يرى محللون سياسيون فلسطينيون أن كلاً من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة وإسرائيل، تحاولان جني مكاسب من وراء حالة التصعيد العسكرية "المحدودة" التي يعيشانها، والتي يُطلق عليها "سياسياً" اسم "حافة الهاوية". وسياسة "حافة الهاوية"، هي سياسة يُقصد بها تحقيق مكاسب معينة عن طريق تصعيد أزمة ما، ودفعها باتجاه الحرب. ومنذ نهاية ماي الماضي، يشهد قطاع غزة جولات متكررة من التصعيد العسكرية الإسرائيلي، تردّ عليه حركة "حماس" وفق قاعدة "القصف بالقصف والدم بالدم". وعقب كل تصعيد، يتوصل الطرفان أي "حماس وإسرائيل" إلى تفاهمات وقف إطلاق نار تعيد الهدوء إلى قطاع غزة، بوساطات إقليمية ودولية. وتحاول كل من "حماس" وإسرائيل "، وفق المحللين، فرض المعادلة الناظمة لعلاقتها مع الخصم حسب رؤيتها ورسم معالم الاشتباك بنفسها". لكن رغم جولات التصعيد المتكررة، والتي كانت ستُفضي إلى حرب يوم الجمعة الماضي، إلا أن معادلة الاشتباك، وفق المحللين، "لا زالت شبه متكافئة ومتوازنة بين الطرفين، بحيث لم ينتصر طرف على الآخر، ولم يستطع أحد تحديد معالم الاشتباك بنفسه"، بحسب المحللين. أعلنت حركة حماس عن التوصل لتهدئة مع إسرائيل، في قطاع غزة، بجهود مصرية أممية، بعد جولة من التصعيد، أسفرت عن استشهاد 4 فلسطينيين، ومقتل جندي إسرائيلي. وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، السبت الماضي، عن "قلقه البالغ حيال التصعيد الخطير للعنف في غزة وجنوب إسرائيل، من واجب جميع الأطراف أن تتفادى بإلحاح خطر نزاع جديد مدمر". ويقول المحللون، في حوارات منفصلة مع وكالة "الأناضول"، إن إسرائيل تحاول من خلال جولات التصعيد العسكري ضد قطاع غزة إبقاء "الوضع وحالة الحصار على القطاع، على ما هو عليه"؛ في ظل الحديث عن مبادرات دولية لتحسين الأوضاع الإنسانية بالقطاع. ويعتقد المحللون أن إسرائيل تريد "استسلام كامل من غزة، دون مقاومة شعبية (مسيرات العودة) أو مسلّحة، مقابل حل الأزمة الإنسانية فيها". ويجمع المحللون على أن كلا الطرفيْن لا يرغبان في الدخول بحرب أو مواجهة عسكرية شاملة، خاصة وأن الظروف الداخلية للطرفيْن والظروف الإقليمية غير مستقرّة. جولات تصعيد جديدة لا يستبعد تيسير محيسن، الكاتب والمحلل السياسي، خوض كل من حركة "حماس" وإسرائيل، جولات جديدة من التصعيد العسكري، خلال الفترة المقبلة، من أجل إرغام كل طرف على الخضوع لمعادلته في قواعد الاشتباك. ويقول محيسن:" الأجواء قابلة لحدوث تصعيدات متكررة، كل طرف متخوف من الآخر ومترقب للآخر، ويريد أن يثبت ذاته في الميدان، وحريص أن تكون كلمته المسيطرة والمتحكمة في حالة الاشتباك الحاصلة". ورفع الجيش الإسرائيلي سقفه في معادلة الاشتباك، خلال جولة التصعيد الأخيرة، حينما استهدف موقعاً للمقاومة يتواجد بداخلها فلسطينيين، بحسب محيسن. فيما ردّت جهة فلسطينية (لم تعلن عن نفسها) على القصف بوتيرة أعلى عن تلك التي كانت تردّ بها الفصائل الفلسطينية، وذلك بقنص جندي إسرائيلي على حدود قطاع غزة ما تسبب بمقتله، وفق محيسن. وذلك السلوك الذي اتبعته الفصائل الفلسطينية بغزة لم يكن دارجاً من قبل، إنما جاء كردة فعل على السلوك الإسرائيلي بقتل الفلسطينيين. وتابع محيسن:" الفصائل الفلسطينية أوصلت لإسرائيل رسالة من خلال قنص الجندي، الجمعة، أنها بإمكانها قنص الجنود، وبالتالي فإن قتل الفلسطينيين غير مسموح، وهذا مكسب رئيسي من المواجهات الماضية". مكاسب أُخرى يعتقد محيسن أن كلا الطرفين جنيا مكاسب حتّى وإن لم تكن كاملة، فقد تحققت بشكل جزئي من خلال جولات التصعيد المتكررة. ويقول