غادرنا، منذ أيام، في صمت المقاوم محمد كجاج الملقب باسم بوزاليم. هذا المناضل، الذي لعب أدوار طلائعية في حزب الاستقلال وبعده في إطار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولد حوالي سنة 1926 بدوار أغبالو التابع لقيادة أسكاون بدائرة تالوين بإقليمتارودانت، من والده أحمد بن محمد ووالدته فاطمة بنت محمد. نزح محمد كجاج من المدشر سالف الذكر صوب الدارالبيضاء حوالي سنة 1941م، للعمل في عدد من المهن اليدوية البسيطة التي لا تتطلب مستوى تعليمياً معيناً، من أجل مساعدة عائلته على مواجهة متطلبات العيش، وأيضاً لتأمين قوت يومه كباقي أترابه في نواحي إقليمتارودانت، حيث لا تسعف الفلاحة البورية الشحيحة في ضمان الحد الأدنى من متطلبات العيش آنذاك. ارتبط بوزاليم، في وقت مبكر وتحديدا في سنة 1946م ، بحزب الاستقلال على يد أبو الشتاء الجامعي والهاشمي الفيلالي، ثم انضم إلى منظمة "اتحاد الجنوب" لروادها الوطنيين الأوائل ومنهم عبد الله الصنهاجي وحميدو الوطني، والتي تشكلت لتخفيف معاناة العائلات السوسية من تحديات ومظالم الإقطاع المحلي وأسياده المستعمرين. قادته علاقاته الوثيقة مع بعض الوطنيين السوسيين في الدارالبيضاء إلى الارتباط بخلايا "المنظمة السرية"؛ ولكن انكشاف أمره في أعقاب مشاركته في عدد من العمليات الفدائية جعل قيادة المنظمة تقوم بترحيله إلى ضيعة فلاحية بمحاذاة وادي إيكم في ضواحي مدينة الرباط، كانت المنظمة قد اتخذتها ملجأ لمناضليها المبحوث عنهم من لدن البوليس الاستعماري، حيث تمكنوا من الاختباء لبعض الوقت في انتظار نقلهم إما إلى المنطقة الخليفية في الشمال، وإما إلى مدينة إيفني في الجنوب. ولأنهم لم يتخذوا ما يلزم من الحيطة والحذر، تعرضت هذه الضيعة للمداهمة، ليجري اعتقال كل من محمد كجاج "بوزاليم" والمحجوب الطباخ ومحمد المذكوري وعسو وبوشعيب؛ وهو ما سيقود سريعاً إلى اعتقال كل من الحسين الزعري والفقيه الخنبوبي وغيرهما. وقد حكمت عليه المحكمة الاستعمارية بعد ذلك بعشرين سنة سجناً نافذاً، ومثلها نفياً عن منطقة الرباط. وبعد الإفراج عنه، غداة نيل بلادنا لاستقلالها الوطني، عمل فترة قصيرة في مكتب المقاومة بدرب الطلبة بالدارالبيضاء والذي كان مثل الإدارة المؤقتة المنوطة بها شؤون قدماء المقاومين وذويهم، وكذا شؤون المنظمات الفدائية وتدبير مهام وأنشطة جيش التحرير في الجنوب المغربي. كما كان من أعضاء أول مجلس وطني للمقاومة في غشت 1956م. في أواخر سنة 1957م، عيّن محمد كجاج "بوزاليم" مسؤولا عن مستودع الأسلحة والذخائر لجيش التحرير في كولميم، وظل يعمل هناك مشاركا في عملياته التي تصدت ببطولة للجيش الاستعماري الإسباني، إلى حين تفكيك وحدات هذا الجيش واندماجه في القوات المسلحة الملكية. ارتبط محمد كجاج "بوزاليم" بمجموعات المغتربين والمنفيين في الخارج إبان ما عرف بسنوات الرصاص، حيث ورد اسمه في محاكمات الحركة الاتحادية فيما عرف باسم مؤامرة 1963 وفي محاكمة سنة 1973 التي عَرفت باسم محاكمة الشهيد عمر دهكون... مما أجبره على مغادرة الوطن، في اتجاه الجزائر التي استقر فيها حوالي سنتين ثم ليببا التي لم يمكث فيها طويلا، قبل التوجه إلى فرنسا التي كانت مقرا لمنفاه السياسي، قبل العودة في مطلع التسعينيات إلى وطنه بعد صدور العفو السياسي. وبرحيل محمد كجاج الملقب باسم بوزاليم، يفقد المغرب واحدا من رموز المقاومة وجيش التحرير.. تغمد الله الفقيد بواسع رحمته ورزق أسرته الصغيرة، وفي مقدمتها زوجته الحاجة فاطمة وأبناؤه شوقي وعبد الله وإبراهيم وفاطمة، جميل الصبر والسلوان. *باحث ومؤرخ