونة بالتتبع والتقويم. وإلا فمهمة "المراقبة التربوية" غير محصورة في هذه العمليات، إذ تغطي مجال تقييم مدى انضباط الأساتذة بتدريس البرامج المقررة حسب كل تخصص، ومدى اتباع التوجيهات والتوصيات المنبثقة عن "الإشراف والتأطير" خلال الندوات التربوية أو الدروس "النموذجية"، أو خلال الزيارات المنجزة سابقا. كما أن مهمة "المراقبة التربوية " هي أيضا مرتبطة بمدى انضباط الإدارة والأساتذة لمضمون المذكرات الصادرة من الوزارة والتوجيهات الرسمية في توزيع جداول الحصص وتتبع إيقاعات التعلم واستعمال الكتب المدرسية والوسائل التعليمية، وتنظيم الامتحانات وتتبع إنجازها وتقويمها. إن مهمة "المراقبة التربوية" مرتبطة أساسا بتقييم جودة الأداء، وبمدى تحقق الأهداف المحددة في الوثائق الرسمية لتدريس كل مادة، ومن خلالها الأهداف المرجو تحقيقها في كل سلك، ومنها الأهداف المنتظرة من المؤسسة التعليمية بالمجتمع. من طبيعة الحال لا يمكن الوصول لهذا المستوى من متابعة تقييم الجودة وتقييم الأهداف في مختلف مستوياتها إلا إن كانت مهمة "المراقبة التربوية" تستحضر هذه الأبعاد وفق تصور مركزي يتم خلاله تجميع المعطيات وتحليلها واستخراج النتائج منها، للوقوف على موقع الخلل في النظام التعليمي أو في العملية التعليمية ككل والعمل على تقويمه. وتحيلنا المراقبة التربوية بهذا الشكل على مفهوم التقييم والتقويم كما هو في الأدبيات التربوية الذي ينتهي بتقويم المنظومة بمناهجها وبطرق تدريسها وبمضامين المقررات إلخ... مهمة "المساهمة في إعداد البرامج والمناهج": تحمل هذه المهمة ضبابية على مستوى الممارسة، بحكم أن واقع ممارسة هذه المهمة لا يغطيها، لأن هذه العملية أصبحت من مهام لجنة بالإدارة المركزية يهيئ دفاتر تحملات وتحال على دور النشر لتأليف الكتب المدرسية التي أصبحت تمثل برامج تلحق بها بعد ذلك توجيهات تربوية وتبقى الكتب والبرامج لعقود دون تغيير رغم أن " الميثاق الوطني للتربية والتكوين" يشير لضرورة مراجعتها 9. وإلا فإن هذه المهمة تبدأ بمتابعة تدريس مضمون المقررات في القسم، والمشاكل التي تعترض الأستاذ في تحقيق الهدف من كل درس ومن مجموعة الدروس المكونة لكل جزء ومن مقرر السنة ومدى التكامل والتناسق الحاصل بين مقررات المواد، وأهدافها، ومدى تناسب مضمون المقررات والدروس مع الزمن المخصص لتدريسها، والوسائل المخصصة لتدريسها، ومدى تناسبها مع التطور المعرفي، ومع ما يوفره التطور الحاصل في مجال التواصل الإعلامي والاجتماعي من معرفة... كل هذا يتم تجميعه ليفتل في حلقة أو دائرة التجديد المطلوب في البرامج والمناهج بعد مرحلة التجريب المحدود والتتبع والتعميم للبرامج والمقررات ثم التقييم والتقويم والتطوير. مهمة "البحث التربوي": البحث التربوي يقصد به في ممارسة التفتيش "رصد حالات اختلالات تربوية ومهنية، والبحث لها عن حلول مناسبة بالتنسيق مع الأطراف المتدخلة في العملية التربوية، من أساتذة ومديرين، وجمعيات ومؤسسات ومتخصصين، واقتراح مشاريع