تبدو المواجهة وكأنها باتت مفتوحة بين إدارة دونالد ترامب وشبكة "سي إن إن" الإخبارية. إذ لم يعد البيت الأبيض يخفي غضبه الشديد على هذه القناة، والأخيرة زادت عدائيتها تجاه "سيد البيت الأبيض" في تغطيتها. ويوم الأربعاء الماضي منعت الصحافية كايتلين كولينز من حضور مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، بعد أن اعتبرت إدارة ترامب أنها "تطرح أسئلة غير مناسبة" على الرئيس الأمريكي. ولا يبدو هذا الحادث منعزلا، فهو أعقب حوادث أخرى عديدة وقعت مع جيم أكوستا، الصحافي النجم في "سي إن إن". وبعد 18 شهرا على وصوله إلى البيت الأبيض لم يوافق ترامب بعد على إجراء أي مقابلة مع "سي إن إن"، مع أنه أجرى عشرات المقابلات الصحافية مع شبكات إخبارية أخرى. ووصل عداء ترامب ل"سي إن إن" إلى حد أنه غضب على زوجته ميلانيا؛ لأنها كانت تشاهد هذه القناة على تلفزيونها الخاص بها في الطائرة الرئاسية خلال إحدى الرحلات، حسب ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز. وبشكل عام، يتهم ترامب وسائل الإعلام بأنها "إعلام الأخبار الكاذبة"؛ إلا أنه لم يصل مع أي وسيلة إعلامية أخرى، ولا حتى مع نيويورك تايمز، إلى المستوى الذي وصل فيه مع "سي إن إن". بالمقابل، يكشف صحافيو "سي إن إن" عن تشدد كبير تجاه الرئيس الأمريكي، الذي وصفه دون ليمون، أحد نجوم الشبكة، ب"العنصري". ويرى روبرت تومسون، أستاذ مادة الإعلام في جامعة سيراكوزا، أن الاتجاه الذي يعتبر "وسطيا" للشبكة الإخبارية ويترافق مع "بعض الموضوعية مع أن هذه الكلمة لم تعد تعني الكثير"، وميلها إلى التطرق إلى مواضيع إشكالية لدى ترامب "تجعله يصاب بالجنون الكامل". بالنسبة إلى القنوات الأخرى، فإن قناة فوكس نيوز، على سبيل المثال، اختارت المعسكر اليميني المؤيد عادة لترامب؛ في حين أن شبكة "إم إس إن بي سي" اليسارية اختارت المعسكر الآخر. من جهته، يقول إدوارد بورميلا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة برادلي، إنه "لا توجد وسيلة إعلامية موضوعية بالكامل (...) لكن بين القنوات الإخبارية فإن "سي إن إن" هي أكثر من يحاول أن يكون كذلك". وأضاف "إن اليساريين يعتقدون أن "سي إن إن" باهتة وضعيفة؛ في حين أن المحافظين يعتبرونها واجهة للدعاية الشيوعية". الضرب على ترامب من الصعب تحديد سبب واحد لهذا العداء الكبير بين ترامب وبين "سي إن إن". البعض يتطرق إلى العلاقة المعقدة بين الرئيس الأمريكي وبين جيف زوكر، مدير القناة، الذي سبق أن عرض لترامب برنامج تلفزيون الواقع "ذي ابرنتيس" عندما كان يدير شبكة "إن بي سي"، إلا أنه عاد وابتعد عنه. ويرى روبرت تومسون أن ترامب يكثر من هجماته على "سي إن إن"؛ لأنه يعتقد أنها الوحيدة التي لا تزال قادرة على التأثير على الناخبين المترددين في تأييده. وإذا كانت هجمات ترامب على "سي إن إن"، طيلة السنتين الماضيتين، تعرقل أحيانا عمل صحافيي هذه القناة؛ فإنها بالمقابل تزيد من متابعيها. ومع أن نسبة مشاهدة "سي إن إن" متينة وهي تضاعفت منذ مطلع 2015 لدى بدء الحملة الانتخابية لترامب، فإنها تبقى ضعيفة مقارنة بنسبة مشاهدة "فوكس نيوز" وحتى اليسارية "إم إي إن بي سي". وخلال الفصل الثاني من السنة الحالية، حصدت فوكس نيوز نحو 2،4 ملايين مشاهد خلال ساعات الذروة، في حين أخذت "إم إس إن بي سي" 1،7 ملايين، بينما اكتفت "سي إن إن" بنحو 900 ألف مشاهد. وفتحت "سي إن إن" شاشتها، خلال الفترة الأخيرة، أمام كريس كومو من نيويورك، شقيق الحاكم الديمقراطي لهذه الولاية أندرو كومو، خلال فترة ذروة المشاهدة من الساعة التاسعة ليلا إلى الساعة العاشرة ليلا. واعتبر إدوارد بورميلا أن هذا الأمر "يعني أن"سي إن إن" تريد مواجهة النفوذ المتنامي لشبكة "إم إس إن بي سي" على يسارها، وتعتبر أن تركيز الهجوم على ترامب يزيد من متابعيها". واعتبر اندرسون كوبر، أحد صحافيي القناة، أخيرا، أن اللقاء الأخير بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما تبعه من تصريحات "يعتبر الأداء الأكثر عارا بالنسبة إلى رئيس أمريكي على الساحة الدولية". وفي هذا الإطار، قال بول جاننش، الأستاذ في مجال الصحافة في جامعة كوينيبياك: "أعتقد أن تعليقات صحافيي القناة، التي أميزها عن تعليقات الضيوف، خاطئة"، قبل أن يضيف: "لو كنت مدير "سي إن إن" كنت طلبت من الصحافيين الالتزام بالوقائع". *أ.ف.ب