ملاحظات وتساؤلات للأستاذ محمد يتيم أرجو أن يتسع صدر الأستاذ محمد يتيم لبعض الملاحظات والتساؤلات حول رده على مقال الدكتور أحمد الريسوني، الذي أبدى فيه رأيه حول ضرورة تحديد الولايات البرلمانية لنواب العدالة والتنمية في ولايتين. والذي أسماه: شهوة الخلود والترشح اللامحدود، ثم مقاله الثاني عود على بدء، الذي أكد فيه رأيه الأول. وأرجو أن نتمثل جميعا الخصال والسجايا التي أثنى بها على الفاضل الدكتور أحمد الريسوني ذي العقل الرجاح والاستدلالات الصحاح وصاحب المداومة والإلحاح في الجهر بما يعتقده حقا. وأكبر في الأستاذ يتيم الأسلوب الذي كتب به، وتأييده وتأكيده على ضرورة التجديد والتشبيب، وتفاعله المتواصل مع مايروج من أفكار ويطرح من أراء. أما الملاحظة الأولى فتهم العنوان: مناقشة هادئة مع مقال ساخن للدكتور الريسوني. ولهذا العنوان دلالته، فإن كان المقصود منه أن مقال الدكتور الريسوني ساخن بأهمية الأفكار التي أثارها، وقوة الأدلة التي ساقها، والجرأة التي أبداها، فهو كذلك، وفي هذه الحالة فإن الرد سيكون على نفس الدرجة من السخونة. وإن كان يقصد بالسخونة الحماس الزائد والانفعال والاندفاع، فقد جانب الصواب، ومن يعرف الريسوني فبعكس هذا يعرفه، بالتوءدة والحكمة، والتريث، وتدقيق النظر في الأمور،... وعلى كل فإنه لا يليق أن يصف إنسان نفسه وكتاباته بالهدوء والرزانة، وكتابات غيره بضد ذلك، خاصة إذا كان هذا الغير من الجهابذة. الملاحظة الثانية في المنهج والمضمون، يقول يتيم في الريسوني: أجرأ رفاقه وإخوانه ممن جمعته بهم مسارات سابقة في الدعوة على «حرق السفن» والإقدام بجرأة على التجديد والتجدد والتمرد على مقولات حركية ودعوية سابقة. والريسوني كذلك وأكثر من ذلك، لكن ليس وحده، والمقصود عندي أجرأ رفاقه وإخوانه، فكيف سوغ الأستاذ لنفسه أن ينتصب حاكما يصدر أحكام القيمة، ويعدل ويجرح في الرجال؟ وهل خبرت كل رفاقه وإخوانه فوجدتهم أقل منه جرأة، وأكثر تقليدا؟ أم هو إطراء اقتضاه المقام، ولا أهمية بعد ذلك لتمحيص القول والتدقيق في المقال؟ وأدع التعليق على الاستدراج إلى الفخاخ، والأمثلة التي سيقت لتأكيد ذلك مخافة الزيغ عن المراد. الملاحظة الثالثة، وهي التي جعلها الأستاذ مبتدأ ملاحظاته، ونقطة قوته في التصدي للرد على الدكتور الريسوني، وتتعلق بكونه غير معني مباشرة بالترشيح، فالذي أعلم أن غير المعني هو الذي عنده موانع الترشح، أو الذي اعتذر ورفض الترشح، والذي أعلم أيضا أن الأستاذ يتيم تتوفر فيه الشروط، وأنه لم يعتذر، وإنما لم يختره مناضلو الحزب ببني ملال مرشحا لاعتبارات هم أدرى بها وهو كذلك، مع أنه ترشح لولايتين متتاليتين بالمدينة نفسها. وكان وارد جدا أن ترشحه الأمانة العامة في دائرة أخرى، كانت فيما بعد هي البرنوصي. فكيف تسنى للأستاذ قول ذلك وهو يعلم أن مسطرة الترشيح لم تستكمل بعد. والآن وقد أصبح معنيا بالترشح، هل وجد في نفسه حرجا، وهل اتهم نفسه بشهوة الخلود والرغبة في الترشح اللامحدود. وهل يمكن أن يعذر من يظن به ذلك. وفي هذا المقام يمكن إثارة مسألة أخرى فهل يستساغ أخلاقيا أن يترشح الواحد في دائرة ما، حتى إذا تم الاستغناء عنه وعوض بأخر، تم ترشيحه في دائرة أخرى دون أن تقيم تجرته أو يقدم حصيلة نيابته عن الدائرة الأولى. ثم هل لمثل هذا خولت المسطرة للأمانة العامة حق التصرف في 10 في المائة من وكلاء اللوائح. وأظن أن فلسفتها، والله أعلم، هي ترشيح الكفاءات التي لم تختر في الدوائر، لا الذين لم يعد المناضلون ترشيحهم في دوائرهم. الملاحظة الرابعة تتعلق بالطموح، حتى إن بعضهم يدافع في الجموع عن الطموح المشروع، والذي أسماه الأستاذ يتيم نزعة فطرية بشرية. والواقع أن في التفريق بين الطموح المشروع وغير المشروع تضل أفهام وتزل أقدام. والطموح المشروع، والله أعلم، هو الذي يستوجب تحقيقه القيام بأعمال ومبادرات، والاجتهاد في ذلك قدر المستطاع، ومن قبيل ذلك السعي لتبوء أعلى الدرجات العلمية، وأرقى المراتب المهنية، ولامتلاك سيارة فارهة ومسكن واسع وغيرها من أمور الدنيا المشروعة، وأمور الآخرة كالطموح إلى نيل رضوان الله، ونيل الفردوس...