محيسن، إنه على صعيد إسرائيل فقد حققت نتائج إيجابية، ذلك إن صحّت الأخبار التي تتحدث أن "وقف إطلاق النار الأخير بغزة يشمل الطائرات والبالونات الحارقة". وكان مسؤول إسرائيلي، قد أعلن السبت، أن وقف إطلاق النار الأخير يشمل وقف الطائرات الورقية والبالونات الحارقة. وقال المسؤول، مفضلًا عدم نشر اسمه، في بيان أرسلت الحكومة الإسرائيلية نسخة منه إلى الأناضول: "تكبدت حماس أمس (الجمعة) ضربة قوية وطلبت من خلال الطرف المصري وقف إطلاق النار، والتزمت بموجبه بالكف عن إرهاب الحرائق وتنفيذ العمليات على السياج الحدودي". بينما شبان فلسطينيين أطلقوا، يوم الأحد من الأسبوع الفارط، بالونات حارقة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة. بدوره يقول خلدون البرغوثي إن إسرائيل تسعى من خلال جولات التصعيد المتكررة "للمحافظة على الوضع الحالي بغزة دون تحقيق حركة حماس لأي مكاسب؛ رفع الحصار أو التخفيف منه"، في ظل الحديث عن المبادرات الدولية لتحسين الأوضاع الإنسانية بالقطاع. كما تحاول إسرائيل، وفق البرغوثي، خلق "فجوة بين المواطنين الفلسطينيين وحركة حماس، كونها سلطة الأمر الواقع كما تسميها إسرائيل بغزة". ويتابع:" إسرائيل تزيد من الأزمة الإنسانية بغزة وتحمّل حماس المسؤولية، ويشار إليه الرسائل التي يبثّها أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، حيث يوجه رسائله للفلسطينيين بهدف تحميل حماس المسؤولية عن الازمة الإنسانية بالقطاع". في ذات السياق، إسرائيل تحاول، بحسب البرغوثي، من خلال جولات التصعيد على غزة، "مراكمة أكبر كم من الإنجازات للمساومة على حل الأزمة الإنسانية بغزة مقابل تحقيق تنازلات من حماس تتعلق بالأسرى والجثث لديها، ووقف استهداف إسرائيل". يتفق معهما، يقول جهاد حرب الكاتب والمحلل السياسي إن إسرائيل تهدف من خلال جولات التصعيد المتكررة على قطاع غزة، لإبقاء "الوضع الحالي من حصار على ما هو عليه، وبدون مسائلة دولية". وتنشغل إسرائيل حالياً في الجبهة الشمالية (سوريا ولبنان) ما يتطلب تبريد جبهة قطاع غزة والتخفيف من حدّة التوترات فيها، ما يرغم إسرائيل على القبول بتفاهمات "التهدئة"، التي تلت جولات التصعيد المتكررة. لكن قبول إسرائيل ب"التهدئة"، لا يعني بحسب "حرب"، أن الأمور آخذة بالانفراج بغزة، بل ستبقى إسرائيل محكمة لحصارها كما أنها تريد أن يكون لها اليد العُليا في التعامل مع القطاع من الناحية العسكرية؛ وهذا ما تحاول جنيه من التصعيد. من جانب آخر، يقول حرب:" جولات التصعيد تعيد أوضاع قطاع غزة على طاولة المجتمع الدولي، خاصة وأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في القطاع يوشك على التفجّر". الرغبة في "التهدئة" من جانب آخر، يرى المحللون الثلاثة أن قبول كل من "حماس" وإسرائيل للدخول في تفاهمات وقف إطلاق نار تُفضي للتهدئة في قطاع غزة، يشير إلى أن كلا الطرفين غير راغبين في الدخول بمعركة عسكرية جديدة. وبحسب تقديرات أمنية، فإن "حماس" وإسرائيل ظروفهما الداخلية غير جاهزة أو مستعدة للدخول في مواجهة واسعة ومفتوحة، وفق المحللين. كما أن إسرائيل، بحسب المحللين، تركّز خلال الفترة الحالية على الملف الإيراني وعلى جبتها الشمالية (السورية واللبنانية)، ولا تريد أن تفتح جبهة أخرى في قطاع غزة، لكن ذلك لا يعني عدم تعاطيها مع مخرجات أو تهديدات القطاع الآنية. وفي حال نجاح التفاهم الأمريكي الروسي فيما يتعلق بالساحة السورية، والذي من شأنه أن يؤمّن الحدود الشمالية (سوريا ولبنان) لإسرائيل، ، يعتقد المحللون أن إسرائيل قد تدخل في معركة بغزة . *وكالة أنباء الأناضول