يشتهر المغاربة بكونهم من الشعوب الإسلامية الأكثر "تقديسا" لصيام رمضان، في الوقت الذي يشتهرون في المقابل ب"تأخير" الذهاب لأداء مناسك الحج إلى "خريف العمر". ويفضل غالبية المغاربة إرجاء الركن الخامس من الدين، الذي يعتنقه الغالبية الساحقة من السكان، إلى خريف العمر. ويكشف ذلك عن تفاوت واضح في أداء الشعائر وأركان الدين عند المقارنة بين الصيام والحج، حيث أن الصيام بالنسبة للمغاربة يمثل ركنا "مقدسا" يحظى باهتمام كبير. في مقابل الحج الذي يفضل أغلب سكان البلاد، تأديته في سن متأخرة. محمد الكبير، الذي انتصف عقده الخامس، وزوجته البتول، أكملت هذه السنة ربيعها الخمسين، ورغم أن وضع الأسرة المادي مريح، مازال الزوجان الأبوان لسبعة أطفال لا يفكران في أداء مناسك الحج حتى الآن. يقول الزوج: "أتمنى من الله أن يوفقني لأداء فريضة الحج مع زوجتي فيما تبقى من العمر، حتى نغنم أجرها وفضلها قبل لقاء الآخرة"، مضيفا: "أعتقد أن الله فرض علينا الحج واشترط الاستطاعة لحكمة يعلمها هو، فمثلا أنا وزوجتي لا نستطيع الذهاب إلى الحج وأبناؤنا في حاجة لنا كل ساعة ويوم، وغير قادرين على تسيير أمور المنزل وحدهم". وأكد الكبير، الذي ينحدر من إحدى قرى شمالي المغرب، أنه يعمل على تحقيق أمنيته في زيارة بيت الله الحرام وأداء مناسك الحج والعمرة قبل أن يتوفاه الله. واعتبر أن تأجيل هذه الفريضة بالنسبة له، كما باقي سكان المنطقة، يرجع أساسًا إلى الثقافة التي تربوا عليها بأن الحجاج هم كبار السن فقط. ويشير "الكبير" إلى أنه لا يتذكر أن أحدًا من أبناء المنطقة سافر لأداء فريضة الحج في سن مبكرة، بالقول: "ليس هناك أي شاب من أبناء البلدة والقرى المجاورة ذهب لأداء الحج في مقتبل العمر". وزاد موضحًا أن الحج فرصة العمر في التوبة والمغفرة لذلك نؤجلها حتى نلقى الله مغفورًا لنا بعد الأخطاء والمعاصي التي نرتكبها في فترة الشباب. من جانبه، يرى حسن الموس، نائب المدير العلمي لمركز المقاصد للبحوث والدراسات بالرباط، أن تفضيل المغاربة أداء مناسك الحج في سن متأخرة، لا يعني التفريط فيها، معتبرا أن هذا الخيار تتحكم فيه عدة أسباب. وأضاف الموس، أن من بين الأسباب التي تدفع المغاربة إلى تأجيل الحج إلى سن متأخرة، السبب المادي. ويوضح أنه في تاريخ المغرب، نظرًا للبعد الجغرافي عن الأراضي المقدسة، والإمكانيات المادية، نجد الكثير من الشباب لا يستطيعون أداء الشعيرة وينتظرون حتى تتوفر لهم الإمكانات المادية. ونوه بأن العديد من الذين يؤدون فريضة الحج في سن متأخرة "لا يتحملون المقابل المادي لرحلة الحج، وإنما يوفرها الأبناء بعد دراستهم وحصولهم على وظائف، ويكون ذلك بمثابة مكافأة للأباء". وأشار الموس إلى أن هذا التأخير تكون له تداعيات سلبية، لأن الإنسان الذي يؤدي فريضة الحج في آخر عمره تكون قوته البدنية ضعيفة وأحيانًا لا يستطيع أداء المناسك كما أمر الله عز وجل. وهناك سبب آخر، حسب المتحدث ذاته، يكمن في أن عددًا ليس بالقليل من المغاربة يعتبرون الحج "توبة العمر وإذا حج الإنسان إلى بيت الله ووقف عرفات فإنه يعود إلى بلده مغفورا له صفحة بيضاء". كما يرون أنه "لا ينبغي أن أحج وأنا شاب وما زلت معرضا للخطأ والزلل والرذيلة فالأولى أن أؤجل الحج حتى أتأكد أنني لن أعود إلى الرذيلة والمعاصي"، وفق المتحدث. وأشار الموس في الوقت نفسه، إلى أنه انطلاقا من ممارسته للدعوة والخطابة، لاحظ أن هناك توجهًا لدى شباب المغرب من الجيل الجديد بالتعجيل بأداء فريضة الحج، عكس الأجيال السابقة. وقال نائب المدير العلمي لمركز المقاصد للبحوث والدراسات "أصبح العديد من الشباب يعجلون بأداء فريضة الحج في سن 25 و26 سنة". وأكد أن هناك توعية وتذكير بأن الأجل قد يباغت الإنسان في أي لحظة، وأنه إذا تحقق شرطا الاستطاعة المادية والبدنية، ولم يؤد المسلم الحج واتقى أجله "يخشى أن يكون آثما". *وكالة أنباء الأناضول