باستثناء بعض الرتوشات الخفيفة التي طالت حديقة "لالة أمينة" بحي العدير، وعمليات طلاء الأرصفة في المناسبات والأعياد الوطنية، سيلاحظ زائر دار الضمانة أن المدينة الصغيرة لم تبارح مكانها ولم تواكب انتظارات أبنائها؛ كما ليس من العسير عليه ملاحظة حالة الركود التي تعيشها، باصمة على تهميش يطال البنيات التحتية الهشة. تذمر كبير في صفوف الشباب والمجتمع المدني الذي يحاول بين الفينة والأخرى كسر رتابة الحياة عبر مبادرات تطوعية هنا وهناك، منها ما ترى النور ومنها ما يطالها الإجهاض والنسف..لا داعي للعجب ففي وزان كل شيء قابل للإجهاض، حتى الأحلام والحقوق البسيطة. أحياء مهمشة أغلب أزقة أحياء وزان متربة ومحفورة؛ فضلا عن انتشار الكلاب الضالة بها بشكل ملفت للأنظار. كما أن مشكل النقل مؤرق للساكنة، إذ إن خطوط النقل العمومي لا تصل إلى بعض المناطق، وأرباب سيارات الأجرة يرفضون التوجه صوب تجمعات سكنية بالأحياء العليا، خاصة أحياء "بوشكراد" و"جنان علي" و"الميقال" و"حومة الزيتون" و"العناصر"، وغيرها. تعتبر وزان مشتل العلماء، وأضحت معروفة أيضا بلقب مدينة الأولياء؛ وذلك رغم افتقار الإقليم إلى نواة جامعية تقي الطلبة تشتتهم بين جامعات ابن طفيل بالقنيطرة وعبد المالك السعدي بتطوان وطنجة، إذ بقي حلم إنشاء كلية متعددة التخصصات ب"دار الضمانة" رهين مراسلات واجتماعات خفتت وتيرتها مع مرور الوقت بعدما شكلت حلما لمئات البسطاء من الوزانيين والوزانيات. ويقر ساكنة "مدينة الشرفاء" بأنّ عجلة التنمية بالمدينةوالإقليم "مفشوشة"، وبرامج التأهيل "مغشوشة"؛ وهو ما تؤكده المشاريع التنموية والاجتماعية المتوقفة، مشروع الطريق الدائري نموذجا، والمركز الثقافي، واللذين لم يوفق فيهما من رفعوا شعار التنمية والتأهيل قبل أن يضعوا لهما حدا قبل سنوات من الآن. ولم يعد من حديث حول هذه الأورش حاليا سوى عن الأموال المفقودة، إلى جوار البنايات غير المكتملة التي برزت دون أن تفتح أبوابها في وجه الساكنة...كما هو الحال بالنسبة لمقر عمالة الإقليم، المشروع الذي أبى أن يكتمل.. الوضع الثقافي بالمدينة ليس بأفضل حال ويتأرجح بين تيارين لا يمتان للثقافة المحلية بصلة، ويحاولان السيطرة على مفاصل الفعل الثقافي، وطمس هوية الحاضرة التاريخية؛ في حين أن غياب أنشطة ثقافية ومهرجانات بحاجة إلى إستراتيجيات بديلة لمواجهة العنف الرمزي الذي يمارس جراء تراجع الفعل الثقافي بالمدينة. مبادرة تطوعية بادر عدد من الفاعلين المحليين والمُهاجرين المغاربة المنحدرين من مدينة وزان بإطلاق نداءات إلى المسؤولين عن التدبير المحلي للمدينة من أجل رد الاعتبار لها، لتكون مدينة "نموذجية" . وتحدث أبناء المدينة، في ندائهم، عن المشاكل التي تُعيق التنمية المحلية، والتي تواجههم بعد عودتهم من بلاد المهجر؛ ما يضطر الكثير منهم إلى قضاء عطلته في مدن أخرى. احتلال الملك العمومي، انعدام أماكن ترفيهية خاصة بالأطفال، الانقطاع المتكرر للماء الصالح للشرب...من المشاكل التي ساقها من التقت بهم هسبريس وعبروا لها عن امتعاضهم مما آلت إليه الأوضاع في مدينتهم رغم حبهم لها، قائلين إنها أصبحت شبيهة بدوار... نداء المبادرة، التي انطلقت من مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قبل أن يتم البصم على تحركات ميدانية طالت بعض المناطق والأحياء التي شملتها أوراش صباغة ورسم جداريات، سجل استياء أبناء المنطقة من الخدمات الضعيفة والمنعدمة واهتراء البنية التحتية؛ كما سجل تزايد نفور الشباب من الحاضرة "التي تطرد أبناءها". الرحيل تلو الرحيل غالبية الوزانيين والوزانيات، ممن بقُوا متشبثين بالسكن في مدينتهم حتى الحين، أضحوا لا يرون مانعا في تحركهم صوب التجمعات السكنية الحضرية القريبة، وبالخصوص القنيطرة ومارتيل وتطوان، معتبرين أنّ من سبقوهم إلى ذلك، وإن كانوا قد أبانُوا عن صبر يسير تجاه ظروف العيش الصعبة، إلاّ أنهم لم يكونوا مخطئين بالمرّة. سكان وزان لا حق لهم في الاستفادة من الفضاءات الرياضيَّة، بل حتّى بعض المصالح الخارجية لازالت مشتتة على أقاليم أخرى، ما يزيد من أعباء المواطن في قضاء أغراضه الإدارية. طموحات أهل وزان كانت أكبر من مجرد بناية ويافطة ترصع الجدار، في ظل غياب المصالح الخارجية عن الوجود ميدانيا لتقديم خدمات إدارية تقي المواطن الوزاني عبء الترحال إلى أقاليم أخرى لقضاء أغراضه الإدارية اليومية؛ فقد اقتصرت "ترقية" المدينة إلى عمالة على بناية المنطقة الإقليمية للأمن ومقر العمالة الذي لازال في طور البناء، فيما جرى إغفال مصالح سكان المدينة التي ظلت مشتتة على مدن وعمالات أخرى؛ وذلك رغم إسهام المدينة في تكوين أعلام وزان الذين انطلقوا منها لنيل إشعاع وطني ودوليّ..فهل يحرك العامل الجديد على إقليموزان عجلة التنمية بالإقليم ويعالج الملفات المتراكمة لعقد من الزمن؟