حاول ثلة من الباحثين بعدد من بلدان أمريكا اللاتينية، في دراسة حديثة جرى تقديمها هذا الأسبوع بمكسيكو، البحث في حضور المسلمين في هذه القارة، من وجهة نظر تاريخية وأنتربولوجية. وشكلت خلاصات المؤرخين والأنتربولوجيين الموضوع الرئيسي للمجلة التاريخية "إستور" في عددها الأخير، والتي يشرف على نشرها مركز الدراسات الاقتصادية (سي إي دي أو) بمكسيكو. ويعود الحضور الوازن للمسلمين بالبرازيل إلى القرن الثامن عشر، حين تم استقدام أفارقة مسلمين كعبيد للعمل في حقول قصب السكر. وأوضح غابرييل هيلو، الذي ركز نصه على المظاهر الأنتربولوجية والتاريخية لحضور المسلمين في البرازيل، أن هذه الدفعة الأولى من المسلمين الأفارقة، التي سميت آنذاك ب` "الماليين"، تلتها خلال القرن التاسع عشر دفعات جديدة من المسلمين الناطقين باللغة العربية الوافدين من الشرق الأوسط. وذكر هيلو أنه ومنذ هذه الحقبة، نجح المسلمون في الانصهار ضمن البانوراما الاجتماعية البرازيلية، مع الحفاظ على الصلات التي تربطهم بالشرق الأوسط إلى جانب التركيز على "الطابع الكوني للديانة الإسلامية". وتم تشييد أول مسجد برازيلي ابتداء من سنة 1942 بساو باولو، ومنذ ذلك الحين رأت أماكن عبادة أخرى ذات مرجعيات عدة منها السنية والشيعية والدرزية ،النور في مدن من قبيل ريو ديجانيرو وبارانا، وذلك على أساس المجتمعات المذهبية التي تستقر بها. وأشار الكاتب إلى معطى طريف منح "ظهورا أكبر" للمسلمين البرازيليين منذ سنة 2001، "ليس هو اعتداءات الحادي عشر من شتنبر". وأشار غابرييل هيلو، من جهة أخرى، إلى "ظاهرة أضحت جلية"، هي اعتناق الإسلام، وذلك بفضل "قنوات الحوار التي تم مدها مع البرازيليين غير المسلمين إلى جانب قنوات إدماج المسلمين الجدد"، الذين أضحوا يتوفرون على مسجدهم الخاص بساو باولو. من جانبها، كتبت كاميلا باستور، أستاذة العلوم الاجتماعية بجامعة كاليفورنيا (الولاياتالمتحدة)، في مساهمتها حول الإسلام بالمكسيك، أن المسلمين الأوائل وصلوا إلى هذا البلد مع "الغزاة" الإسبان خلال القرن ال` 16، وكذا خلال التدخل الفرنسي في القرن ال` 19 (4300 سوداني و500 جزائري، بقي بعضهم في هذا البلد بعد نهاية الحرب). وبعد بضعة عقود - تضيف السيدة باستور - بدأ يتوافد على الأمريكيتين "مئات الآلاف من الأشخاص المنحدرين من منطقة الحوض المتوسطي المشرقي"، والذين كان جزء منهم مسلمين. واكتسبت الجالية المسلمة في المكسيك "بروزا غير مسبوق سنة 1995 بعد ظهور جالية صوفية ضمن الساكنة الأصلية" بأقصى جنوبالمكسيك، مدفوعة من طرف مجموعة صغيرة من المسلمين الإسبان. وأضافت السيدة باستور، أن عدد المسلمين المعتنقين للإسلام ارتفع بكيفية مضطردة خلال السنوات العشر الأخيرة، لدرجة أنهم يشكلون الأغلبية (نحو 80 بالمائة، حسب بعض المصادر) من الجالية المسلمة التي ترتاد فضاءات الصلاة بالبلاد. وأشارت الجامعية المكسيكية إلى مجموعتين من المسلمين بالمكسيك، هما الشيعة من جهة، الذين استقروا في شمال البلاد منذ بداية القرن الماضي، والسنة والدروز الذين استقروا في مدينة مكسيكو، والذين لحق بهم بعد ذلك جزء كبير من المهاجرين المسلمين الجدد الوافدين من الدول الإسلامية. وحسب كتابات العديد من المكسيكيين المعتنقين للإسلام - تكتب باستور - "يبرز اهتمام خاص برسالة المساواة التي يحملها الإسلام حتى أن البعض يرى فيه فرصة لبناء أمة لاتينية أمريكية تماثل أمة الإسلام التي ظهرت مع الحركة الأفرو- أمريكية خلال سبعينيات القرن الماضي". وبالنسبة للحالة الكوبية - يسجل لويس ميسا ديلمونتي - وصل المسلمون الأوائل إلى هذه الجزيرة مع كريستوف كولومب نفسه، وبعد ذلك خلال قرون من الاستعمار الإسباني، كان هناك عدد من العبيد ذوي أصول مورسيكية وأمازيغية وإفريقية يعتنقون الديانة الإسلامية. وبعد فترة طويلة من الصمت المطبق الذي فرضته طبيعة النظام الكوبي، بدأت جالية مسلمة صغيرة ترى النور ابتداء من سنوات التسعينيات في الجزيرة. حيث تقدر بعض المصادر عدد أفرادها ب` 5000، في حين تعتبر الكاتبة أن هذا التقدير "مبالغ فيه" بعض الشيء. وذكرت ديلمونتي أن "حضور جالية مسلمة صغيرة بكوبا، ينبع أساسا من سلسلة من حالات اعتناق الديانة الإسلامية التي أفرزتها الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظرف خاص من تاريخ كوبا. ويتعلق الأمر بظاهرة ليس لها أي علاقة مع الحضور القديم للمسلمين في الجزيرة". وفي جزر كاريبية أخرى - تضيف الكاتبة - شجع إلغاء العبودية في القرن ال` 19 تدفقا هاما نحو هذه الجزر للجالية المسلمة القادمة من الهند وجافا. والذين استقروا على الخصوص، في سورينام وغويانا وترينداد وتوباغو، حيث احتفظوا ب` "هوية جماعية" وحافظوا على استدامة الشعائر الإسلامية الممارسة من طرف الأجداد. لكن، وفي جزر أخرى من الكراييب، خضع المسلمون الأوائل لمسلسل من الاستيعاب والاستقطاب الديني، إلى درجة اعتبار الإسلام "ديانة للمسنين". من جانبه، حاول جون توفيق كرم، من خلال مساهمته، تجميع "500 سنة من حضور المسلمين في أمريكا اللاتينية والكراييب"، مؤكدا بالخصوص على الأصول المختلفة للجاليات المسلمة التي استقرت في العالم الجديد (شبه الجزيرة الإيبيرية وغرب إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا). كما وضع الكاتب خريطة جغرافية من أجل تحديد الساكنة المسلمة تبعا ل` "منهجيات تاريخية وتجارب محورية في تاريخ أمريكا اللاتينية والكراييب، لاسيما تلك المرتبطة مع الاستعمار والعبودية وظاهرة الكريول والمجتمع المدني ومكافحة الإرهاب". وذكر توفيق كرم في هذا السياق بالحلقة الشهيرة لثورة العبيد الأفارقة المسلمين، سنة 1835 ضد العسكريين البرتغاليين المستقرين في البرازيل. ومن ثم، قال إن الساكنة المسلمة بأمريكا اللاتينة والكراييب تضم حاليا، نحو مليون و486 ألف فرد.