فهل الطموح للظفر بمقعد في البرلمان، أو حقيبة وزارية مما يجوز السعي له والاجتهاد في تحصيله بالأعمال والمبادرات، إن كان كذلك فلا ينبغي تجريم التعبئة والكولسة وغيرها من الأعمال التي يلتجأ إليها البعض. وأين يندرج رد النبي صلى الله عليه وسلم على أبي ذر الغفاري، وإن كان العكس، أي لا ينبغي السعي إليه، فهو نوع من الأماني التي يصدق فيها: والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. وعليه فإنه يصعب، بل يكاد يستحيل التمييز بين حدود الطموح المشروع واللامشروع، فينبغي سد الذريعة في هذا الباب. وبالوازع الأخلاقي والإجراءات القانونية والمسطرية يمكن معالجة مشاكل التطلع والحرص. ومنها وعلى رأسها ما دعا إليه الجم الغفير من المناضلين من حصر الترشح للبرلمان في ولا يتين. الملاحظة الخامسة وتتعلق بمساطر الترشيح واللجنة التي انبثقت عن المجلس الوطني في دورته الأخيرة لتعميق النظر في مسألة الولايتين، والتي لم تخرج فيه بقرار ملزم يمنع بوضوح الترشح لأكثر من ولايتين، وإنما بتوصية عامة للأمانة العامة باعتماده كتوجه في عملها كهيئة للتزكية. لن أخوض في الطريقة التي عملت بها اللجنة، ولكن ما حظ هذه التوصية من التطبيق في التزكية وما نسبتها؟ بل ألم يعمل بضدها لما تم ترشيح من قضى ولايتين وأكثر، بعد أن التزمت هيئة الترشيح بالتوصية (الرشيدية)، أو ترشيح من استبدلهم المناضلون في دوائر غير الدوائر التي ترشحوا فيها في السابق. الملاحظة السادسة وتهم طبيعة منصب البرلماني، هل هو منصب ذو إغراء وجاذبية أم لا، والأستاذ يتيم يرى عكس ما ذهب إليه الريسوني، بل يرى أن هذا الأخير لا يصف واقع الحال. وأترك للقارئ الكريم الحكم على الرأيين. ولكن بربك إن لم يكن لمنصب البرلماني إغراء وجاذبية، لماذا ينفق عليه الناس من هيئات أخرى الأموال الطائلة، ولماذا يتحمل الناس من أجله ما لا يحتمل، ولماذا يتهافت عليه المناضلون، ويجاوزون الأخلاق والأعراف، بل والمساطر من أجل الظفر بمنصب وكيل اللائحة، وأنت خير من يعلم عدد ونوعية الطعون التي قدمت. هل كل هذا تضحية ونضال. الملاحظة السابعة في التمييز بين الترشيح والترشح، فصحيح أن المرشحين لا يقدمون طلبا للترشح، لكن لما ترد أسماؤهم من هيئة الاقتراح، وتعرض على هيئة الترشيح ولا يعتذرون، فإنهم يصبحون في عداد المترشحين، ولا عبرة بعد ذلك بمصدر الاقتراح. هذا إذا سلمنا أن البعض منهم لم يطلبها ولم يسع إليها، ولم يوعز إلى بعض رفاقه والمقربين منه بذلك. ولنقل إن الأمر يبدأ ترشيحا وينتهي ترشحا، ولا فرق بينهما إلا في الشكل. أما صراط المسطرة ومبالغتها في الديموقراطية، فإنه وهم، وذاك موضوع آخر، قد يأتي إن شاء الله وقت مناقشته. الملاحظة الثامنة، وفيها أصاب الأستاذ كبد الحقيقة ، لما ذكر أن مسؤولية رئاسة الحركة، أو أمانة الحزب منهكة ومكلفة، والحاجة فيها إلى التجدد واضحة ومبررة. ومن مقتضى كلامه أن المسؤولية في البرلمان وتمثيل الأمة ليست كذلك، وبالتالي لا ينبغي فيها تحديد الولاية في اثنتين فقط. وبالفعل فإن الدكتور الريسوني ربما اخطأ حين قارن بين ما لا يقارن. والتسوية بين المسؤولية في هيئة حزبية أو حركية، والعضوية في المؤسسة التشريعية لأكثر من ولا يتين لا يستقيم، واللفظ للأستاذ يتيم. لكن العمل المريح المغري يدعو صاحبه إلى التشبث به وملازمته أكثر من العمل المضني، لذلك فالأول أحوج من الثاني إلى الفطام... الملاحظة التاسعة وتتعلق بالتهويل من مهمة البرلماني، وكأنه لا