تعلمنا من الريسوني أن نعرف الحق بالحق لا أن نعرف الحق بالرجال .وأن مخالفة الإخوان في اجتهاد أو تقدير والتعبير عنه بجرأة وتجرد لا يفسد للود قضية ما دام أصل المنهج صافيا، وما دام الدليل ديدن المخالف، وأنه حيثما كانت الحجة الدامغة والحقيقة الموضوعية فثمة دليله، وهناك مذهبه. الدكتور أحمد الريسوني رجل عالم، وفقيه مقاصدي لا يشق له غبار . وهو قبل ذلك وبعده رجل دعوة وعمل، لم ينفصل عنده العلم عن العمل، أو العلم عن الدعوة والحركة، فجسد بوضوح مقولة علم الحركة وحركة العلم كما يحب أن يقول في توليفاته البديعة وجوامع من الكلم يمتاز بها عن غيره حتى إنك لتخال كلامه نثرا منظوما ونثره نظما موزونا . وما هو أبدع من ذلك بعده عن التعصب أو التخندق الفكري، مما جعله من أجرأ رفاقه وإخوانه ممن جمعته بهم مسارات سابقة في الدعوة على «حرق السفن» والإقدام بجرأة على التجديد والتجدد والتمرد على مقولات حركية ودعوية سابقة، لما بدا له أن هناك ما هو أولى منها، و أقرب إلى الصواب. لكننا تعلمنا من الريسوني أن نعرف الحق بالحق لا أن نعرف الحق بالرجال .وأن مخالفة الإخوان في اجتهاد أو تقدير والتعبير عنه بجرأة وتجرد لا يفسد للود قضية ما دام أصل المنهج صافيا، وما دام الدليل ديدن المخالف، وأنه حيثما كانت الحجة الدامغة والحقيقة الموضوعية فثمة دليله، وهناك مذهبه. وقد رأيت في بعض كتابات واستجوابات الريسوني مؤخرا في قضايا لها صلة بمنهج الحركة والدعوة « اجتهادات «استغربتها من عالم كبير منها مثلا ما صرح به في بعض الاستجوابات أو المقالات الصحفية التي تأتي على ما يبدو تعبيرا عن خواطر أو إجابة عن أسئلة صحفية لم تمحص بالأخذ والرد واستكمال المعطيات ، مما لم يعد متأتيا للريسوني حول تفاصيل الحياة السياسية والحركية والحزبية بحكم إقامته خارج الوطن، استجوابات واستكتابات هي أقرب ما تكون للاستدراج من بعض المستجوبين إلى فخاخ لاستصدار مواقف مطلوبة في سياقات معينة لإحداث آثار معينة . ومنها على سبيل المثال ما صرح به حول حرية الأفراد داخل التنظيمات وعدم جواز إلزامهم بقرارات صادرة عن الهيئات، مما خالف فيه الريسوني ما سبق أن تعلمنا منه، وما سبق أن خطه بيده أو أقره في ميثاق حركة التوحيد والإصلاح وما استمات في الدفاع عنه حين تقرر إلغاء مشاركة الحزب في مسيرة تضامنية مع ضحايا 16 ماي عقب الأحداث مباشرة لأسباب معروفة، وأوشك فريق من أعضاء الحركة أن يتمردوا عليه ولم يستسيغوا قرار الإحجام بعد الإقدام، وهي المسيرة المعروفة ب«الموؤودة»، أي منهج الشورى الملزمة، ومنهج :«الرأي حر والقرار ملزم». وفي الحقيقة، فإن المقال الأخير للريسوني تحت عنوان «شهوة الخلود والترشح اللامحدود» أثار عندي من الرغبة في مراجعة الدكتور الريسوني مثلما كان قد أثار عندي ما كان قد صرح به في قضية حرية الأفراد في التنظيمات وجواز تحللهم من القرارات الشورية المؤسسية بدعوى الحرية، مما لم يكن سهلا على فهمه أو تفهمه، وكنت أنوى الإدلاء فيه بدلوى لولا ما رد به الأستاذ عبد الرحيم الشيخي في هذه القضية فأفاد وأجاد، وأحسب أنه قد أقنع وأفحم مع حفظ كامل المحبة والأخوة والتأدب مع الدكتور الريسوني . ما «صدمني» في المقال المذكور هو أن الدكتور