يقول مارتن لوثر كينغ إن أسوأ مكان في الجحيم محجوز لأولئك الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة. في الحقيقة، أحاول، طيلة الأيام السابقة، ضبط نفسي والسيطرة على انفعالاتي ومراجعة ما جاء به نور الدين عيوش لعل "الرجل" يكون على حق، أو بكلامه منطق يستحق التفكير والمناقشة؛ لكن المعني بالأمر وبغض النظر عن رفضنا المطلق لدعوته تدريس الدارجة مكان العربية، لأن الأمر حسب وجهة نظري من باب أكل الخبز بالخبز، إذ كيف تعلم الأطفال الدارجة وهم يتقنوها بالغ الإتقان، والتعليم يكون لما نجهله. المهم الرجل لم يناقش أفكار منتقديه؛ بل وصفهم رأسا بالكلاب تارة، وبالحمير تارة. وهذا أمر موثق بالصوت والصورة في الأنترنيت. ويقال إن العقول الفارغة هي التي تهاجم الأشخاص وتترك الأفكار. لذلك، لن نحذو حذو عيوش، وسنحاول مناقشة أفكاره دون التعرض لشخصه. كلام مرسل بدون سند ولا دليل ولا حجة اضطررت، قبل كتابة هذا المقال، إلى مراجعة مناظرة عيوش الشهيرة مع الفيلسوف والمفكر عبد الله العروي؛ فكانت أول ملاحظة هي أن النزال لم يكن متكافئا بين طرح رصين قائم على منطق الحجج وبين تهريج قائم على منطق تمييع النقاش، وعدم احترام عقول المشاهدين. إذاً، كانت تلك المناظرة كافية لأخذ فكرة عن الشخص هذا، ثم حاولت بعد ذلك قراءة خطابه، وحقيقة لم أتمكن من ذلك، لكون المنطق غائب، ولكون العبث هو السائد في خطابه.. فما هي، مثلا، المستندات والدراسات التي بنى عليها أن القرآن لم ينزل باللغة العربية الفصحى؟ وما دليله على أن الدارجة أسبق من العربية في المغرب. وهذا مستحيل عقلا، فلو قال الأمازيغية لكان الأمر كذلك؛ لكن كيف للدارجة وهي مزيج من العربية والأمازيغية والأوروبية أن تكون أسبق من العربية؟ إن عيوش، الذي لبس سلهام أو جلباب الأكاديمي المتمكن من موضوع اللغة العربية والدارجة، لم يتوفق حتى في ليّ عنق الحقيقة، ولم يستطع الجواب عن الوابل من التساؤلات التي طرحها الأكاديميون المتخصصون والبيداغوجيون وحتى العموم. فما كان رد فعله؟ خرجات إعلامية "ساخنة" إن حيلة من كان منطقه ضعيفا وفكره ضحلا دائما هو اللجوء إلى استراتيجية شتم الخصوم و"شخصنة" الموضوع المتناقش حوله؛ فعوض دحض الفكرة بالفكرة ومقارعة الحجة بالحجة، يلجأ الضعيف ذو العقل الصغير، الذي ينهزم أمام الرصانة التي يبديها خصمه في النقاش، إلى هذا الأسلوب المبتذل. وقد زادت، في الآونة الأخيرة، وتيرة الخرجات الإعلامية الساخنة لعيوش الأب سخونة تذكرنا بسخونة الفيلم البورنوغرافي سيء الذكر لابنه نبيل، حيث نعت ووصف من ينتقدوه أو المختلفين مع طرحه بأنهم "كلاب" و"حمير"، ناسيا أو متناسيا أن منتقديه مغاربة لهم حقوق المواطنة ويتمتعون حسب الدستور بحرية الرأي والتعبير والنقد. فهل نسي عيوش وأمثاله أو تناسوا أن جلالة الملك يصف عموم المغاربة بشعبه العزيز؛ غير أن الحاصل هو أن المغاربة كشعب يفاجَؤون ببعض الإمعات والرويبضة الذين تارة يصفون أبناء جلدتهم بالخونة، وتارة بالقطيع وتارة بالمداويخ ثم انتهاء بالكلاب والحمير، علما أن من اختلفوا مع عيوش لم يقولوا سوى بهزالة المقررات المدرسية التي تم تسريب بعض صفحاتها في الفايسبوك، والتي إن صحت مضامين بعضها، فنحن وجها لوجه أمام الهراء بعينه. إن الصراحة تقتضي منا كمواطنين وكباحثين رفض هذه المهزلة التعليمية، فماذا سيستفيد أبناء الشعب من تدريس أبنائهم للبغرير والبطبوط والحرشة؟ وما الفائدة المرجوة من تدريس الأطفال أن تسخن نمولة عظيماتها في الحمام؟ أختم هذا المقال بالتساؤل عمّا يريده بالضبط عيوش من المغاربة؟ إذا كان التعليم جيلا بعد آخر يزداد غرقا في الوحل، فهل يريد أن يصبح التجهيل والتكليخ هو سلاحنا لمقاومة إشكالية التعليم عوض الرقي به؟ إذا كان يطمح إلى أن نصبح مثل أوروبا، كما قال في أحد حواراته، فعليه الانخراط في عمل ميداني لاقتراح حلول وإيجاد سبل لمعضلة تشغيل الشباب مثلا وهو رجل أعمال وصاحب شركة إشهار، عوض حصر معركته فقط ضد اللغة العربية (لغة القرآن الكريم)، والتسويق لحريات فردية مشبوهة وشاذة... أوروبا ليست فقط الشذوذ والانحراف، أوروبا تنمية، تشغيل، صحة، تعليم، حقوق، كرامة. *باحث في الإعلام والقانون