لم تمض نصف ساعة على غارة جوية إسرائيلية وسط قطاع غزة حتى سمعت "أم الوليد" صوت أنين من منزل جارتها إيناس المدمر، الذي يلفه الغبار، وصدمت لدى مشاهدتها جسدي الأم إيناس وطفلتها بيان قد تحولا إلى أشلاء؛ ولازالت العائلة تطالب بتفسيرات عن سبب مقتلهما. بقع الدم غطت جدران غرفة النوم التي كانت بيان، البالغة عاما ونصف العام، تنام فيها على فراش من القماش المحشو بالقطن، بجانب السرير المخصص لوالديها. أم الوليد، ذات ال40 عاما، قالت وهي لا تزال تحت تأثير الصدمة: "كأنه كابوس! تمنيت لو أنني مت قبل أن أشاهد هذا المنظر الفظيع". وأضافت: "سمعت أنين محمد، والد الطفلة بيان، فطلبت من أولادي والجيران أن يفتحوا باب المنزل بالقوة، ودخلت معهم. رأيت إيناس، وهي حبلى في شهرها السابع، وقد بقر بطنها بشظايا الصاروخ، وصعقت عندما شاهدت طفلتها بيان ممزقة". وتابعت المتحدثة ذاتها: "طلبوا سيارة إسعاف، ونقلوا المصاب محمد إلى المستشفى، وأخذت أنا والجيران نجمع أشلاء إيناس والطفلة". رائحة الموت كانت تفوح من المكان، وبقيت بعض الأشلاء مدفونة تحت التراب قبل أن يجمعها شبان من سكان الحي. وحشية العدوان وأشار أحد الجيران، عماد صاحب ال44 عاما الذي يعمل في "شرطة حماس"، إلى فتحة في سقف المنزل القديم المكون من طبقة واحدة وقال: "الصاروخ أصاب المسجد المجاور قبل أن يصيب المنزل من هنا، ويحدث هذه الفتحة ثم يسقط على أرضية صالون المنزل ويحدث حفرة، ما أدى إلى إصابة الطفلة وأمها بشظاياه". على سطح المنزل كومة من القمح وضعها محمد أبو خماش كي تتناولها طيور الحمام التي يربيها في قفص. أمسك الفتى جميل، اليافع بعمر 16 ربيعا، دمية صغيرة مختلطة بدماء الطفلة ووالدتها والأتربة؛ ثم قال: "هذه عروسة بيان!". يتكون المنزل الذي استأجره رب الأسرة محمد أبو خماش، قبل نحو شهرين، من غرفتين ومطبخ صغير فيه بعض الأواني ، إضافة إلى فراش وحصير اختلطا ببقايا الركام وسط البناء. ويبعد البيت مئات الأمتار عن موقع كبير للتدريب تابع إلى "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية، قرب شارع صلاح الدين الرئيسي عند مدخل "دير البلح" وسط قطاع غزة. تشييع شعبي شيع مئات الفلسطينيين، وسط حزن شديد، الطفلة وأمها وسط دير البلح. كذلك مشوا في جنازة علي الغندور، عمره 30عاما ومن نشطاء "القسام"، بعدما قتل في غارة جوية استهدفته حين كان، مع ثلاثة آخرين، في سيارة قرب بلدة "بيت لاهيا" شمال القطاع، وأصيب الثلاثة أيضا. وسقط القتلى الثلاثة في سلسلة غارات جوية شنها الجيش الإسرائيلي، بوتيرة مستمرة منذ مساء الأربعاء الماضي، ردا على إطلاق عشرات الصواريخ من قطاع غزة. عبد الله أبو خماش، البالغ 31 عاما وابن عم والد الطفلة بيان، قال: "كانت نائمة مع أمها وأبيها عندما سقط الصاروخ على الدار وهشمها". وأضاف القريب: "أقول لوزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أن يأتي إلى هنا ويرى بنفسه الدمار.. أريد أن أسأله ما ذنب هذه الطفلة البريئة التي لا تعرف الكره كي تموت؟ هل يقبل هذا لحفيدته؟". وتابع المتحدث ذاته: "لا علاقة لنا نحن المدنيين بمواقع المقاومة. لماذا علينا أن ندفع الثمن؟ نريد هدوءا وسلاما، نريد أن نعيش حياة كريمة". تداعيات التصعيد من جهته قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، الليوتنان كولونيل جوناثان كونريكوس، إنه لا يتوفر على أي معلومات عن مقتل المرأة وطفلتها، مضيفا: "نحن نضرب فقط أهدافا عسكرية تستخدمها حماس". ودعت الأممالمتحدة إلى التهدئة، معربة عن أسفها لإطلاق الصواريخ من قطاع غزة، خصوصا، ودعا مبعوث الأممالمتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، جميع الأطراف إلى "الابتعاد عن حافة الهاوية". وبرز ملادينوف مذكّرا بأنه سبق أن حذّر من أن "الأزمة الإنسانية والأمنية والسياسية في قطاع غزة تنذر بصراع مدمّر لا يريده أحد"، وفق تعبيره. وأسفرت جولة التصعيد الأخيرة في قطاع غزة عن إصابة 12 فلسطينيا آخرين، بينهم اثنان في حالة خطيرة، وفق ما أعلنه أشرف القدرة،الناطق باسم وزارة الصحة. وإثر ذلك أعلنت الفصائل الفلسطينية، اليوم الخميس، أنها قررت وقف إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. * أ.ف.ب