الأحزاب السياسية هي مؤسسات وتنظيمات تأسيسها بهدف الاضطلاع بمهمة أساسية كنهها تأطير المواطن ، وبالتالي تكوين كفاءات ونخب قادرة على اقتحام المشهد السياسي ومن ثمة المساهمة المباشرة في استكمال ورش البناء الديمقراطي ومن خلاله المؤسساتي. إن مهمة التنخيب لتعد من بين الأولويات التي دفعت معظم الديمقراطيات العالمية لبناء صرح مؤسساتي عنوانه الأحزاب السياسية ، ذلك أن تأهيل الرأسمال البشري ليعد من بين المقومات الحقيقية لمسألة التنمية المستدامة والممكنة، ومن هذا المنطلق، نجد بأن مجموعة من التجارب الحزبية الدولية قد نجحت في امتحان تكوين موارد بشرية ، ثم تكوينها تكوينا يتلاءم مع ميولاتها وقدراتها الفكرية والمعرفية ، وذلك في المجالات التي تؤثر في صناعة الخريطة التنموية : أولا : في المجال الإجتماعي: تأخذ هذه التنظيمات الحزبية وهي بصدد إعداد وتكوين النشء، بعين الاعتبار البيئة التي تربى فيها كل إطار وذلك من أجل التمكن من الفهم الدقيق لتصوراته وميولاته ، وبالتالي محاولة تلقينه شيئا فشيئا لأبجديات الإطار البيئي العام ، كل ذلك بهدف ضمان عدم الاصطدام بين واقعه المتصور والواقع الحقيقي، ومن ثمة بناء شخصية سياسية سليمة ومتزنة بإمكانها الانخراط بسلاسة في الإعداد المشترك لبرامج التكوين التي يتم تلقينها داخل هذه التنظيمات ما سيمكن لا محالة من ضمان مشاركتهم الفعالة في بناء برامج حزبية تزاوج في طياتها بين تكوينهم البيئي والعام من جهة ومن انخراطهم في بناء سياسات عمومية مجالية عمومية تستجيب لمبدأ الانسجام بين مبادئها ومتطلبات التنمية الاجتماعية من جهة أخرى ثانيا: في الباب الاقتصادي، فكما لا يخفى على أحد منا ، على أن الاقتصاد هو النواة الصلبة التي تنصهر حولها مختلف المجالات المرتبطة بالمعيش اليومي لرعايا الدول، وعلى هذا الأساس تقوم سلة من الأحزاب السياسية وخاصة بالدول الغربية كأمريكا وألمانيا على وجه الخصوص، بتلقين مختلف كوادرها للمبادئ الأساسية للاقتصادن وذلك بدافع أن التخصص في ميدان اجتماعي أو ثقافي لايعني عدم الإلمام بماهو اقتصادي صرف، ما يجد تفسيرا له ، في أن الاقتصاد يقوم على مجموعة من المبادئ الأساسية ، والتي تتمثل في كل من: - التشخيص؛ - التوقع؛ - التخطيط؛ - التقييم؛ - إعادة البناء. آليات تعتمد على الحساب الكفيل بتتبع ، تقييم ومن ثمة إصلاح الأعطاب في وقتها ، ما سيمكن من ربح الوقت المقترن بعقلنة المصاريف العمومية من جهة ومن تجويد الخدمات وضمان الانخراط اللامشروط والمستمر للمواطنات والمواطنين في السهر على تتبع تلك السياسات الكفيلة بالاستجابة السريعة لتطلعاتهم، أضف إلى ذلك بأن التكوين الاقتصادي سيمكن من ضمان فهم النخب السياسية للواقع الاقتصادي فهما دقيقا سيسهم ومن دوم شك في بناء برامج انتخابية قابلة للتنفيذ . ثالثا: من الناحية الثقافية: تعتبر العادات والتقاليد المبنية على الموروث الثقافي بمثابة رافعة حقيقية ، بناء نخب وطنية مائة بالمائة ، نخب قادرة على تحمل المسؤولية انطلاقا من الشعور بالانتماء الوطني، آلية مكنت تنظيمات حزبية من ربح رهان معركة العولمة ، وذلك بمحافظتها على إلزامية التكوين الثقافي لأطرها ، ما مكنها من التوفر على كفاءات تلزم أوطانها ، وتتعايش مع واقعها ، وتبتكر من أجل الدفع قدما