الريسوني قد أدلى بدلوه في موضوع أحسب أنه بحكم وضعه سواء لما كان موجودا بالمغرب أو هو الآن بعبد عن المغرب في جدة ليس ملما بكل تفاصيله ومعطياته، تماما كما لم يكن ملما بكل المعطيات التي تضمنها النقاش الذي دار خلال ساعات طويلة في هيئات الحركة والحزب في قضايا الموقف من حركة 20 فبراير والتعديلات الدستورية وإن كان في هذه الأخيرة قد أدرك طرفا منها وأدلى فيها بدلوه وكانت له فيها بصمته. ينطبق هذا على قضية النقاش في تحديد عدد الولايات الانتدابية فيما يخص المسؤوليات العامة وخاصة ما يتعلق بالترشيح للبرلمان حيث إنها كانت موضوع تقديرات لكل منها وجه بين قائل بمنع التجديد مطلقا لأكثر من ولايتين، ومن قائل بإباحته مطلقا، ومن قائل بالإباحة بشروط، ومن قائل بأن المسألة ينبغي أن تترك لعمليات الفرز الديمقراطي التلقائي التي تتم من خلال مختلف عمليات الاقتراح والترشيح والتزكية ناهيك عن عملية التصويت الشعبي التي تعود لها الكلمة الأخيرة في التزكية . وقد أدى ذلك بشيخنا الجليل إلى الوقوع في استنتاجات والوصول إلى خلاصات لا نسلم فيها له بأنها هي القول الفصل أو القول الحق الذي ليس وراءه إلا الباطل وشهوة الخلود والترشح اللامحدود . بناء على هذه المقدمات ليسمح لي الدكتور الريسوني أن أعقب على مقاله، الذي يكاد القاري العادي أن يخلص من قراءته وكأنه أوشك أن يصل إلى البواطن و يحاكم النوايا، حيث فسر اجتهادات إخوانه في قضية اجتهادية ظنية بشهوة باطنبة هي شهوة الخلود، الشهوة التي من خلال الوسوسة بها خرج آدم وزوجه من الجنة، لأكلهما من الشجرة المحرمة. وحتى إن لم يصرح شيخنا بذلك صراحة وربما لم يقصد إليه لكن السياق يكاد ينطق بها . وأقول وبالله التوفيق: 1 الملاحظة الأولى أنه ما كان لي أن أتكلم في الموضوع لو كنت معنيا مباشرة بالترشيح، وقد كنت سأجد في نفسي حرجا إذ قد أتهم نفسي أو قد يظن البعض أن الأمر يتعلق بشهود الخلود والرغبة في الترشح اللامحدود . 2 الملاحظة الثانية تتعلق بشهوة الخلود والرغبة في الترشح اللامحدود، وما يمكن إعادة التعبير عنه بحب الجاه والترؤس وهي الصيغة التي قال بها علماؤنا وقال عنها بعضهم : إنها آخر ما يخرج من قلوب الصالحين . إنه لا أحد يمكن أن ينكر أنها نزعة فطرية بشرية قوية لا تتعلق فقط بالرئاسات التي فيها امتيازات ومنافع، فشيخنا يعلم أن الوجاهة والتطلع لا يرتبط بالرئاسات والمناصب السياسية والولايات العامة بل بغيرها من الرئاسات الدينية والثقافية والإعلامية والعلمية .وكثير ممن هم مبتلون بآفتها ليس دافعهم هو الامتيازات المادية بل قد ينفقون عليها ويخسرون بسببها أعمالهم وتجارتهم . أقول إن المشكل ليس في هذا النزوع الفطري المتأصل تأصل غيره من شهوات من قبيل شهوة النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، إذ ما كانت هناك إمكانية لعمران بشري ولا لتجارة أو سياسة أو حفظ للنسل بدون تلك الدوافع القوية المحركة للعمران والباعثة على إقامته، بل إن المشكل في طريقة تحقيقها والحصول عليها وفي طريقة إنفاقها واستخدامها . ولذلك كانت الإجراءات القانونية والمسطرية، ولذلك كان التداول والرجوع بعده إلى: «التقريب والتغليب» الذي درسنا نظريته على يد شيخنا، وهي التي ينبغي أن تطور وتدقق ولا نقول أو نجزم أن ما انتهت إليه المسطرة المعمول بها اليوم هي منتهى الكمال، فلها الكلمة أولا وأخيرا، وهي الآلية الوحيدة التي ينبغي لها الامتثال، وهي الوحيدة التي تعالج من قد يترتب في العمل على التطلع والحرص. 