تتعلق بمختلف مكونات المنهاج المدرسي والمقررات الدراسية"10، إلا أن مهمة "البحث التربوي" هي أوسع من ذلك إذ عليها أن تبدأ من الدراسة العلمية لواقع الممارسة والإكراهات المتغيرة وفق متغيرات الممارسة الميدانية، سواء منها المرتبطة بالوسط الحضري أو القروي الذي توجد به المؤسسة، أو بالمحيط الجغرافي، أو المحيط الاجتماعي، أو بالوسائل المتوفرة، أو بالظروف المناخية، أو بمضمون الدروس والمقررات، أو بالتناسق المطلوب بين الدروس في مقرر المادة التخصصية الواحدة أو المواد الأخرى. وعلى مهمة "البحث" أن تنتهي بإبداع الحلول المرتبطة بخصوصيات كل وضع، وبتجميع الحلول الناجعة المقترحة، والنظر في بإمكانية تعميم هذه الحلول من تقديم المقترحات لتطوير أداء المدرس وفق الصعوبات والإكراهات التي يوجد فيها، والبحث عن كيفية تطوير الأداء المهني في سياق تغير المعطيات العلمية وتطور الوسائل الإعلامية والتواصلية، وتقديم اقتراحات لتطوير وتغيير الوسائل لتحقيق أهداف الدروس الخاصة بكل مادة، وتقديم مقترحات لتغيير البرامج والمقررات، والأهداف المرتبطة بتدريس المادة التخصصية. ويمكن إجمال ما كان ينبغي أن تكون عليه مهمة البحث التربوي في الانطلاق من الدراسة العلمية للواقع التربوي والانتهاء بتقديم "التغذية الراجعة" عن وضع المدرسة المغربية وعن مدى تحقق الأهداف الخاصة بكل مادة، ومدى انسجام أهداف المواد لتحقيق أهداف المدرسة المغربية، ومقترحات لتغييرها، وتحديد مواقع الخلل بالمنظومة التربوية ومقترحات لحلول ممكنة، ومقترحات لتغيير وتطوير المقررات والوسائل المتاحة لتدريسها، مقترحات تسمح بالمراجعة الشاملة لتجويد الأداء التربوي بعد التقييم. تلكم هي المهام المنوطة بالمفتش والمفروض أن تمارس بالشكل الذي حددت له حيث يقف من خلالها على ثغرات المنظومة التعليمية ومكامن ضعف العملية التعليمية ويقدم توجيهات لتجاوزها، ويجمع مقترحات لتطوير الأداء المهني، ويضع خطط للتكوين ولتطوير الوسائل وطرق التدريس وتغيير البرامج والمناهج ،ويبادر لتنفيذ ما هو ممكن في ظل الأهداف المحددة وضمن الإمكانيات المتاحة، ويقدم المقترحات الأخرى لذوي القرار من أجل اتخاذ التدابير التي تناسب لإصلاح المنظومة في الوقت المناسب، هذه المهام أكد المجلس الأعلى للتعليم على أنها مقومات أساسية لكل المنظومات التربوية، وليس للمنظومة المغربية فقط حيث قال: "إن التتبع والتقويم والافتحاص تعد من المقومات الأساسية للمنظومات التربوية الراهنة، لكونها تمثل آليات ضرورية للضبط والتوجيه وحسن قيادة تلك المنظومات والارتقاء المستمر بمؤشرات جودتها ومردوديتها"11. وأكد أيضا على أن "التفتيش التربوي يشكل رافعة أساسية للارتقاء المستمر بجودة المنظومة الوطنية للتربية والتكوين، وآلية لليقظة التربوية والتتبع الداعم للنجاح المتجدد للمدرسة."12 المحور الثاني: مهام هيئة التفتيش التربوي من خلال واقع الممارسة: عرف مسار اختصاصات هيئة التفتيش التربوي اختزالا مطردا في المهام كماً