تشهد أسواق الخضار والفواكه في الجزائر كسادًا غير مسبوق؛ جراء ظهور وباء "الكوليرا" شمالي البلاد، وسط اتهامات للفلاحين بري المحاصيل بمياه الصرف الصحي، في وقت انتعشت فيه تجارة المياه المعدنية (المعبأة) لمخاوف من مياه السدود. وفي 23 غشت الماضي، أعلنت الجزائر رسميًا اكتشاف بؤر لوباء "الكوليرا" في ولايات (محافظات) العاصمة، و5 أخرى محيطة بها، وهي: "البليدة"، و"تيبازة"، و"البويرة"، و"المدية"، و"عين الدفلى". وحسب آخر حصيلة نشرتها وزارة الصحة في 29 غشت، تسبب الوباء في تسجيل 62 حالة مؤكدة منها وفاتان، من بين 173 حالة استقبلتها المستشفيات منذ ظهور الوباء قبل أيام. والخميس 30 غشت، أعلنت الوزارة انحسار المرض في ولاية البليدة، جنوب العاصمة، وتراجع نسبة الأشخاص المشتبه في إصابتهم بأكثر من النصف. ومنذ ظهور الوباء، تضاربت الأنباء حول مصدره الحقيقي، ففي الوقت الذي أعلنت وزارة الصحة، أن السبب هو تلوث أحد منابع المياه بولاية تيبازة (غرب العاصمة)، نفت سلطات وسكان المنطقة ذلك. وفي خضم التضارب، وجهت اتهامات لشركة "الجزائرية للمياه" الحكومية المسؤولة عن توزيع الماء الصالح للشرب في البلاد، بكون ماء الحنفيات (الصنابير) هو السبب. ولكن الشركة نفت مباشرة عبر بيان، وجود أي عدوى في المياه الموزعة عبر شبكاتها، وأكدت أنها صحية ومراقبة بشكل يومي في كل ولايات الجمهورية. ودعت الشركة بالمقابل إلى إجراء رقابة، وعمليات تحليل لآبار ومنابع الأفراد المنتشرة وغير المراقبة في الغالب. كما نال الفلاحون من منتجي الخضار والفواكه نصيبهم من الاتهامات، بعد أن راجت أنباء عن أن مصدر الإصابات سببه استهلاك فواكه مروية بمياه صرف صحي في سهل "المتيجة" الزراعي الفاصل بين محافظاتالجزائر العاصمة، والبليدة، وتيبازة التي سجلت بها معظم الحالات. وفي خضم هذه الأحداث، انتعشت تجارة مياه القارورات المعدنية، وارتفع الطلب عليها بشكل لم يسبق له مثيل، وفق ما رصده مراسل الأناضول، لتجنب استهلاك مياه الحنفيات. ونفدت المياه المعدنية المعبأة في القارورات البلاستيكية من المصانع في العديد من المتاجر بمنطقة الدارالبيضاء، وباب الزوار شرقي العاصمة الجزائر، في الأيام التي أعقبت الإعلان عن الوباء، حسب مراسل الأناضول. وقدرت جمعية التجار والحرفيين الجزائريين (مستقلة)، ارتفاع الطلب على المياه المعدنية بعد الإعلان عن وباء "الكوليرا" بنحو 20 إلى 25 بالمائة. وبهذا الخصوص، يوضح رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين، الطاهر بولنوار، أن الشائعات التي رافقت الإعلان عن وباء "الكوليرا"، وبكون مياه الحنفيات هي السبب، رفعت الطلب على المياه المعدنية كثيرًا. ويقول، في حديث للأناضول، إن "الطلب ارتفع بنحو 20 إلى 25 بالمائة في هذه الفترة"، لافتًا إلى أن بعض التجار حاولوا استغلال الطلب الكبير لرفع أسعار المياه المعدنية. وبشأن كساد تجارة الخضار والفواكه؛ لا سيما البطيخ الأصفر والدلاع (البطيخ الأخضر)، بالمحافظات التي ظهر فيها داء "الكوليرا"، ذكر بولنوار أن الطلب على هذه المحاصيل تراجع بنسبة 30 بالمائة على الأقل. ويضيف: "الشائعات ساهمت في تراجع