مع اقتراب موسم الحضرة السياسية وهبوب رياح الكرنفال الانتخابي المرتقب، تستعد الزوايا و القبائل السياسية لإعلان بداية فصل جديد من فصول العشق المؤقت بين النخبة السياسية و الجماهير الشعبية. وفي سباق مع الزمن، يتحرك الشيوخ و الأقطاب و المريدون مع عقارب الساعة. يجوبون الأمصار و القفار، يتنقلون بين السهول والجبال و التلال لممارسة طقوس الاستقطاب لهذا الارتباط الموسمي الفلكلوري. يعود للكلمة لهيبها وسحرها وقوتها الخارقة لتهييج الأحاسيس و دغدغة العواطف.يتم إحياء الأرشيف الديماغوجي، يزاح الغبار عن الخطب المألوفة المتآكلة. يسرع الجميع إلى تعبيد الطرقات و الممرات الموصلة إلى المكاسب،و يتفانى الكل في إنارة الدروب و المسالك المؤدية إلى المناصب. ينزل الشيوخ المتنسكون في محراب المشاريع الاستثمارية و الصفقات الخاصة من أبراجهم العاجية وصوامعهم الذهبية العالية، يتواضعون قليلا للجاذبية الأرضية بعد تمردهم الطويل على الطبيعة الإنسانية. يسمحون لصوت الأشقياء كي يقرع آذانهم الصماء التي تتظاهر بالإصغاء. يبيحون لعرق الكادحين بأن يخالط أنفاسهم التي تعودت على الطيب المستورد. يستجيبون أخيرا لنداء التراب المشتاق إلى معانقة أحذيتهم الوديعة بعد فراق طويل. يخلعون عنهم لباس القداسة المزيف ورداء الوقار المصطنع وكل الأقنعة الملونة. يستعيدون صورتهم الأصلية التي حجبتها طويلا مساحيق النفاق السياسي. يسترجعون ألوانهم القديمة التي تذكرهم بماضيهم و أحجامهم القزمية و قاماتهم الحقيقية. في هذا الموسم الفلكلوري يترأس شيوخ الزوايا والقبائل السياسية التجمعات الخطابية المعدة سلفا للاستقطاب والاستيعاب الجماهيري. يمتطون صهوة المنابر ويركبون ظهور المنصات الموسمية،يرهبون مكبرات الصوت بصراخهم المفتعل وبعويلهم المهيج للسخرية والمثيرللشفقة. يبشرون الناس بالفتح العظيم القادم على أيديهم المباركة. يعدونهم بالمعجزات و الخوارق الآتية مع سحابة الفوز الانتخابي المحملة بالخيرات. تبدأ السمفونية الانتخابية بالترويج الإشهاري للكرامات و المناقب السياسية التي خص الله بها هذا الشيخ أو ذاك دون غيره من الشيوخ. يعاد إنتاج معجم التمجيد و التعظيم والتهويل. يتفنن المرتزقة وتجار المناسبات في رسم الصورة المثالية للأولياء و القديسين القدامى والجدد الذين نزلوا من السماء لخدمة البلاد و العباد. تتعالى الأوراد الحزبية و الهتافات الأيديولوجية والشعارات الانتخابية المسخرة لتسكين الآلام ودغدغة الأحلام.تبدأ الشطحات واللقاءات الرومانسية بين النخبة والقواعد الشعبية وعلى بعض الوجوه علامات المكر لا تفارقها، ورائحة نفاقها تزكم الأنوف بعد أن أصبحت ملازمة لها منذ زمن طويل. تجد الشيوخ يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، يدعون لأنفسهم الولاية و العصمة، ويزعمون امتلاك مفاتيح الجنة. فمن تبعهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ومن أعرض عنهم فإن له معيشة ضنكا، وهو من الخاسرين الذين باعوا مصالحهم بأحلامهم و أوهامهم. وفي سياق هستيريا الحضرة السياسية يقف الأولياء المبشرون بالمقاعد الوثيرة في نعيم البرلمان والحكومة وقد فقدوا ضوابط أنفسهم وأزمة انفعالاتهم، فيفتحون الملفات الساخنة الدفينة، ويصلون إلى الصناديق السوداء المغلقة بإحكام. ينبشون القبور ويغتابون الأموات ويسردون السير ويكتبون التراجم والحكايات بمدادهم الخاص . يمارسون لعبة النقد والاستنكار و التنديد، فيضمون أصواتهم المستعارة إلى صوت الجماهير، ويدعون- بكل وقاحة وافتراء- مناصرة قضايا الشباب و المرأة و الطفولة و الطبقة الكادحة. يعلقون أوسمة البراءة و الطهر على صدورهم، ويضعون طابع الاتهام و الخيانة على جبين غيرهم. ومع ارتفاع حرارة المناخ الانتخابي تبدأ فصول الاستدراج الجماهيري الممنهج نحو المشاركة في الحضرة السياسية ترشيحا و تصويتا وتصفيقا. تتوحد الخطابات الباحثة عن القواعد، وتنسج الشباك المعدة لاصطياد الأصوات في محيطات الأحياء الشعبية والهامشية. الكل يبحث عن الأسماك الوديعة التي تقتات في مثل هذه المناسبات. تكثر دعوات الانخراط وتوزع التزكيات وجوازات المرور لتشجيع الناس على تسلق مدارج السالكين إلى أعلى عليين. الكل يهتف بأعلى صوته ويدعو الناس إلى ناديه وزاويته .الكل يشجع الناس على اغتنام الفرصة ونيل بركات الشيوخ الموسميين. فمن لا شيخ له فالشيطان شيخه، ومن لزم الحياد ولم يتخندق فقد تزندق، ومن تسيس وتحزب فقد تحقق. [email protected]