في الوقت الذي تنفي الحكومة وجود أي علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني، يستمر "سُعار" تطبيع المغرب مع إسرائيل، من خلال استمرار العلاقات التجارية بين البلدين، والسماح لشركات صهيونية بترويج سلعها وخدماتها داخل المغرب، وتبادل الزيارات الأكاديمية والفنية والرياضية، وتعدد المعاهد التي تكرس التطبيع، بالإضافة إلى ما يبرره البعض ب"سياسة الانفتاح الثقافي والحضاري" من أجل حضور مؤتمرات، وإلقاء محاضرات، وتقديم عروض فنية، وتنظيم جولات سياحية. وتستنكرُ الهيئات الحقوقية الازدواجية بين الخطاب الرسمي، الذي يدعو إلى تجريم التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، ويقول إن القدس عاصمة فلسطين، وبين الممارسة التي تكشفُ عن الروابط الإسرائيلية المغربية على المستوى التجاري والثقافي والعسكري والتكنولوجي. المغربُ "يحمي" الصهيونية وتعتبر الناشطة الحقوقية، خديجة الرياضي، في سياق الحديث عن الازدواجية بين الخطاب والممارسة، أن "هناك محاولة لإخفاء واقع خطير جدا، يُظهرُ أن المبادلات التجارية بين المغرب وإسرائيل في تصاعد، وأن المغرب يعد من أكبر الشركاء التجاريين للكيان الصهيوني". وتؤكد الرياضي، في تصريح لهسبريس، أن المسؤولين، بمن فيهم الحكومة، يعلمون ب"التطبيع"، ويشجعونه، ويُناهضون "مناهضي التطبيع"، موضحة أن "العديد ممن يناهضون الصهيونية يتعرضون للابتزاز والمضايقة، بل أكثر من هذا؛ رفع العديد من المحامين دعاوى ضد صهاينة في المغرب، ويخبرون المسؤولين بذلك، ولا يحدث أي شيء". وترى الرياضي أن المصالح المشتركة بين البلدين كثيرة، مما جعل المغرب "يتواطأ" مع الكيان الصهيوني، ويدعمه بكل الإمكانيات، من خلال "عدم منع المعاهد الإسرائيلية، والسماح للوفود الصهيونية بالمشاركة في المباريات، بل تصوير أفلام صهيونية ببلدنا". وهو ما تعتبره الرياضي "حماية للصهيونية وفتح أبواب المغرب في وجهها". وتُدين الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أشكال "التطبيع الشعبي"، بالنسبة إلى بعض المغاربة، الذين يلتقطون صورا مع الأجهزة العسكرية الإسرائيلية، ومع المسؤولين الصهاينة. وفيما يخص الجولات السياحية بإسرائيل، ترفض الرياضي أن يكون ذلك "انفتاحا ثقافيا وحضاريا"، وتضيف أن "ذلك تطبيع ويجب أن يمنع، لأن إسرائيل كيان غاصب يرتكبُ جرائم ضد الإنسانية، والأمر لا يتعلق بالانفتاح أو حرية التنقل، ولكنه دعم لكيان مجرم ومحتل يمارس الميز العنصري". الحاجة إلى قانون يجرم التطبيع ويظلُ النقاش الدائر حول مناهضة التطبيع حبيسَ الأصوات الحقوقية، المناصرة للقضية الفلسطينية، غير أنه لم يجد بعد الطريق المُعبد نحو التشريع، للتوقف عند السلوكيات والممارسات التي من شأنها ترسيخ "السياسة التطبيعية" مع الكيان الصهيوني. وترى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن النقاش حول اقتراح قانون يجرم التطبيع يجب أن يستمر، معتبرة التطبيع "سلوكا مجرما وصهيونيا، واستعماريا عنصريا". وتقول الرياضي: "من الطبيعي ألا نتعامل مع نظام مجرم، ولكن نحتاج إلى قانون يوضح معنى التطبيع، لأن هناك من يقول إنهم مغاربة من