الطلب على منتجات زراعية؛ خصوصًا بعد ترويج أنها مسقية بمياه ملوثة وفيها وباء الكوليرا". ويتابع: "ننفي وجود إي إصابة في المنتجات الزراعية (خضار وفواكه)، ولحد الآن لا يوجد أي مؤشر على إصابتها". ويعبر "بولنوار" عن خشيته من أن تتحول الإشاعات بشأن إصابة المنتجات الزراعية إلى مبررات للمستوردين للضغط على السلطات والعودة إلى استيراد منتجات زراعية من دول الجوار أو من جنوب أوروبا أوإضعاف الإنتاج الجزائري. ولدى سؤاله حول التقديرات المحتملة لخسائر الفلاحين والتجار جراء هذا الكساد، يلفت إلى أن جمعيته بصدد جمع المعطيات، وإجراء عملية تقييم للخسائر. ويشير إلى أن العديد من التجار الموزعين للخضار والفواكه والفلاحين، اضطروا إلى بيع محاصيلهم بسعر أقل من التكلفة (بخسارة). وانتشرت فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي، تُظهر تجارًا يشتكون من كساد سلعهم بمنطقة سهل "متيجة" الزراعي الفاصل بين محافظات العاصمة والبليدة وتيبازة. وأظهر فيديو اطلعت عليه الأناضول، شكوى أحد تجار سوق الجملة للخضر والفواكه بمنطقة "بوقرة" بمحافظة البليدة، وهو يؤكد أنه لم يأتِ أحد لشراء البطيخ الأحمر (الدلاع)، لديه منذ نحو أسبوع. كما أكد تاجر آخر، أن خسائر كبيرة تعرّض لها التجار بسبب شائعات إصابة المحاصيل ب"الكوليرا". فيما أظهر فيديو آخر، نشر على "فيسبوك"، وتمت مشاركته على نطاق واسع، أحد التجار وهو يأكل البطيخ الأحمر بشراهة، وهو يهتف ويصيح أن المحصول غير مصاب وصحي مائة بالمائة. ومنذ الإعلان عن اكتشاف الداء، أصدر الدرك الوطني الجزائري (قوة تابعة لوزارة الدفاع) عدة بيانات، ذكر فيها أن عناصره قاموا بتوقيف عشرات الفلاحين يقومون بري محاصيل زراعية بمياه الصرف الصحي في عدة محافظات على غرار البليدة وتيبازة وبومرداس وجيجل. ويفيد الخبير الزراعي عيسى منصور، أن ري الحقول الزراعية بمياه الصرف الصحي أصبح ظاهرة منتشرة في مناطق عدة من الجزائر. ويقول منصور في حديث للأناضول، إنه منذ الإعلان عن اكتشاف داء "الكوليرا" قيل الكثير بشأن المنتجات الزراعية المروية بالمياه القذرة (الصرف الصحي). ويؤكد الخبير الزراعي، على أن هذا الأمر (تسبب المنتجات المروية بمياه الصرف في انتشار الكوليرا) لم يتم تأكيده بتحاليل تثبت ذلك. ويحذّر من أن ظاهرة ري المحاصيل الزراعية بمياه الصرف الصحي، لا يمكن أن ترتبط فقط بداء "الكوليرا"، كون هذه العملية تنجم عنها سموم أخطر من "الكوليرا" تتسم بأن لها أعراضًا آنية يمكن معالجتها. ويشدد "منصور" على أن ري المحاصيل بالمياه القذرة أمر مرفوض تمامًا، مهما كانت دوافع الضالعين فيه. ويحمل مسؤولية انتشار هذه الظاهرة في الحقول الزراعية للسلطات المحلية (عبر البلديات)؛ وخاصةً طريقة تسييرها "الفاشلة" لمياه الصرف الصحي، و"منعها" من الوصول إلى المزارع. ويلفت الخبير الجزائري إلى أن للمواطنين نصيب من المسؤولية، من منطلق أن العديد منهم، يتردد في الإبلاغ عن هذه الأعمال. ودعا "منصور" سلطات بلاده إلى تشديد عمليات الرقابة، وإقامة محطات لتصفية مياه الصرف الصحي، واستعمالها لاحقًا في ري المحاصيل الزراعية. *وكالة أنباء الأناضول