وكيفاً منذ الاستقلال إلى اليوم، إذ عكست النصوص القانونية المنظمة - خاصة المراسيم- هذا الاختزال حيث تم الانتقال من تأطير ومراقبة المنظومة التربوية ببنياتها الإدارية ومراكز التكوين، والمؤسسات التعليمية، وموظفي قطاع التربية الوطنية إلى تأطير ومراقبة أطر التدريس. لقد كانت مهام المفتش مرتبطة بسلطة وزير التربية والتعليم قبل صدور النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية 13 (1985) وكان المفتش مرتبطا ب «جهاز التفتيش" يفتش جميع موظفي التعليم والإدارة ويراقب نظام الدروس وتطبيق البرامج والتعليمات، وينجز دراسات والأبحاث في الميدان التربوي ويضع مذهب التعليم تحت سلطة الوزير14. وفي نظام 1985 تغير الاسم من "جهاز التفتيش" إلى " هيئة التأطير والمراقبة التربوية" واحتفظت الهيئة بالمهام المذكورة سابقا، وأضاف المرسوم لفئة المفتشين الممتازون مهمة الإرشاد ومهمة تكوين واستكمال خبرة الأطر، ثم مهمة تنسيق التفتيش. وحذف مهمة وضع مذهب التعليم، واحتفظ لها بالاشتغال تحت سلطة الوزير15. وبعد إحداث الأكاديميات سنة 1987 وإصدار المذكرة 80 سنة 1989 التي جعلت مهام التفتيش موزعة بين ما هو مركزي (بالنسبة للمفتشين المركزيين) و بين ما هو جهوي (بالنسبة للمفتشين المكلفين بالمواضيع والمنسقين الجهويين) وإقليمي (بالنسبة لباقي المفتشين)16، بعد هذه المرحلة أصبح تواصل هيئة التفتيش بالإدارة المركزية يتم من خلال التنسيق المركزي للتفتيش، في حين يكون تخضع هيئة التفتيش لسلطة المسؤول الإقليمي، هذا الوضع جعل عمل التفتيش بدون دلالة حيث تكون تقاريره معرضة للحجز إن لم ترُق للمسؤولين المحليين وتبقى نسبة مهمة من المعلومات والمعطيات المرتبطة بالجانب التربوي لا تصل لمراكز القرار. في هذه المرحلة ضاعت حلقة سلطة الاستقلالية الوظيفية التي كانت تسمح للمفتش أن يعطي صورة تشخيصية للواقع التعليمي دون أن تكون للإدارة وللمكتبية الإقليمية أثر على مضمون التقارير. وعندما فُقِدت هذه الحلقة أصبحت الإدارة المركزية (عن وعي أو بدونه) تركز وتهتم بالإجراءات الإدارية أكثر ما تهتم بالعملية التربوية التعليمية داخل الأقسام (وما وُجدت الإدارة إلا لخدمة هذه العملية). بعد إصدار النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية سنة 2003 تقلصت مهام المفتش على نحو كبير، وصدرت الوثيقة الإطار مع المذكرات 113 و114 و115 سنة 2004، ودققت مهام الهيئة أكثر وأصبحت هيكلة التفتيش تبتدئ من مجلس المنطقة التربوية والمجلس الإقليمي للتنسيق ثم المجلس الجهوي للتنسيق وتنتهي بمجلس التنسيق المركزي الذي لم ير النور أبدا، كما أن كثيرا من النصوص والمذكرات المفصلة والمؤطرة لأعمال الهيئة لم يتم تجديدها، ومنها ما يعود إلى سبعينيات القرن الماضي17 وأصبح غير مكيف مع المعطيات الواقعية للمدرسة المغربية. وأعفي جميع من تبقى من مفتشي التنسيق المركزي سنة2013، لتصبح هيئة التفتيش تشتغل بدون أي ارتباط مركزي باستثناء مراسلات من المفتشية