بالمسارين الاقتصادي والاجتماعي دون الانسلاخ عن ما هو ثقافي، ذلك أن الهوية الوطنية لتعتبر دافعا حقيقيا للبناء المتزن ، الكفيل باحترام خصوصيات كل المناطق المكونة لخريطة كل دولة على حدة وبالتالي فتح النقاش الدءوب بين مختلف أطيافها الثقافية وذلك من خلال النخب والكفاءات الحزبية المتشبعة بهذه الخصوصيات، ما سيمكن من إعطاء قيمة مضافة لمسالة التنمية بمختلف تجلياتها وسيسهم في ضمان انخراط الجميع في مسلسل الإصلاح الذي تعبر عنه الأحزاب السياسية من خلال برامجها الانتخابية لا لشيء إلا لأنه يعبر عن هويتها وخصوصيتها المحلية والجهوية. وفي نفس السياق ، تعتبر التجربة الحزبية المغربية من بين النماذج التي استطاعت شيئا ما الاضطلاع بمسألة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك منذ بزوغ فجر الاستقلال، غير أن واقع الحال وبالموازاة مع المتغيرات الدولية المقترنة بظاهرة العولمة وتداعياتها على المجالات السابق ذكرها ، يمكننا أن نخرج بمجموعة من الملاحظات التي لازالت تؤثر سلبا على جودة تأثير الأحزاب السياسية المغربية في استكمال الصرح الديمقراطي من خلال البناء المؤسساتي ، وتتمثل بالأساس في: أولا: غياب مدارس للتكوين الحزبي: غالبا ما يتساءل الكل عن مردودية الأحزاب السياسية وعن جدوى برامجها السياسية ، ذلك أن معظم المتدخلين في تفسير ثنايا التدبير الحزبي والسياسي المغربي ليجمعون على وجود حلقة ضعف لازالت تؤثر سلبا على مردودية وعطاء تنظيماتنا الحزبية، وبالتالي فإن الأمر يتعلق وبكل بساطة بغياب وحدات قارة للتكوين داخل هذه المؤسسات، ذلك أنه من غير المعقول أن ننتظر مرحلة الذروة الانتخابية لكي نبحث عمن سيترشح باسم لون من الألوان السياسية ، وعمن سيعد لنا برامج انتخابية تخضع لمعطى – الكوكوط مينيت- ، ما لازال يسفر ومع الأسف عن استمرار ظاهرة العزوف السياسي وخاصة في صفوف الشباب ، هذا الأخير، الذي يحتاج إلى تأطير وتوجيه مسبقين كفيلين باحترام اختياراته وميولاته وبالتالي تكوينه من خلال مؤسسات قادرة على إنتاج نخب بإمكانها المساهمة في الدفع قدما بعجلة التنمية المغربية . ثانيا: ضعف الفهم الحقيقي للجهوية المتقدمة: كثيرا ما نشاهد بعض الساسة ممن يختلط عليه الأمر بين جهوية متقدمة وجهوية موسعة ، ما مرجعه إلى ضعف التكوين القبلي لسفراء أحزابنا السياسية على مستوى الجهات، ذلك أن التنمية الترابية لتعد المفتاح الحقيقي لتطور الأمم والشعوب، غير أنه وبالرجوع إلى معظم البرامج الحزبية نجد بأنها لم ترق بعد لطموحات جهاتنا ، وخاصة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية ، ذلك أن محتواها لازال يعبر عن متمنيات فضفاضة لا يمكننا من خلالها الوصول إلى تحقيق أهداف الجهوية المتقدمة المتضمنة في مجموعة من الخطب الملكية السامية وحتى في الوثيقة الدستورية لسنة 2011 والتي يجمع الكل على كونها نواة حقيقية لتحقيق الإقلاع الديقراطي والمؤسساتي الجهوي. إن بناء المسار الديمقراطي المؤسساتي المتزن لا يمكن أن يتم في معزل عن الأحزاب السياسية ، وبالتالي فإن على هذه الأخيرة إعادة الاعتبار للرأسمال البشري وذلك من خلال إعطاء أولوية قصوى لتكوين النخب والكفاءات وخاصة الشباب ، والعمل على إيجاد نقطة الالتقاء بين ماهو اقتصادي، اجتماعي وثقافي.