3 يتكلم أخونا الريسوني عن أنه حدث إخوانه في قضية تحديد عدد الانتدابات وأنهم قد وعدوه بالنظر في القضية وتطبيقها في الولايات القادمة وأنهم ساقوا عددا من الحجج والتعلات منها يقول شيخنا «أن البقاء في البرلمان لفترات غير محددة أمر مفيد للحزب وكوادره القيادية، ومفيد لمصلحة الأمة وفعالية البرلمان» وأن «هؤلاء الأصدقاء جادلوني سنة 2005، وطلبوا مني تأجيل دعوتي لتحديد النيابة البرلمانية في ولايتين، بأننا في البداية ومحتاجون إلى بقاء أصحاب التجربة، ووعدوني بتبني الفكرة واعتمادها في الانتخابات المقبلة. ثم مرت «المقبلة»، وها هي أخرى حلَّت، وما زالت فكرة البقاء والدوام بلا حدود ولا قيود». أقول كيف تأتى لشيخنا أن يحزم فكرة البقاء بلا قيود ولا حدود هي أصل المشكلة، وهو يعلم أنه لا أحد يملك أمينا عاما أو عضوا في الأمانة العامة أو الأمانة العامة كاملة أن يعطي وعدا أو ضمانة في قرار يرجع إلى مؤسسة هي المجلس الوطني، إذ إليه يرجع إليه قرار وضع مسطرة الترشيحات، علما أن المجلس الوطني قد عدل وراجع عددا من المقتضيات التي كان قد تضمنها مشروع مسطرة الترشيح التي وضعتها الأمانة العامة، وكان من الممكن أن تشمل المراجعة ما يتعلق بمسألة تحديد عدد الولايات التي يجوز فيها الترشيح ، ولكنه لم يفعل حيث لم تتبن مسطرة الترشيحات هذا التوجه بالرغم من أنه كان ولا يزال رأي فريق من أعضاء المجلس . كما أن اللجنة التي انبثقت عن المجلس في دورته العادية الأخيرة لتعميق النظر في المسألة والتي تدراستها طيلة يوم كامل لم تخرج فيه بقرار ملزم يمنع بوضوح الترشح لأكثر من ولايتين وإنما بتوصية عامة للأمانة العامة باعتماده كتوجه في عملها كهيئة للتزكية. 4 إن عددا كبيرا من الجموع العامة لهيئات الاقتراح و الترشيح قد أعادت ترشيح عدد لا يستهان به ممن تعددت ولاياتهم النيابية وبعضهم يرشح للولاية الرابعة، أي أن قواعد الحزب بملء إرادتها هي التي تمسكت به وأصرت على ترشيحه وأحيانا في معارضة لرغبته، ولو لم تتبين لها جدوى من إعادة الترشيح، فكيف يستقيم قول شيخنا أنها شهوة الخلود والبقاء والأمر كما يعلم ليس بيد المرشحين . وفي المقابل، فإن نفس الجموع لم تعد ترشيح عدد من النواب ممن تجاوزوا الولايتين وبعضهم قضى فقط ولاية واحدة، مما يدل أن آلية التجديد مشتغلة تثبتها الأرقام ونسبة النواب الجدد الذين وفدوا على الفريق منذ أول ولاية دخل فيها الحزب إلى قبة البرلمان، كما أن حجم تدخل الأمانة العامة في الترشيح على رؤوس اللوائح وإعادة ترتيب المرشحين قد تقلصت إلى أكبر الحدود؟ 5 ينطلق الدكتور الريسوني من قياس فيه نظر حيث يقيس الدعوة إلى عدم مراكمة الولايات الانتخابية على المبدأ المعمول به في الحركة والحزب أي عدم مراكمة الولايات وعدم المساح تجاوز ولايتين متتاليتين على رأس الحركة والحزب وهيآتهما .