ينبغي أن يدخل البرلمان إلا خارقا للعادة. ولذلك لم يستسغ الأستاذ أن يحفظ البرلماني الجديد قواعد اللعبة في أشهر قليلة، وأكد أن ذلك يحتاج إلى أكاديمية لتخريج البرلمانيين وتكوين معمق ومكثف، فكيف إذا جاءك الأكاديميون أنفسهم الذين يدرسون هذا العلم، أو الباحثون المتخصصون في الدراسات القانونية، وفي جميع فروع المعرفة، ممن لديهم الإمكانات المعرفية والمنهجية للبحث والتقصي، ولديهم الطاقة النضالية للتطور والتطوير. وهل برلمانيونا السابقون واللاحقون خريجو أكاديميات، أو خضعوا للتكوين مدة سنتين. ثم إنه ليس من الضرورة أن يقضي الإنسان الوقت نفسه ليستوعب ما استوعبه غيره، وإلا فسد منطق الاحتواء والتجاوز، وظلت البشرية تعيش في حلقة مفرغة. وأما العمل البرلماني الراشد والمنتج فيحتاج إلى مركز بحث ودراسات، يضم مجموعة من المتخصصين، والبرلمانيين السابقيين الذي راكموا الخبرة، يكونون قاعدة خلفية للبرلمانيين. وأما إفراغ الفريق من كفاءاته مرة واحدة كل سنتين فإنه لم يقل به أحد. أولا لأن تجديد كل من له ولايتين في كل ولاية تشريعة لا يفضي إلى تجديد الكل، ثم إن الذين يدافعون عن الولايتين يبقون لهيئة التزكية الحق في استثناء من تراهم كفاءات في حدود نسبة معقولة. الملاحظة العاشرة وتهم الدخول في الجب أو البراديغم، والذي لم أفهم منه ما فهمه الأستاذ يتيم، أي التنافس الحزبي من أجل الظفر بأكبر عدد ممكن من المقاعد، وإنما فهمت أنه لا ينبغي أن يمنعنا كون الأحزاب في المغرب أو في غيره لم تحدد للبرلمانيين عددا محدودا من الولايات، لا ينبغي أن نجعل هذا حجة نواجه بها دعاة تحديد الولايات في اثنتين. وأما إن كان يظن البعض أن بأسمائهم وصفاتهم تحصد العدالة والتنمية الأصوات فما عليهم إلا أن يجربوا أنفسهم بالترشح في أحزاب أخرى، أو مستقلين حتى لا يؤثر عليهم رصيد تلك الأحزاب إيجابا أو سلبا، ليعرفوا قدر أنفسهم. إن المغاربة يصوتون على حزب العدالة والتنمية الذي رمزه المصباح ولا يصوتون على الأشخاص الذين لا تعرفهم غالبية الناخبين، ويصوتون على الذين يدعونهم إلى التصويت على المصباح ممن هم ليسوا في اللوائح ولا يتنافسون عليها. وإلا كيف تفسر فوز البعض في دوائر لا علاقة لهم بها لا سكنى ولا عمل وموطن مولد ولا...، وفي بعض الحالات الفوز بمقعدين... إنه رصيد المناضلين وبعض من ثمرات أعمالهم على مر السنين، ثم قبل ذلك وبعده توفيق من الله رب العالمين. وإن كان الأستاذ يتيم لا يرى غضاضة في الترشح اللامحدود، فإن الجم الغفير من المناضلين الذي هم وقود الحملات الانتخابية وطاقتها سواء من جهروا برأيهم أومن تداولوه بينهم مثنى وثلاث ورباع.... يرون في ذلك غضاضة، وينادون بضرورة تحديد الترشح في ولايتين، وعسى أن يكون ذلك قريبا. الملاحظة الحادية عشر، لا بأس من إثارة مسألة ألمح إليها الأستاذ يتيم، لكن بعضهم صرح بها، وهي أنه ضد منطق (مولى نوبة)، وصرخ بعضهم في وجه بعض من يدافع عن تحديد ولايات الترشح، واتهمهم بأنهم يريدون أن يزيحوا البرلمانيين الحالييين من على مقاعدهم، ليجلسوا مكانهم. لن أعلق على ابتذال مفهوم التداول ليصبح( مولى نوبة)، لكن بمنطق أصحاب الطموح المشروع، وإذا سلمنا أن بعض من يدافع عن تحديد الولايات له طموح في الترشح، فهل يعاب على من له الطموح للترشح، ولم يسبق له أن ترشح من قبل، ولا يعاب على من يريد الخلود والترشح اللامحدود بدعوى التجربة، ويقدح في نوايا دعاة التحديد ليسفه منطقهم. ذلك لعمري في العدل بديع. هذه بعض الملاحظات على مقال الأستاذ يتيم، وهو مجرد رأي فيه الصواب والخطأ في قضية كانت موضوع نقاش خاص فصارت عامة. هذا وإني لم أكتب انتصارا للدكتور الريسوني، فهو أقدر على الرد والتوضيح وأجدر، بما أتاه الله من فصاحة لسان وقوة بيان، وقدرة على الحجاج والاحتجاج. والله تعالى أعلم.