المصطلح: مصطلح كا تارسيس يستعمل في أغلب لغات العالم بلفظه اليوناني هذا، وقد يترجم أحياناً إلى كلمات تحمل معنى التطهير والتنقية أو التنظيف ( وهي الكلمة التي وردت في ترجمة أبي بشر بن متّى لكتاب أرسطو " فن الشعر " ). عن مجلة أفق الثقافية ائتلاف القلق: مهما أنشأ سياسيونا من ائتلافات ،ومهما ريضوا عضلات سيقانهم ،وسواعدهم لخوض مباراة الكرة المستطيلة يوم25نونبر2011 ؛ ومهما مشى في الشارع ماش ليعلن أن أمر الفساد افتضح ؛وأن المفسدين ممهلون إلى حين ؛ ومهما عجم المخزن عيدانه ،وأختار منها ما لايكسر ولا يعصر ؛ومهما بدا البعض وكأنه ينادي : من دخل المسجد فهو آمن ،ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ،ومن لزم بيته فهو آمن. مهما ومهما ؛فإننا نشكل جميعا ائتلافا للقلق: الأحزاب قلقة ،لأنها أخذت من طرف الشباب ،وحتى المخزن، على حين غرة ؛ في مرحلة ارتفع فيها سقف الانتظارات الشعبية .وقلقة لأنها لم تتعود السير إلا في المسالك الممهدة من طرف الداخلية؛بحيث شق عليها أن تدبر ظروفا قاسية وصعبة ، مفتوحة على احتمالات شتى. قلقة لأن بنياتها ،وثقافتها الداخلية،قبل قوانينها ، لا تسمح لها إلا بالنسج على منوال سبق: إرضاءا ل"كتائبها" اللا متحكم فيها ؛وإلا تشظت وتفرقت في أوان شد واشتداد. حتى وهي تدري أن لوائحها – بعد استوائها- لا تستجيب ،كما يجب، لانتظارات المرحلة ،المدججة بدستور جديد ،وبشباب استفحلت فحولته ،وامتدت أعناق عنفوانه ؛لا تستطيع عنها ازورارا. جفت الأقلام ورفعت الصحف . لا نقاء لزرع خالطته" الكحيلة" أيام الحرث والبذر. إن ما نراه من ائتلافات – أحيانا غريبة جدا- لا يزيد على ائتلاف ركاب الحافلة: لا يكاد يلتئم حتى تفرقه محطة الوصول ،حيث تتناثر تذاكر لم يعد فيها نفع لأحد. اشتداد قلق المخزن: الأصل في المخزن القلق، لأنه يعتبر أن براءة الشعب- وحتى جيران الدولة- ليست هي الأصل . أكسبه هذا القلق القديم القدرة على الإبداع الدائم ؛فهو –خلافا للأحزاب- لم يركن إلى أية جهة ،يستمد منها كل عناصر السكينة والدعة ؛بل عول دائما على نفسه في إبداع شتى أساليب الاحتواء- الفاضلة والميكيافلية- لتدبير كل الظروف ؛في المنشط والمكره،كما يرد في متن البيعة. ومن هنا كثرة نعوت المخزن ،الحسنى والحبلى. لم يشتد قلق المخزن الآن؟: لأن النخب التي سادت لقرون؛معاودة إنتاج نفسها ،بحيث شكلت مخزنا آخر محيطا ،بالمخزن المركزي، ، متنمرا ومتميزا،لم يعد يتوفر لها شرط الاستمرار ؛حتى قبل الحراك العربي. ارتقت الرعية إلى مواطنين ،وارتقت المواطنة إلى توخي الإحاطة بكل معانيها . لم يكن المخزن غريبا عن هذا التحول : مؤسسا ومروضا ،مشجعا وقامعا، مستأنسا ووجلا. أي نخبة سيفرزها مجتمع ،غدا مؤطرا تأطيرا رقميا عالميا ؟ هل ستشتغل هذه النخبة بنفس الأجندة – المخزنية غالبا- التي اشتغلت بها النخب السابقة؟ هل الأحزاب الحالية ،بعضلاتها المرتخية ،وبوصلتها المعطلة،وكرهها لارتياد المجاهل والمسالك الوعرة،قادرة على إنتاج نخبة ؛بآليات ديمقراطية ،يثق فيها المجتمع الجديد ؟ ومرة أخرى لم يكن المخزن غريبا ،دائما،عن حالة الأحزاب هذه. طبعا كل هذا يقلق ؛خصوصا وأن المخزن يدرك أن كل سعي للتحكم في مواصفات النخبة، ؛مهما بلغ من الذكاء ؛ومهما تجند له حتى تلاميذ المدرسة البصرية ،الحاملون لثقافتها،ومنهجها الذي كان رابحا دوما ، لن يفلح الا في اشتعال أوار الرفض ،الوطني والعالمي؛ وصولا إلى أوضاع لا يحبها أحد لهذا الوطن. ان التحكم في الوضعية الانتخابية غدت مغامرة تنتج وضع غير متحكم فيه. القلق العشريني: سن العشرين ،باعتبارها عبورا من المراهقة الى الرجولة ،وهذا حال أغلب الفبرايريين،تتسم بقلق يمكن أن نعتبره بيولوجيا ووجوديا.هذا غير مقصودنا هنا لأن قلق حركة العشرين قلق سياسي ؛فهي ليست الفزاعة ،كما يتبادر الى الذهن ؛أو النمر الذي نط خارج الأسوار. ابتدأت حركة العشرين فبراير،وشباب العشرين- على خلفية من المفهوم الجديد للسلطة- مستجيبة لعبق الياسمين والفل ،ونشوة القات اليمني ؛كما هو حقيقة ،وكما أرادت له " أطيب المنى أو الولاعة " أن يكون. لو لم تتم هذه الاستجابة لاتهمنا شبابنا بالجبن والدونية. اتضحت الرؤية فتكشفت الحركة عن تيارات سياسية شتى؛و" دخلت الخيل الأزهر" كما قيل. سيكون على الشباب اللامنتمي، وغير المتمرس بالسياسة، أن يفاوض هذا السند الذي لم يتوقعه ،ولم يرغب فيه. وسيكون عليه أيضا إن يدير منازلاته مع مخزن لا يحب الجولان خارج قانون السير. وسيكون عليه أن يسمع صوته للعالم ؛وأن يظهر أمامه بمظهر المناضل الواعي والمسؤول. وسيكون عليه أن لا يغيب ما يقع في الشرق ،وصولا إلى الاقتتال الضاري. وسيكون عليه أن يفكر في عواقب المغامرة باستقرار البلاد ،ودرء المفسدة ،التي لم يعد أحد ينكر وجودها بين ظهرانينا ،بمفسدة أكبر. وسيكون عليه ،وهذا مهم جدا،أن يقيم الحجة على أن ما يقوم به هو البديل الأمثل ،وصولا إلى ترجمته إلى خريطة إصلاح شاملة صالحة لمناقشتها مع كل الفرقاء. كل هذا يشكل عناصر قلق كبير لحركة العشرين ؛وقد ظهر عليها أخيرا أنها بدأت تطرح الأسئلة الصعبة؛كما بدأت في نقاش بناء ،كان يجب أن يتأسس الانطلاق على نتائجه. الآن وقد انصرفت الأحزاب- كعادتها- الى التدافع الانتخابي القلق ،كما أسلفت ؛وقد يكون المخزن،القلق، انصرف الى أعواده يعجمها لمواصلة التحكم،مادامت الأحزاب لم تستشعر ضرورة التغير ؛واحتد النقاش بين العلمانيين والإسلاميين (وكلهم مسلمون،ولو في خروف العيد فقط ، أوطقوس الموت) ولم يعد أحد من فرقاء العشرين يخفي أجندته ؛خصوصا التواقون إلى نعمة اللائحة الشبابية ؛ماذا ستفعل النواة الصلبة الأولى للحركة؟ وهل بقيت هناك نواة صلبة أصلا؟ لا يتوهمن أحد أن هذا المآل مريح ؛لأن الجميع يرغب في استمرار المطالبة بإسقاط الفساد،من طرف نفس الحركة بكل توهجها ؛خصوصا ولم يحدث أن رفعت شعار التخريب والتدمير . حركة قلقة ،وقلقها مخيف ،ولا أحد يرغب في أن يوقع يوم الخامس والعشرين نونبر عقد ازدياد حركة رافضة لا تبقي ولا تذر ،فينتابنا الحنين إلى براءة شبابنا العشريني وهو ينادي فقط بمحاربة الفساد. قلق استنساخ البرلمان: بين لفظي الانتخاب والاستنساخ ما بين اليقظة والنوم من فرق . الانتخاب مفتوح على نتائج لا نضع لها مواصفات مسبقة ؛إلا ما يتعلق بالجانب القانوني والتدبيري السليم الممهد لها. الاستنساخ يتم بآلة لا تعرف إلا النسخ الحرفي المطابق للأصل؛وثمنه درهم فقط ،إن غلا. لا أحد يرغب في تكرار برلمان لا يغيب عنه سوى من حضر في سجل الوفيات. برلمان حتى وجوهه الجديدة وراءها وجوه الوالد والعم والخال ووجوه أصدقائهم. كل المؤشرات تدل على أننا نتجه صوب أقرب كشك ،للبرلمان، لنستنسخ التجارب السابقة. تبدو الأحزاب ،كما تفرقت وكما ائتلفت،غير مقدرة لمستجدات المرحلة ؛بما فيها اشتداد قلق المخزن ،الذي كانت دائما تركن إليه سالمة غانمة. لعل مشاهد حركة العشرين ،التي تبدو مكررة لنفسها ،من أحد إلى أحد؛ و تكفل المخزن بأن تبقى في حدود ما هي عليه، جعل الأحزاب تطمئن إلى الحالة ،وتركن إلى الدعة والسكينة ؛ولم لا الإعراض كلية عن الروح التي بثها خطاب التاسع من مارس ،الذي بدا شابا وسط شباب متحرك. دواعي الكاتارسيس: ترددت بين ألفاظ ،من مثل الإصلاح ،التقويم،النزاهة،المواطنة،المنافسة الشريفة؛فبدا لي أنها كلها مطلوبة في هذه المرحلة ؛لكن كثرة توظيفها- بدون جدية غالبا- في قاموسنا السياسي الانتخابي جعلها من قبيل المشتركات اللفظية ،التي تدل على المعنى وضده ؛كما يقرر الأصوليون. فحينما تستمع الى زعيم حزب وهو يتحدث عن النزاهة،مثلا، فاعلم أنه يفعل فقط لأن "الكاميرا شاعلة" ؛أما حينما يختلي بصفوته فيصرف اللفظ إلى مدلوله النقيض. الكاتارسيس ،بمدلوله الأرسطي العلاجي ،مصطلح يناسب وضعنا الحزبي الحرج . نحن جميعا في مقابلة للكرة المستطيلة ،وكل العالم حولنا يتفرج ؛ويتوقع النتيجة ؛فهل سنشكل فعلا الاستثناء؟ كيف نحدث الرجة ،على مختلف المستويات، لنتطهر ونتخلص من كل أمراضنا السياسية؟ ليس لدينا ممثلون وجمهور يتفرج ؛كلنا جمهور وكلنا ممثلون. لا أدعي القدرة على وضع خارطة طريق استشفائية ؛فأنا دون ذلك ،لكنني مقتنع بخارطة القلق التي رسمتها ؛ومن كان منكم بلا قلق فليرجمني. رأس القائمة في الوصفة تأجيل الانتخابات التشريعية الى حين توفر جميع شروطها الحقيقية وليست الوهمية. ليست الترسانة القانونية ،ونفس الفرقاء السياسيين هم الذين يبثون في الجاهزية ؛بل المناخ السياسي العام ،الوطني ،وحتى العربي. هذه رجة أولى ،حتى لا أقول صفعة، أتمنى أن يرج بها صاحب الجلالة الجسم السياسي القديم. إن مشروعه الإصلاحي ،كما استوى في الدستور ،المفتوح على كل التعديلات – عدا الثوابت- أكبر من أن تعبر عنه تدافعات أبانت الى حد الساعة على غبائها السياسي. لا عيب ،ولا تنكر لجدولة بث فيها، ما دامت الغاية نبيلة. أنا على يقين ،وقد واكبت العملية الدستورية ،كتابة وممارسة، أن ما يحدث الآن ليس من خطاب التاسع من مارس في شيء.ولا حتى من أي خطاب ملكي محمدي سابق. في عالم الطب تعيد الرجة ،أحيانا،تلاحق النبض الى القلب الهامد ؛ويقرر ارسطو أن الانفعال يحرر ويطهر من المشاعر الضارة. لم تظهر الأحزاب ما يدل على أن مشاعرها تغيرت ،إزاء منخر طيها ،وإزاء بعضها البعض ،وإزاء المواطنين ؛ولم يخدم هذا غير ائتلاف القلق. ما هي فيه من تدافع اليوم يصلح ليركب لكل البرلمانات السابقة ؛ولا نلاحظ فرقا؛في حين أن خطاب التاسع من مارس أقوى منها جميعا بشهادات وطنية ودولية. لم المضي هكذا إلى موعد حاسم تجهض الأحزاب ، من الآن ، فرحتنا به؟ الارتدادات الحزبية للرجة: ستتم المباركة لأن المخزن ،في عرف الأحزاب،على حق دائما ؛ولأنه ،فعلا، الماسك بكل الخيوط ؛الناظر إلى السفح من عل. وسنستمع الى زعماء يباركون الحكمة الملكية في التريث. سيكون هناك متسع لتنتفض القواعد الحزبية على قممها ،مغيرة النهج ،إن لم تغير القيادة؛وستزري بكل اللوائح المعدة في الصالونات بعيدا عن المرابد الشعبية في المدن والبوادي. ستكون الرجة صنوا لخطاب التاسع من مارس؛لها ما بعدها في صفوف شباب يزداد نفورا من الغد الانتخابي ،كلما اقترب. سنتطهر جميعا من أحقادنا وتخوفنا من بعضنا البعض؛ولن تعدم وسيلة – في وجود شرفاء مخلصين- لفتح قنوات الحوار مع الجميع . لعل الاتفاق على متوسط سياسي،على غرار المتوسط الحسابي ،هو الشفاء ذاته. هاقد فازت النهضة في تونس فهل غرقت في البحر المتوسط؛وإذا فازت اللائكية غدا فهل ستتشظى الخريطة. الدين لله ،السياسة للجميع ،ولا استيراد هجين لنقاش توفرت شروط ولادته في بيئات وثقافات أخرى. لن تتبدل ألوان العلم إذا فاز الإسلاميون في الانتخابات ؛ولعلهم اليوم أكثر تأهلا لمحاورة الغرب من غيرهم لأن الغرب الذي أوهم اللائكيين بالمناصرة غير المشروطة انقلب على عقبيه وغير قناعاته.انه يعرف من يتحكم في اللعبة ،في نهاية المطاف. لن يحل الإسلاميون مشاكل التنمية بالدعاء؛ولن يخلدوا حيث هم ؛ولو كان هذا هكذا لما انهارت الدولة الإسلامية. لن يبدل العلمانيون دين الدولة، والواحد منهم يذكر الله في سره وعلانيته ؛ولو محتارا فقط. وختاما لم يتم التنصيص على إمارة المؤمنين في الدستور ،لتجفف منابعها وتصبح غير ذات موضوع. حينما نصل إلى هذه القناعات يبدأ العلاج والشفاء؛ونتقدم فعلا إلى انتخابات غير مفتوحة على المجهول. [email protected]