حيث يقول « الغريب أننا نجحنا في اعتماد فكرة حصر تولي المسؤوليات في ولايتين فقط، في حركة التوحيد والإصلاح، ثم اعتُمدت الفكرة بحزب العدالة والتنمية. فلما جئنا إلى مجال هو أحوج بكثير إلى إقرار هذا النهج، اصطدمت الفكرة بالتأويلات والتبريرات والتهرب والتسويف!!، بينما كان المفروض على الأقل أن يَطَّرِد المنطق والمنهج. وأما الحقيقة الواضحة فهي أن دواعي التحديد والحصر للمناصب ذات الإغراء والجاذبية والتنافسية أقوى وأوجب. لكن أنصار البقاء والخلود كانوا هم الغالبين « وبغض النظر عن هذه الإشارة الأخيرة التي لا تصف واقع الحال ولا تنصف مذهب من لا يرى مذهب الريسوني، وتختزل الأمر في حرص وشهوة خفية في الخلود والترشح اللامحدود . وبغض النظر عن دقة كلمة «الترشح» حيث إن الأمر يتعلق ب«ترشيح» لا يتأتي كما يقول بعض الإخوة إلا بعد مرور على «صراط « مسطرة بالغت في الديمقراطية حسب البعض، وقلصت من تدخل الأمانة العامة إلى أقصى حدود، فإن قياس شيخنا فيه نظر. 6 إن الأمر في الحركة والحزب يتعلق بالمسؤولية العظمي في الهيئتين وبرئاسة الهيئات المسيرة التي تحتها وليس مجرد العضوية في تلك الهيئات، حيث إنه من المعلوم إن عدم الجمع بين أكثر من ولايتين متتابعتين هو أمر مقصور على رأس الهيئة وليس على العضوية فيها . وهذا يعني أن السماح باستمرار مسؤول سابق للحركة أو الحزب في المكتب التنفيذي أو الأمانة العامة الجديدة بقدر ما يعني الحرص على التجديد في رأس الهيئة، ليس فقط لمجرد التجديد، ولكن لأن المسؤولية العظمى منهكة وملكفة والحاجة فيها إلى التجدد واضحة ومبررة، الحرص على استمرار الخبرة وعدم الاستغناء عنها . فشيخنا يقارن بين ما لا يقارن، أي قارن بين مقتضى له صلة برئاسة الهيئات، ومقتضى آخر له علاقة بمراكمة عدد الولايات على مستوى العضوية في المؤسسات والهيئات. واطراد المنهج والمنطق الذي ينتقد غيابه عند المدافعين عن «الترشح اللامحدود» بتعبير شيخنا يكون عند اطراد وتشابه المجالات والحالات التي يطبق عليها. والحال أنه ليس هناك اطراد بين الواقعتين والمجالين . والسعي إلى نقل مبدأ عدم تعدد الولايات من مجال المسؤولية عن هيئة حزبية أو حركية إلى مجال العضوية في المؤسسة التشريعية لأكثر من ولايتين لا يستقيم، إذ لا شيء في قوانين الحزب أو الحركة يلزم بحصر العضوية فيها لولايتين فقط مما كان سيكون صالحا للاحتجاج به . 7 لقد بني شيخنا الريسوني على مسلمة غير مسلم بها وعلى خبر هو مجرد انطباع منقول عن متحدث حول حقيقة العمل البرلماني، وأنا اشتغلت فيه لولايتين متتابعتين وأستطيع أن أجزم بأن ما بني عليه شيخنا لا أساس له من الصحة حين قال: «قبل سنوات أخبرني أحد الإخوة البرلمانيين الجدد أنه بعد شهور قليلة من عمله البرلماني حفظ اللعبة من أولها إلى آخرها... وكل ما هو مطلوب وممكن هو أن نكرر ذلك في كل اجتماع وفي كل جلسة». لقد بسط هذا البرلماني العمل البرلماني إلى أقصى حد حين اعتبره مجرد لعبة تحفظ من أولها إلى آخرها في شهور قليلة , والواقع أن العمل البرلماني الجيد رقابة وتشريعا يحتاج في الحقيقة إلى أكاديمية لتخريج البرلمانيين وتكوين معمق ومكثف لا تقل مدته عن سنتين وتكوين مستمر فضلا عن التكوين بالخبرة والممارسة، التي لا غنى عنها، وأستشهد بأحد كبار البرلمانيين من أحد أحزاب