احتضن معرض صندوق الإيداع والتدبير بالرباط عرضا يعرف بالصناعات التقليدية المغربية، وطرق إنتاجها، والمواد الأولية التي تعتمد عليها. وضم المعرض الذي يمتد إلى حدود 31 من شهر غشت الجاري، إلى جانب عرض الصناعات التقليدية، أعمالا فنية أنتجها مجموعة من الفنانين المغاربة، تتعدد بين الرسم، والتلوين، والكاريكاتير، والنحت، والتصميم، والتركيب الفني. وحاول الأساتذة بكل من المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، والمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء، توضيح اختياراتهم الفنية في اليوم الافتتاحي للمعرض، والقيام بورشات جمعتهم بتلاميذ وطلبة وزوار المعرض، محاولين شرح أعمالهم، وتقنياتها، واختياراتها الجمالية، ودلالاتها. فن أصيل..جميل..وظيفي عبد الحق حبزي، أستاذ بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء وأحد الفنانين العارضين، قال إن هدف عرضه الفني "إعطاء فكرة أخرى عن الفن الذي يمكن أن يكون شكلا جميلا، ولكن وظيفيا أيضا". وأضاف حبزي أن الفن ليس اللوحة التشكيلية فقط، بل "تراث يومي يوجد في كل ما يحدث غبطة وسعادةً عند الآخر، انطلاقا من فكرة ومادة بسيطة"، حسب تعبيره. ويتكون معرض حبزي من رسومات توضح طرق عمل الصناع التقليديين، وأدواتهم، وموادهم الأولية، وإبداعاتهم الجلدية والمعدنية والنسيجية والخشبية، إضافة إلى خطاطات دقيقة توضح تسميات كل مكون من مكونات هذه الأعمال التقليدية الفنية، فضلا عن نماذج ملموسة من هذه الصناعات التقليدية. ويتحدث حبزي عن إعداده هذا المعرض قائلا إنه كمتخصص في الأنتروبولوجيا حاول القيام بعمل متكامل يُثمن التراث اللامادي المتمثل في الصناعة التقليدية بالمغرب عن طريق وضع خطة للتثمين، كتب فيها طريقة إعداد منتوجات الصناعة التقليدية، وأعد رسومات توضح طرق اشتغال الصناع التقليديين في وضعياتهم اليومية، انطلاقا من حصولهم على المواد الأولية، ثم تجهيزها، وتغييرها، وصولا إلى آخر عملية. واسترسل المتخصص في علم الإناسة والتصميم موضحا مسار إعداد معرضه قائلا إنه قام بأعمال ميدانية لسنوات، كان حصادها أعمالا تبين مثلا كيفية الحفاظ على الخيمة، التي توجد في طور الانقراض، عن طريق تكريس عمل علمي وفني حول كيفية صناعة الخيط، والحصول على شعر الماعز، ووضعه في "الكبة"، ونسجه في المنسج. الصناعة التقليدية..إبداع ومعاناة "الصناعة التقليدية في حالة يرثى لها، وفي ضيق من أمرها، والصانع التقليدي يعاني، ولا يتم الالتفات إليه رغم وجود ورشات للعرض وتنظيم معارض"، هذا ما استنتجه عبد الحق حبزي بعد تنقله في رحلة ميدانية لتتبع حال الصناع التقليديين بالمغرب في كل من مراكش وكلميم، ووازان، والداخلة، والعيون، والسمارة. وزاد حبزي موضحا أن "الصانع التقليدي في الصحراء يصعب عليه الحصول على المواد الأولية مثل الخشب الجداري، والجلود، والمواد النباتية التي يحتاجها؛ ولا بد أن يسافر لمسافة تبلغ 150 كيلومترا من أجل الحصول عليها". وأضاف المتحدث ذاته أن التسويق من بين المشاكل التي تواجه الصانع التقليدي، قائلا: "السؤال هو كيف يمكن للصانع التقليدي أن يسوق مواده بصيغة أخرى؟"، وزاد: "هذا عملُ المتخصصين في مجال التصميم؛ لهذا أعددت مجموعة من الأعمال تجمع بين الإبداع والحفاظ على التراث..الصانع التقليدي يقوم بعمل يبقى في إطار فني محدد، يجب أن نحافظ على هويته كمنتوج، لكن يبقى من الضروري أن نشتغل على شكله حتى يثير انتباه المستهلك أو المستعمل في المغرب. لكن هذا يحتاج دعما ماديا ومعنويا، مع مواصلة شراكتنا مع الصانع التقليدي كخبراء". وناشد الأستاذ بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء كلا من وزارة الصناعة التقليدية، والمديرية الجهوية للصناعة التقليدية، ودار الصانع، تمكين المتخصصين من مِنَح تدعم الصانع التقليدي، وتمكنه من إنتاج أعمال بتصميمات جديدة، حتى تُعرض داخل المغرب وخارجه. وذكر عبد الحق حبزي أن بيعَ الصانعِ التقليدي المغربي خمسة منتجات في الشهر يحسن كثيرا حالَتَهُ المادية، وزاد أن لديه مشكل إبداع، يتمثل في الكيفية التي يمكن بها تغييرُ ترسب الواقع الحاصل في جميع مجالات الإنتاج. وأجمل حبزي حلول مشكل الإبداع في الصناعة التقليدية في: "تكوين الصانع بتعليمه الرسم، والتصميم ثلاثي الأبعاد، وتقنية المواد، ومزجها، والمواد المركبة؛ أي تكوينه في كيفية إنتاج منتجه بصيغة أخرى"، موضحا: "التكوين هو اللبنة الأساسية التي يمكن أن نقوم عن طريقها بشراكة مع الصناع التقليديين والتعاونيات بهدف إنتاج حيوية مدعومة يستفيد منها الصانع التقليدي، والدولة، والجميع، لأن هذا التراث تراثُ الأمة، وكلنا مسؤولون عنه". *صحفي متدرب