طريقة غريبة وذكية يعتمدها بعض النصابين للإيقاع بضحاياهم وسلبهم أموالهم وممتلكاتهم، هي "النصب بالسماوي" كما يُعرف في الوسط الشعبي المغربي، وهي عملية سرقة يُسيطر بواسطتها لصوص محترفون على وعي وتفكير الضحية لإخضاعها للتنويم باستعمال وسائل متعددة، أقرب ما تكون إلى وسائل الخداع والسحر والشعوذة. ويلفُّ هذا النوع من الاحتيال والنصب الكثير من الغموض؛ إذ يتمكن المُحتال من إخضاع الضحية، دون شعورها، لأمره والنصب عليها. وتنتشرُ قصص ضحايا "النصب بالسماوي" بالمغرب بشكل لا يُمكن حصره، ويُصرح أغلبهم بعد وقوع الحادث بأنهم كانوا في لحظة النصب عليهم تلك خارج وعيهم. تنويم الضحية يحكي حجاجي، مواطن مغربي قاطن ببلجيكا، عن محاولة للنصب عليه تعرض لها يوم دخوله المغرب؛ إذ حاصره رَجلان رغبا في الحديث معه، قَدّما له نفسيهما على أنهما أيضا من الجالية المغربية المقيمة ببلجيكا وينويان الذهاب إلى الرباط. يقول حجاجي في تصريح لهسبريس: "وصلتُ إلى طنجة على الساعة الرابعة صباحا. قدم نحوي شخصان، وبعد دردشة عن مكان استقرارهما ببلجيكا، أخبراني بأنهما خائفان من ظلام المكان، وذكر لي واحد منهما كل المعطيات المتعلقة بوجهتهما في الرباط بدقة، ولم أقدر على الشك في أي معطى، وذهبنا جميعا". ويضيف المتحدث، الذي اعتبر نفسه ناجيا من محاولة للنصب عليه، "ركب الرجلان سيارتهما وسبقاني، وبعد قطع مسافة طويلة، توقفنا لاحتساء قهوة، بعدها حاولا التكلم معي بطريقة غريبة، فأحسست بنوع من العياء والارتخاء والتعب والتخدير. قاومت ذلك، وبعدها أحسست بالخوف، فذهبت لأغسل وجهي، وأدركت حينها أنه حدث لي تنويم لم أنتبه له، وكنت سأكون ضحية". ذكاء وسذاجة يعتمدُ المحتالون على طرق تُفقد الضحية الوعي، فتقدِّم لهم كل أموالها وممتلكاتها. ويُرجعُ بعض محللي الظواهر الاجتماعية ظاهرة النصب ب"السماوي" إلى إحساس الضحية بالسذاجة، وفقدان الوعي بعد التعرض ل"السحر" أو ما يعرف ب"الطلامس" في لحظة يفقدون فيها الوعي، فيقدمون ما يملكون للسارق. علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع، يرى أن "النصب بالسماوي من الظواهر الخطيرة التي بدأت تنتشر كثيرا في المجتمع المغربي الراهن، والتي تصطاد الضحايا عن طريق استدراجهم واستعمال التحايل والتنويم المشابه للتنويم المغناطيسي من أجل السرقة وسلبهم نقودهم وممتلكاتهم". وأضاف الشعباني، في تصريح لهسبريس، أن "وسائل الإيقاع بالضحايا قد تتشابه؛ إذ يعمد من يقومون بالسماوي إلى التأثير على الضحايا باللجوء إلى ذكر بعض الأماكن أو المعارف التي يعرفونها، وباستعمال التأثير اللفظي الذي قد يبهُرهم ويقنعهم بما يدعونه ويوقعهم في حبالهم، وبالتالي سرقتهم". وبخصوص علاقة الظاهرة بعمليات السحر، أوضح الشعباني أن "الكثير من الضحايا يحكون عن التأثير السحري عليهم إلى درجة عدم القدرة على المقاومة، فيسلمون أموالهم ومجوهراتهم عن طواعية، ولا ينتبهون إلى ما قاموا به إلا بعد فوات الأوان". ونبّه أستاذ علم الاجتماع إلى خطورة هذه الظواهر التي "تدخل في عمليات النصب والاحتيال والسرقة باستعمال الحيلة والكثير من المكائد، والأخطر في هذه الظاهرة هو أن المستعملين للسماوي يستغلون ثقة الضحايا وأحيانا سذاجتهم وعدم القدرة على توقع العواقب التي تكون أحيانا كارثية، والكثير من الضحايا يقعون نتيجة الطمع أو الجشع عندما يتبين لمستعمل السماوي أن الضحية لها قابلية لتقبل ما يعرض عليها من امتيازات وأرباح وهمية". "المجتمعات التي يسود فيها التواكل وعدم الاعتماد على الذات والرغبة في الربح السريع بدون بذل أي مجهود، يسهل استدراج مواطنيها كما يسهل الإيقاع بهم، وخاصة عندما يضعون كل ثقتهم في من لا يعرفونهم جيدا ولا تربطهم بهم أيه علاقة، لا في العمل ولا في أي مجال آخر"، يقول الشعباني، ليستنتج بناء عليه أن "ضحايا النصب والاحتيال عن طريق السماوي هم في الحقيقة ضحايا أنفسهم، هم أشخاص وضعوا ثقتهم في غير محلها". التعويض عن الضرر يشتكي ضحايا "النصب بالسماوي" من فقدان ممتلكاتهم وأموالهم، ويلجأ البعض منهم إلى القضاء لعرض قضيته أمام المحاكم بحثا عن إمكانية التعويض عن الضرر. عبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، قال إن "القانون الجنائي لا يخصص موادا أو إطارا قانونيا لهذه الظاهرة التي انتشرت بشكل كبير في المغرب، وسبق عرضها أمام النيابة العامة". وأوضح الشنتوف، في تصريح لهسبريس، أن "الذي يحدث أنه في النيابة العامة تتم المتابعات، ويتم تكييفها على أساس أنها نصب حسب الفصل 540 من القانون الجنائي، وهذا الفصل يتكلم عن الجنحة، وفيه عقوبة حبسية من سنة إلى خمس سنوات، وفيه مجموعة من صور هذا النصب، وبعض الصور قد تنطبق على ما يسمى بالسماوي، منها استعمال الاحتيال للإيقاع بشخص في الغلط، بتأكيدات خاضعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره، وهذه الصور قد تحوي ضمنها هذه الظاهرة المسماة السماوي". ولمحاصرة النصب ب"السماوي" من الجانب القانوني، قال المتحدث إن "المُشرع يجب أن يكون على أُهبة الاستعداد للتدخل عندما يصل الأمر إلى ظاهرة معينة معروضة على المحاكم"، موضحا أن "الردع الجنائي الآن لا يتحقق، ربما لأن العقوبة مخففة بالمقارنة مع جسامة الأفعال التي ترتكب، لأن الأمر يتعلق بجنحة فقط". من جهته، يرى لحسن بن ابراهيم السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيراتتمارة، أن الأشخاص الذين يتّبعون طريقة "النصب بالسماوي"، هم "مشعوذون ودجالة يستعملون وسائل النصب، ومنها قضية استعمال بعض الوسائل لتغييب تركيز الإنسان، وهذا يدخل في إطار النصب، وهو حرام لأنه اعتداء على الإنسان، على عقله وذاته، ثم استعمال تلك الوسائل لأخذ ماله". وأضاف السكنفل أن "الأصل هو أن مال الإنسان لا يحل إلا بطيب نفس منه، وكل عملية كيفما كانت، سواء ظاهرة، كالغش أو التدليس، أو خفية، كالتي يقوم بها هؤلاء المشعوذون والمخرّفون والدجالون باستعمال وسائل قريبة من السحر، فهي حرام، على اعتبار أنها اعتداء على الإنسان في عقله وجسمه، ثم اعتداء على ماله". *صحافية متدربة