الكبرى الذي حكا أكثر من مرة إنه قضى الولاية الأولى في الاستماع والتعلم، ولم يشرع في الكلام بثقة ومعرفة إلا في الولاية الثانية، أقول هذا وأنا أقر أن على الحزب أن يضع آلية للتشبيب على جميع المستويات بما في ذلك العمل البرلماني، وأن يكون مقياس الترشيح هو الأهلية والكفاءة والمردودية والتنوع في مكونات الفريق وتراكم الخبرة . وفي نفس الوقت أجزم دون تردد أنه من العبث إفراغ فريق من أهم كفاءاته مرة واحدة كل سنتين من أجل مجرد التجديد والتناوب ودفعا لشبهة الترشح اللامحدود . و قد كان على فريق العدالة والتنمية أن يضحي بأحسن كفاءاته بعدم ترشيحها خلال الانتخابات المقبلة إعمالا للمبدأ الذي يدافع عنه الريسوني. 8 ونظير هذه الملاحظة، ونظير استناد شيخنا على النزوع إلى الخلود وشهوة الترشح غير المحدود طرح الشيخ في مقال استدراكي فكرة طريفة: « الدخول في الجب « وأداة منهجية إبستمولوجية مبدعة التحليل هي فكرة الباردايغم، أي البراديغم السائد القائم على فكرة التنافس الحزبي من أجل ربح أكبر قدر ممكن من المقاعد وجعله هدفا مرحليا أعلى للعملية الانتخابية، ومعيارا من معايير الترشيح فيها. وهذا يستلزم حسب الريسوني ترشيح من هم أقدر على انتزاع المقاعد لأنفسهم ولحزبهم، وما ينتج عن ذلك وما يترتب عليه مما يكون في مجموعه البراديغم المذكور. وأنا لست أدري ما العيب في الموضوع، وما هي الغاية من العمل الحزبي إن لم يكن هو تدبير الشأن العام، وما يلزمه ذلك وما يقتضيه من حصول على أكبر عدد من المقاعد ووضع من هو اقرب إلى تحقيق هذا الهدف سواء تعلق الأمر بالتمديد لمن سبق أن ترشح لأكثر من ولاية، أو لمن هو قادم جديد ما دام التقدير في ذلك جماعيا، يتم بعد تداول تستحضر فيه معطيات ومقاصد عدة لا ينبغي أن تختزل في نزعة الخلود وهوى الترشح غير المحدود . ولعلي أراجع الشيخ مباشرة أو من خلال مقال آخر في بعض تضمينات فرضية الباراديغم التي وردت في مقاله الأخيرة الذي ألتقي معه في نقاط عدة، أعتبر أن المدخل إلى تحقيقها ليس ما ذهب إليه شيخنا من دعوة إلى الحد الميكانيكي من إباحة تعدد الولايات وعدم تحديدها في اثنتين .. 9 وأخيرا، وكما عودنا شيخنا فقد أبى إلا أن يختم تحليله بطرفة على عادته حيث اعتبر أنه لا يعود إلى نفس الفصل إلا الراسبون. ومن جديد فإنه وعلى الرغم من جمالية الوصف وطرفته، إلا أنه لا يمكن التسليم للشيخ مطلقا في مضمون طرفته. فكثير من المهن تحتاج إلى تراكم في الخبرة، وكلما راكم فيها المهني سنين من الممارسة ازداد عطاء صاحبها جودة أو إتقانا , ففي الطب مثلا والتعليم الجامعي كلما تراكمت الخبرة ازداد العطاء ولهذا على خلاف المهن الأخرى يمدد سن التقاعد للأساتذة الجامعيين وللقضاة ولبعض الأطر الناذرة سن الإحالة على التقاعد . أقول هذا وأنا مع التجديد والتشبيب, أقول هذا وأنا أؤكد أن الأمر يتعلق بترشيح لا بترشح، أقول هذا ولا أرى غضاضة في الترشيح اللامحدود ما دام ناتجا عن عملية ديمقراطية وتداول في هيئات الاقتراح والترشيح والتزكية . أقول هذا مع تجديد كامل التقدير والاحترام للدكتور ورأيه ولمقاصده النبيلة . فإن الاختلاف في التقدير لا يقلل من التقدير ولا يفسد للود قضية. والله تعالى أعلى وأعلم.