يندرُ أن يتم تداول اسم رجل تربية وتعليم بالشكل الذي حصل مع الراحل أحمد بوكماخ مؤخرا في المغرب، حيث امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بصخبٍ صامت، يرفع من شأن ما خلّفه الرجل من إرث تعليمي، وبأمانٍ متطابقة في أن تعود سلسلته "اقرأ" حيّة تُرزق من جديد في المنظومة التعليمية. وهناك، في مركز أحمد بوكماخ الثقافي بمنطقة "كاسطيا" في طنجة، ينتبذُ "متحف بوكماخ" مكاناً شرقيّاً. وتنتابك وأنت تدخل الغرفة/ المتحف شعورٌ بالهيْبة الممتزجة بالتقدير، تجعلك فعلا تفكّر في نزع حذائك قبل أن تطأ حرمَ بوكماخ. تقول الشاعرة وداد بنموسى، التي تتولى إدارة المركز: "جاءت فكرة هذا المتحف خلال افتتاح هذا المركز قبل سنتين من الآن، حين قررت ابنته نازك أن تعلن تبرّع أبنائه بمقتنياته وبعض متعلقاته الشخصية". ولعل أهم ما يحويه المتحف هو المكتبة التي تركها الراحل، بكل ما تحويه من كتب ومجلات ووثائق، تعتبر كنزا حقيقيا لكل مهتمّ وباحث، ولكل من تتلمذَ على سلسلة "اقرأ"، وما أكثرهم. السمة الغالبة على المكتبة هي التنوع الشديد، مع ميلٍ يسير نحو كتب التربية والتعليم، والتي توضح أن الراحل كان مهموما حقّا بهذا المجال، وكان يأخذ من لحظات حياته كلّ مأخذ. أغلبُ كتب المكتبة مُسفّرة بعناية شديدة، وهي تتنوع بين العلمي والأدبي والتاريخي والاجتماعي، بما في ذلك كتبٌ تناولت سيرة كوكب الشرق أم كلثوم، التي كان الراحل معجبا بها أيما إعجاب. اهتمام بوكماخ الفني بكوكب الشرق لا يبدو أنه أثناه عن الاهتمام بكواكب الفضاء والشمس والقمر، حيث تتفرق هنا وهناك كتبٌ علمية تتناول جديد علوم الفضاء في تلك الفترة. وعن تفاصيل نقل غرفة بوكماخ، تضيف وداد: "عملية النقل تمت بشكل "رسمي"، عن طريق موثّق قام بتسجيل كل ما تم نقله قطعة قطعة، بما في ذلك مكتب الراحل والكنبة التي كان يجلس عليها ليستريح وأشياء أخرى، حيث تم تصميم المتحف بنفس الشكل الذي ترك عليه غرفته قبل مماته". كما يضم المتحف أسراراً خلفها وراءه بوكماخ عبارة عن أعمال ومشاريع غير منتهية، على رأسها مخطوط بخطّ يده، عبارة عن معجم عربي-عربي، يبدو أن الراحل كان يخطط كي يخرجه إلى الوجود تحت اسم "معجم بوكماخ". وإن كان الراحل اشتهر كثير بسلسلة "اقرأ"، فإن المتحف يضم كتبا أخرى لم يسمع عنها كثيرون؛ من بينها "طريقة تعليم الرياضيات الحديثة"، دروس الملاحظة، الفصحى (5 أجزاء). من بين ما تضمه مكتبة بوكماخ أيضا، مقالات كتبها الرجل في مجموعة من المنابر الإعلامية، تبدو مُشبعة في أغلبها بروح الوطنية الصادقة حقّا. من نوادر المتحف، أيضا، صورة توثّق لإلقاء الراحل كلمةً في ذكرى الجامعة العربية بحضور ممثلها آنذاك صالح أبو رقيق، إضافة إلى أول موافقة رسمية تلقاها مما كان يعرف بوزارة المعارف العمومية آنذاك، بعد اقتراحه سلسلة "اقرأ" سنة 1955. ينضاف إلى ما ذكر، صورة للمعلّم بوكماخ أثناء زيارة وزير التربية والتعليم لفصله الدراسي سنة 1962، وأخرى له أثناء افتتاح مكتبة عبد الله كنون الشهيرة بطنجة. توضح وداد بنموسى أن إرث بوكماخ مفتوح في وجه العموم، بما في ذلك مكتبته، موردة في هذا الصدد: "يأتي فعلا إلى هنا الكثير من الطلبة والباحثين، يتزودون من الكتب والمجلات والأرشيف، كل حسب حاجته". وتضيف المتحدثة: "زار هذا المتحف العديد من الشخصيات المغربية، بمختلف مشاربها، وتشعر بأن معظمهم يحبسون أنفاسهم بمجرد ولوج المكان، فأغلبهم من تتلمذ على يديه، أو على كتبه". غادرنا متحف بوكماخ نحن أيضا ونحن نحبس أنفاسنا، تاركين روحهُ ترفرف في المكان داعيةً جيل اليوم إلى الاستزادة من علمٍ إن اتّبعه هداهُ صراطا سويّاً.