احتضنت مدينة مونتريال، مؤخرا، اختتام جولة "مهرجان أجي تهضم"، التي انطلقت من مدينة فاس لتنتهي بين أبناء الجالية المغربية بمقاطعة كيبيك. العروض ضمت العديد من الفنانين الكوميديين المغاربة، أمثال باسو وإيكو وهيثم مفتاح ويسار والثنائي الذي يتشكل من الفنان أمين بنغازي (خبير في التدبير والتسويق) والفنان عبيد الله (طبيب أمراض القلب والشرايين). وقد اختار هذا الثنائي الأخير، بالموازاة مع عمليهما، الارتماء في عالم المسرح والفكاهة. في هذا الحوار، يقدم الثنائي الفكاهي قصة انطلاق مشوارهما الفني وطريقة اختيارهما لمواضيعهما مع شرح أسباب تناولهما بشكل ساخر وهزلي مواضيع ما زالت تعتبر طابوها في المجتمع المغربي. وسيتحدث ضيفا هسبريس من مونتريال عن قراءتهما للحقل الفني الكوميدي في المغرب، وعن طباعهما الشخصية بعيدا عن الخشبة. ما مناسبة وجود الثنائي عبيد الله وأمين (les inqualifiables) بكندا؟ نحن جد سعداء بوجودنا في كندا مع جمهورنا من أبناء الجالية المغربية، سواء في مونتريال أو مدينة كيبيك، في إطار اختتام الدورة الرابعة من مهرجان "أجي تهضم" الذي يشارك فيه عدد من الفنانين الفكاهيين المغاربة.. حقيقة هو إحساس جميل أن نلتقي لأول مرة مع جمهورنا بمونتريالوكيبيك، ما منحنا طاقة إيجابية رائعة للاشتغال أكثر وأكثر.. وقريبا، سنعود إلى كندا من أجل تقديم عروض أخرى. لماذا اختيار نموذج الثنائي في أعمالكم الفنية؟ الفكرة جاءت بعد تجربة لنا في "عرض للمواهب الشابة"، وقد تولدت طاقة إيجابية بيننا؛ وهو ما حمسنا للإيمان بإمكانية أن ننجز عملا ثنائيا. وبعد ذلك قدمنا أول عرض لنا كثنائي تحت عنوان "من أنت؟".. وهكذا، بدأت مسيرتنا.. فوق الخشبة، الحمد لله، هناك تفاهم وتوافق فني بيننا، وحتى في مراحل الكتابة نستثمر قدراتنا للوصول إلى أفكار جيدة، ومع الوقت اكتشفنا أن الاشتغال كثنائي أهم من الاشتغال الفردي، وقوة أعمالنا تكمن في اتحاد أسلوبينا في التفكير. كيف يختار الثنائي les inqualifiables المواضيع التي يشتغل عليها؟ اختيارنا للمواضيع هو نابع من أسلوبنا في الاشتغال فوق الخشبة، وهو مرتكز على العبث، ونسعى إلى تشكيل طابع خاص بنا، يؤسس على الملاحظة وإعادة تقديم كل ما نراه في حياتنا اليومية بشكل ساخر وهزلي.. نحن نسعى دائما في مواضيعنا إلى الاقتراب من مواضيع قد تعتبر من "الطاوبوهات" دون السقوط في ما يمكن أن يخدش الحياء أو مشاعر الآخر… فنحن دائما نبحث عن الجودة والإتقان في ما نقدمه ومن خلاله نطرح، ونناقش المواضيع التي نراه جديرة بالتناول. لكن هناك ملاحظات حول جرأة بعض مواضيعكم؟ مؤكد أن بعض المواضيع التي نتناولها قد تبدو مختلفة، كأن نناقش مثلا قضايا مثل الجنس أو الدين أو المخدرات في الوسط المجتمعي؛ فنحن نحاول من خلال عروضنا في بعض الأحيان أن نطرح موضوع التربية الجنسية مثلا.. نعلم أن الحديث عن الجنس في ثقافتنا يبقى "طابوها"، ويدخل في إطار ما يسمى "حشومة"؛ في حين أن التربية الجنسية هي أساس تكوين شخصية الإنسان، ونحن نحاول ما أمكن فتح نقاش في هذه القضايا من أجل الحديث عنها حتى تصير أمرا عاديا. ما قراءتكم للحقل الفني الكوميدي في المغرب؟ حقيقة أنه في السنوات الأخيرة عرف المغرب انتقالا كبيرا في أساليب الفكاهة والكوميديا التي عرفتها الساحة الفنية المغربية، ونحن في تطور جد مهم. بدورنا، ننتمي إلى موجة شابة جاءت بجديدها، بأسلوبها ومواضيعها، وهناك انفتاح على الغرب، دون أن نغفل ما وفرته الثورة التكنولوجيا في مجال التوصل بالأنترنيت، خصوصا "فيسبوك" و"يوتوب" اللذين أعطيا فرصة كبيرة لمواهب فنية مغربية للكشف عن مهاراتها.. وهذا ما يظهر أن الشروط التي كان يشتغل فيها فنانون كوميديون سابقون ليست هي نفسها ظروف وإمكانيات فناني اليوم.. وهذا لا يعني أن كل من يقدم منتوجا أمام كاميرا عبر الأنترنت فهو جيد، فلابد من العمل والإتقان في اختيار المواضيع والأسلوب. وأضيف أن على الفنان الاستفادة من كل الفرص والظروف التي تتاح له بشكل جيد. كيف توفقون بين العروض الفنية وإكراهاتكم الوظيفية؟ الواقع أن المهنة تستنزف الفن والفن يستنزف المهنة…ولا بد أن نقبل بهذا الواقع، فليس من السهل الاشتغال على مسارين مهمين في حياتك في نفس الآن، الفن والمهنة، وما يتطلبانه من تركيز وتضحية وإيمان. وبالنسبة لنا كثنائي، هناك إكراه الزمن وإيجاد الوقت المناسب لنا من أجل التفرغ للإنتاج والكتابة، والحل كان هو وضع تصور مضبوط للعمل يوفق بين ما هو فني وما هو مهني ووظيفي، دون أن ننسى كذلك علاقاتنا العائلية؛ لكن حينما نكون مهوسين بفن معين فلا بد أن نجد له وقتا.. الحمد لله نحن راضون على النتائج التي وصلنا إليها، بالرغم من ظروف العمل الخاصة بكل واحد منا. ماذا عن مستقبل "أجي تهضم"؟ "أجي تهضم" هو في اختتام دورته الرابعة، وقد انتقل من عرض إلى مهرجان.. انطلق من فاس وانتهى بمدينة مونتريال، في إطار جولة شارك فيها العديد من الفنانين. وقد لاقى المهرجان تجاوبا مهما داخل المغرب وخارجه، خصوصا أن هناك نقصا كبيرا في مثل هذه التظاهرات. وإن دورنا كفنانين هو أن نعرف بالفن وبالثقافة المغربية في الخارج، وأن نتواجد في الساحة الفنية بما هو جديد. إن شاء الله هناك دورة خامسة وتجربة فنية مستقبلية نعد لها؛ لكن في أي قالب؟ وأي شكل؟ لم يتضح بعد، خصوصا أن إكراهات العمل جد قاسية. هل بالضرورة الفنان الساخر فوق الخشبة هو ساخر في حياته العادية؟ من الصعب أن تفصل بين شخصيتك الحقيقية وبين شخصيتك في الخشبة، فلا يمكن أن تكون فنانا فكاهيا فوق الخشبة إن لم تكن لك مؤهلات وملكات فكاهية في حياتك اليومية. وبالنسبة لنا كل المواضيع التي نتناولها فوق الخشبة هي نفسها التي نتناولها بروح النكتة، سواء مع أصدقائنا أو في حياتنا اليومية؛ لكن وقت العمل والإنتاج فلابد من الجدية والصرامة، لأن الوقت لا يسمح بغير الجدية. وبالنسبة لي (عبيد) كطبيب متخصص في أمراض القلب لا بد من قسط مهم من الجدية في عملي، وبالتالي فسلوكي في المستشفى مع زملائي وأساتذتي ليس هو نفسه مع أصدقائي أو فوق الخشبة.. ولا أنكر أن روح النكتة والدعابة تساعداني كثيرا في علاقتي مع المرضى. وفي النهاية، أحب أن أختم بالقول أن في الفكاهة الكثير من الجدية.