أصل إسرائيلي، ويأتون من أجل الدفاع عن الصهيونية، والكثير من المناضلين الذين ولدوا في إسرائيل فهموا أنهم في دولة استعمارية مجرمة، ترتكب جرائم ضد الإنسانية، فخرجوا وأعلنوا أنه لم تعد لهم علاقة بإسرائيل". في الاتجاه نفسه، يرى عمر بلافريج، البرلماني عن فدرالية اليسار الديمقراطي، أن المغرب في حاجة إلى ترسانة قانونية، تجرم التطبيع. وقال بلافريج، في تصريح لهسبريس، "نحن ندعم أي مبادرة يقترحها أي فريق"، مُضيفا أن "الذين ناضلوا ضد إسرائيل، من أجل الشعب الفلسطيني، كان بينهم مغاربة مسلمون ويهود، وهذه المعركة يجب أن تكون دولية، بالاشتغال مع الجالية المغربية مع الخارج، لتوجيه حملة مقاطعة كبيرة للمنتوجات الإسرائيلية، لأن في المغرب توجد شركات إسرائيلية تتعامل مع القطاعين الخاص والعام". ويُحمل بلافريج المسؤولية للحكومة، التي "لا تراقب" الشركات الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه يُحذر من "استعمال قضية فلسطين من المنطق العرقي أو الديني، لأن هناك طرفا في المغرب يعتبر أن قضية فلسطين هي قضية الإسلام"، مشيرا إلى أن هناك من لم يرقه من كان أصلهم يهوديا، وكانوا في طليعة المعركة ضد الصهيونية وإسرائيل، مثل سيون أسيدون، وأبراهام السرفاتي، وشمعون ليفي. ويُضيف البرلماني اليساري "يجب أن نتعاطى مع قضية فلسطين كما تعامل المجتمع الدولي معها". دعم مبادرة "BDS" تُعنى حركة " BDS" الفلسطينية، التي يقعُ مقرها في القدس، بمقاطعة وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات على الكيان الصهيوني، من أجل الدفاع عن الحق الفلسطيني ووقف الامتداد الإسرائيلي، وهي الحركة، التي دعا عمر بلافريج إلى دعمها، لبدء معركة مناهضة التطبيع. ويحذرُ الناشط المغربي في هذه الحركة، سيون أسيدون، من استهلاك بعض الأدوية التي تُباع في المغرب، مثل "سباسفون"، الذي تعود ملكيته إلى الشركة الصهيونية "تيفا"، مشيرا إلى أن هناك "كتمانا على هذه الممارسات، وهو كتمان مقصود، لأنهم يعرفون أن المغاربة لا يقبلون بهذه الممارسات، لذلك قمنا بعريضة وحملة مع الأطباء والصيادلة والمستهلكين، حملة اسمها حملة "تيفا"، لمقاطعة الشركة نفسها والدواء نفسه". ويؤكد الناشط الحقوقي المناهض للتطبيع، في تصريح لهسبريس، أن "التطبيع مرفوض، ولكن المغرب يصدر ويستورد من إسرائيل بشكل مباشر، وهناك خط مباشر للملاحة التجارية بين حيفا وطنجة، وهذه الحركة توجد في الخرائط". وبخصوص اقتراح قانون لتجريم التطبيع، يرى أسيدون أن "المشكل ليس متعلقا بالقانون، لأن أجهزة الدولة تتعمد ذلك، والمركز السينمائي المغربي يسمح بتصوير أفلام تقوم بالدعاية الصهيونية"، مشيرا إلى أن الموضوع مرتبط ب"توعية المواطنين لمناهضة التطبيع". وفيما يتعلق بالعلاقات المخابراتية والعسكرية، يوضح أسيدون أن الموضوع "قديم وسري"، وأن "نمو العلاقات التجارية كان منذ عقود، ولكنه كان خجولا"، موضحا أن "التطبيع يعني تطبيع العقول، لتعتبر أن هذه العلاقات القديمة طبيعية، سواء فيما يتعلق بالأسفار، بالنسبة إلى الصحافيين أو الفنانين، أو تحضير العقول لخطوات أخرى مع الكيان الصهيوني". *صحافية متدربة