العامة تطلب برامج عمل المفتشين أو مجمل الأنشطة. وهكذا يتبين أن مسار الهيئة عرف غموضا واضحا في الرؤية سواء من حيث طبيعة الوظيفة في المنظومة، أو من حيث الموقع في هيكلة وزارة التربية الوطنية، هذا الموقع الذي كان يتعاطى في البداية مع قضايا المنظومة التربوية بالشمولية اللازمة، لينتقل بعد ذلك إلى مرحلة الجهوية في ممارسة الوظائف، ثم ارتبط بالمحلي على مستوى الأقاليم والنيابات، في غياب تصور مركزي لوظيفته الحيوية. لقد تناقصت أعداد المفتشين التربويين وانتقلت من حوالي 4000 سنة 2003(1600 ابتدائي و2400 ثانوي) إلى2630(1090 ابتدائي و1530 ثانوي) سنة 2009 وبلغت سنة 2016 العدد 1811 (802 ابتدائي و1009 ثانوي)18. وأقر المجلس الأعلى للتعليم في الدراسة التي أنجزها سنة 2009 ب"عدم توازن خريطة التفتيش التربوي وارتفاع معدلات الخصاص والتأطير ببعض الجهات"19، وأشارت الدراسة20 إلى أن معدل التأطير كان يتراوح بين 90 و210 بالنسبة للابتدائي، و31 و82 بالنسبة للثانوي، وقد وصل في بعض المناطق معدلات كبيرة جدا، "وصل المعدل في تلك السنة بمدينة سلا 1782 إلى أستاذا"21، أما الآن لم تصبح هذه الأرقام استثناء بل عادية، لدرجة أن بعض الأكاديميات ألغت نقطة التفتيش من بطاقة الترقية لعدم توفرها على طاقم للمفتشين قادر على زيارة كل المعنيين بالترقية22. كيف تعاملت الوزارة مع هذا الخلل؟ لم يزعجها هذا الوضع، فقد بقي مركز مفتشي التعليم مغلقا لأزيد من عقد من الزمن23، ولم يفتح أبوابه إلا سنة 2009، وبعد تخرج فوجين ستغلقه الوزارة مرة أخرى (رغم استمرار ارتفاع معدلات الخصاص) وسيعاود الفتح سنة 2015، ونظمت مباريات الدخول للمركز في يونيو2017 ولازال الكل ينتظر إعلان النتائج إلى حدود طباعة هذا المقال في دجنبر 2017. إنه التردد وعدم وضوح الرؤية بالنسبة لدور هذه الهيئة في المنظومة. ويمثل هذا التعامل مؤشرا قويا على الغموض في التصور. إن عدم وجود تصور ورؤية واضحة لدور هيئة التفتيش في المنظومة التربوية على مستوى المسؤولين، وغياب هيكلة وتنظيم للتفتيش تربط الفعل الميداني للمفتش بالقيادة المركزية للمنظومة، وغياب خطة عمل وطنية للتفتيش بأهداف محددة، يتم تنزيلها على شكل إجراءات تترجم إلى برامج عمل ميدانية تنفذها هيئة التفتيش وتتابع وتقوم على مدى إنجازها، سيبقي عمل هذه الهيئة دون أثر إيجابي على المنظومة. من طبيعة الحال مع إيجاد حلول لإكراهات مزاولة المهنة من ارتفاع عدد المُؤطَرين، وقلة وسائل النقل وضعف التعويضات المادية للتنقلات، أما إن بقي الوضع على ما هو عليه، ستبقى مهام المفتش منحصرة في الاستجابة لتكليفات خارجة عن المهام الأساسية، وزيارة الأساتذة من أجل تنقيطهم (وليس من أجل تقييم عملهم) لتعبئة بطاقة الترقية. هذا الوضع الذي جعل المجلس الأعلى للتعليم يضع على رأس الإشكاليات الأساسية التي تعاني منها هيئة التفتيش كونها تسند لها "مهام متعددة من قبل الإدارة، ويكون ذلك على حساب اضطلاع المفتش بدوره الأساس المتمثل في التأطير والتكوين والتنشيط والتقويم البيداغوجي والبحث التربوي."24 يضاف لهذه الإشكالية وهذه الإكراهات الارتباك والارتجال الحاصل في التوجهات السياسية التعليمية للبلد التي تجعل الوزارة تتخذ بعض القرارات غير المدروسة، وتجعل غالبا الهيئة في قلب الإجراءات التنفيذية، وتتحمل تبعات هذه القرارات بحكم التكليفات التي هو مرشح لها في كل الحالات. يمثل نموذج أعمال المفتشين خلال الموسم ال دراسي2016/2017 أفضل مثال للتوضيح: تراجعت الوزارة عن مشروع التوظيف المباشر في قطاع التعليم بدون تكوين أساس والذي امتد من فترة 2007 إلى سنة 2011 بعد توظيف أكثر من 30000 إطار وبعد أن تبين لها الآثار السلبية لهذه العملية على مستوى الأداء وعلى مستوى تحصيل التلاميذ وجودة العملية التعليمية وصدر قانون سنة 2011 ربط الوظيفة بالمباراة، وتم العمل بمبدئ لا توظيف بدون تكوين. وبدون الدخول في تفاصيل القرارات السياسة التعليمية التي جعلت من الدخول المدرسي2016/2017 دخولا استثنائيا، وجد المفتشون أنفسهم مكلفين بتأطير (10.000)عشرة آلاف من الأساتذة المتدربين (الذين قضوا شبه سنة بيضاء من الإضرابات من أجل مرسوم فصل التكوين عن التوظيف) خلال ثلاثة أشهر الأولى من السنة وتسليم تقرير عن كفاءتهم للتدريس، ومباشرة بعد ذلك يجدون أنفسهم في شهر دجنبر مكلفين بالسهر على مباريات توظيف 11000 طالبة وطالب حاصل على الاجازة أو ما يعادلها بالعقود، بعد إصدار مذكرة25 في الموضوع، وسيتم إلحاق هؤلاء المتعاقدين بالأقسام مباشرة لسد الخصاص الكبير في تغطية كل أسلاك التعليم والمواد، يعني أنهم كلهم أصبحوا على ذمة المفتشين26 لكي يسهروا على تكوينهم وتأطيرهم نظريا وعمليا، كل هذه الأعمال لم تكن مدرجة لا في المقرر السنوي للوزارة ولا في برامج المفتشين السنوية، فهي أعمال أقحمت على حساب المهام الأساسية. وفي نهاية يونيو 2017 سيتم الإعلان27 عن مباراة توظيف 23950 أستاذ بموجب عقود، ومرة أخرى ستجد هيئة التفتيش نفسها معنية بالإشراف على هذه المباريات كتابيا وشفويا في إطار تكليفات. في ظل هذه الظروف غير العادية التي ولج فيها حوالي 45 ألف مدرس ومدرسة خلال الموسم الدراسي 2016/2017 بدون الاستفادة من أي تكوين أساس (حوالي 35 ألف منهم بدون أي تكوين أساس بل بمستوى معرفي ضعيف28)، وفي ظل واقع ارتفاع معدلات التأطير للأساتذة وجد كثير من المفتشين أنفسهم في وضع صعب عليهم مسايرة تأطير وتكوين الوافدين الجدد على هيئة التدريس فبالأحرى تنفيذ برامج عملهم الذي وضعوه مسبقا. من الأكيد لن تستطيع مجهودات هيئة التفتيش قادرة على سد ثغرات غياب التكوين الأساس29 لدى هؤلاء الذين استفادوا من التوظيف بالتعاقد، وعليه فإن جودة الأداء وجودة التأطير لن يكون لها وجود في ظل هذه الارتجالية. هذه الإنجازات الكبيرة التي تقوم بها هيئة التفتيش في إطار التكليفات لا تشفع لدى المجلس الأعلى للحسابات الذي اعتبر في تقاريره 30 أن هناك تقصير وضعف في القيام بالمهام المنوطة بالمفتشين، بحكم أن المعايير والمرجعية التي ارتكز عليها في هذه التقارير هي مقارنة أثر أعمال المفتشين مع المهام المحددة لهم في النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، وليس التكليفات التي ليس لها ارتباط بالمهام التي من أجلها أحدث الإطار والمحددة في النظام الأساسي لموظفي الوزارة. نعتقد أنه إن توفرت الشروط الضرورية لتكون "هيئة التفتيش" في موقعها الطبيعي داخل المنظومة التربوية لتقوم بدورها الأساسي فإنها ستساهم في تطوير الأداء المهني وتجويده وتكوين وتنمية قدرات وأداء الأطر العاملة في مؤسسات التربية والتكوين وسيجعل المدرسة المغربية تساير التطور المعرفي الذي أصبح مرتبط بالتنمية والتطور الاقتصادي وتتحكم فيه الثروة المعرفية أكثر من الثروة المادية. إن تطوير أداء المدرسين سيمكن من تطوير منتوج وجودة المدرسة المغربية لتوفر لنا الكفاءات المؤهلة لتنمية المجتمع، ولنا في تجارب دول مثل اليابان وكوريا وسنغافورة وماليزيا خير مثال لتنمية المجتمعات من خلال الاهتمام بالتعليم وجودة منتوجه والعنصر البشري الذي تساهم المدرسة بشكل أساسي في تطويره. المراجع: 1- موجز إحصائيات التربية 2015-2016، مديرية الاستراتيجية والإحصاء والتخطيط، قسم الدراسات والإحصاء (وزارة التربية الوطنية المغرب) 2-منهم من استفاد من تكوين أساس ومنهم من لم يستفد أكثر من 30 ألف أستاذ تم توظيفهم بشكل مباشر ما بين 2007 و2011، يضاف لهم حوالي 25 ألفا تم توظيفهم بالتعاقد خلال سنة 2016 و2017 لم يستفيدوا من أي تكوين أساس. 3- سنشير لهذه الأطر بأطر التفتيش أو ب «هيئة التفتيش التربوي" كما هو متداول في الساحة التعليمية المغربية. 4- المراسلة الوزارية رقم:145097 بتاريخ 01أكتوبر2013 في موضوع: الملاحظات والتوصيات الصادرة عن تقرير المجلس الأعلى للحسابات بشأن عمل هيئة التفتيش بالوزارة. وهي بمثابة تجميع لفقرات من تقارير المجلس لسنوات 2008 و2009 و2010 و2011، وتشير إلى مجموعة من الملاحظات منها: انخفاض أعداد المفتشين، عدم استثمار تقارير التفتيش، ضعف أداء نماذج كثيرة من المفتشين المهام الموكولة لهم في النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية. 5- النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية والتعليم، المرسوم 03.02.854 بتاريخ 10فبراير 2003 كما وقع تغييره وتعديله، المواد 4 و8 مكررة مرتين و10. 6- عبد القادر أكجيل "أية اختصاصات للتفتيش في سياق الإصلاح" جريدة العلم العدد: 23445 بتاريخ 10 فبراير 2016 7- مفهوم الإشراف التربوي، ذ. سمر حسن سليمان، (مفهموم_الإشراف_التربوي http://mawdoo3.com/) تاريخ إدراج الموضوع 11:51، 11 أبريل 2016. 8- "دور التفتيش التربوي في النهوض بمنظومة التربية والتكوين" حسن ادويرا، (مفتش تربوي)11 يناير2014- موقع تربويات – http://www.tarbawiyat.net/news7088.html 9- الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الدعامة السابعة: مراجعة البرامج والمناهج والكتب المدرسية والوسائط التعليمية المادة 106 و107 المرجع نفسه 10 11- "تطوير مهنة ومهام التفتيش التربوي" رأي المجلس الأعلى للتعليم رقم 4/09، ص: 5 (2009) 12- نفسه 13- المرسوم الملكي رقم 2.85.742 الصادر بتاريخ 18 محرم 1406 الموافق ل 4 أكتوبر1985 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية؛ 14- المرسوم الملكي رقم 1184.66 الصادر بتاريخ 22 شوال 1386 الموافق ل 2 فبراير 1967 بشأن النظام الأساسي الخاص برجال التعليم بوزارة التربية الوطنية؛ 15- مجموعة طلبة مفتشون مركز تكوين مفتشي التعليم، دراسة حول مهام مفتش التعليم الثانوي (2015) http://www.taalimona.com/formation/approches-educatives/articles-educatifs/node_4511 16- كما صدرت عدة مذكرات تفصل في عدة إجراءات منها: المذكرة 168 بتاريخ 18 أكتوبر 1989؛ المذكرة 137 بتاريخ 19 شتنبر 1990؛ المذكرة 200/4 بتاريخ 23 دجنبر1990... 17 -المذكرة 79 بتاريخ 1979 في موضوع: اشتغال الأساتذة العلوم التجريبية في المختبرات العلمية. 18- موجز إحصائيات التربية 2015-2016، (مرجع سابق) 19- "تطوير مهنة ومهام التفتيش التربوي" (مرجع سابق) ص:14 20- نفسه ص:10 21- بلال التليدي "وضعية التفتيش التربوي: خصاص كبير واختلال في التوزيع" جريدة التجديد ليوم 16 - 09 - 2009 22- العطار عبد الرحمن، "قراءة في المذكرة المرتبطة بموضوع الترقية بالاختيار برسم سنتي 2014- 2015" (نونبر 2015( https://www.synd-inspect.com/ مستجدات/451-قراءة-في-مذكرة-الترقية-بالاختيار-2014-15.html 23- أغلق مركز مفتشي التعليم بالنسبة للثانوي من سنة 1997 إلى سنة 2011 (باستثناء فوج الترجمة والإعلاميات اللذان تخرجا سنة2003) وبالنسبة للابتدائي من سنة 1999 إلى سنة 2011 حيث تخرج أول فوج بعد إغلاق دام أكثر من عقد من الزمن. 24 -"تطوير مهنة ومهام التفتيش التربوي" (مرجع سابق) ص:10 25- المذكرة عدد 16-866 بتاريخ 1 نوفمبر 2016 في موضوع التوظيف بموجب عقود من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين 26 -رغم أن الوزارة راهنت على مفهوم المصاحبة لتكوينهم، إلا أن الواقع أظهر أن المذكرة الخاصة بالمصاحبة لم يتم الاستجابة لها إلا بشكل ضعيف. 27- المذكرة الوزارية رقم 17/072 بتاريخ 7 يونيو 2017 في شأن توظيف الأساتذة بموجب عقود من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين برسم السنة الدراسية 2017- 2018 28- أكد عدد من المفتشين معدلات النجاح في مباريات التعاقد وصلت إلى حدود 4,5/20 -وفي مادتي الرياضيات والفرنسية بلغت إلى 2,5/20 – يعني أن عددا كثيرا من المترشحين لا يتوفرون على المؤهلات العلمية، ورغم ذلك قامت الإدارة بتوقيع العقدة معهم بحكم الاضطرار الذي وجدت نفسها أمامه -لا بديل عنهم- 29-المفروض أن تقوم به "المراكز الجهوية للتربية والتكوين". وفق المرسوم رقم 672-11-2 صادر في 27 من محرم 1433 (23 ديسمبر 2011) 30- المراسلة الوزارية رقم:145097 بتاريخ 01أكتوبر2013، مرجع سابق.