هل عبَّرَ أحدُ أصدقائكم عن إعجابه بالسرقة التي تعرَّض لها؟ وكان معجبا بالطريقة التي سَلبت منه أموالَه التي تعب في جَنْيِّها؟ نَاسياً أو مُتناسياً أنها قُوتُ يومه وزرقُ أولاده؟ إنها الحقيقةُ المُّرّة التي عبّر عنها المثلُ المغربي «الهمُّ يُضْحك»، إنها سرقة «السماوي»، حيث يقوم شخصٌ بتوقيف المَّارة مُدّعيا أنه سيُخبرهم بما يُخبّئُهُ لهم المستقبل، وبفعل العقلية المغمورة بالشعوذة، يتوقف الضحية، مُتمنياً أن يُخبره الأخر بما يخفيه لهُ القدرُ من أسرار، فلعل المستقبل خيرٌ من الماضي والحاضر، وبعد دقائق من اللقاء، يُسلم الضحيةُ ما بحوزته من المال سواء قَلَّ أو كثُر، وبعد لحظاتٍ من ذلك، يستيقظ من غفلته فيجد ماله قد سُرق، ولا يعلم كيف تم ذلك!! "" فهل تطورت السرقةُ في المغرب لدرجة تَعريض بعض الناس لما يُسمَّى بالتنويم المغناطيسي؟ أم العقلية المؤمنة بقدرة السحر الخارقة، انقادت وراء اللاطبيعة فعلاً؟ الرباط : " التنويم المغناطيسي حالةٌ يوحي بها مختصّ، وتُستعمل للتغلب على بعض الاضطرابات العُصابية وليست الدّهانية، والاضطراباتُ نوعٌ من التّبعثر المتفاوت الأهمّية بالنسبة لشخصية الإنسان، فكما للشخص تكوينٌ جسدي فله تكوينٌ نفساني، تَدخلُ فيه مجموعةٌ من المعطيات، حيث يكون نوعٌ من العراك بين المكوّنات اللاشعورية التي تخرج منها شخصيةُ الإنسان، وكيفما كان نوع العراك فيجب أن يكون فيه نوعٌ من التوازن، وإذا لم يكن هذا التوازن، تظهر اضطرابات. والتنويمُ المغناطيسي يشفي هذا النوع من الاضطرابات.... كما يذهب الناس إلى الأضرحة والمشعوذين، فيذهب الاضطراب، فليس الفقيه هو من يعالج، ولكن تكوين الإنسان الذي له ثقة بفهم نوع من التفكير، فيفهم الإيحاء الموجه إليه من الشخص، فيذهب الاضطراب، لكنه يظهر بطريقة أخرى ، فهذا العلاج شعوذة، لأن الدين يعترف بالطب، والنبي لم يكن يُشفي... والراجح أنه ليس تنويما مغناطيسيا، قد يكون مجرد انبعاث لمخدّر يحمله اللص، وليس تنويما مغناطيسيا لأن هذا الأخير يتطلبُ الكثير من المعرفة، وهو علم عميق، والناس الذين يستعملون التنويم، لايستغلونه، بل يهدفون به إلى مساعدة المريض على التخلص من الاضطراب كمرحلة أولية للعلاج... والتنويمُ لينجح، لا بُدّ للمُتلقّي أن يكون عالما بحدوث التنويم، وألا تكون مقاومة، ويتم إخبار المريض بالتفاصيل وماذا نريد أن يتذكره بالضبط عندما يكون نائما والهدف منه، ولكنه لا ينجح إذا كانت هناك مقاومةٌ من المريض أو رفض... ولا ينجحُ التّنويمُ مع الجميع، بل يسهل الإيحاء لنوعين من الشخصيات هما: الشخصية الهستيرية، وهي سهلة الإيحاء ومن السهولة أن توحي لها ، وهي تُصدق بسهولة، وإذا علمت هذه الشخصيةُ الهستيرية أن الشخص يقوم بتنويمها المغناطيسي فمن السهولة أن تخضع له. وكذلك الشخصية التي تعاني من الخوف بدون سبب، وهذا النوع من الشخصيات تبحث دائما عن الإعلان عن نفسها في مجموعة من الحالات، وهي يسهل معها الإيحاء، لأنها تبحث دائما عن تبرير لمخاوفها، وربما لن يخضع شخصٌ أخر للتنويم المغناطيسي... فالتغييرات التي تطرأ في مجموعة من الأمور، والمتعلقة بتطور المجتمع بامتيازاته وصعوباته ومساوئه، ومنها تطور أسلوب السرقة، والتسول وغيرها من طرق الربح الغير مشروعة، والسماوي هي طريقة جديدة للسرقة تعتمد على الذكاء، فالسرقة تغيرت أساليبُها، والحلُّ يكمن في كون النظام الأمني لديه السلطة الكافية لحماية الناس...». هذا ما يوضحه الباحث الاجتماعي محمد فاضل رضوان بالدار البيضاء: «إذا كان لكل عصر خرافاتُه ومشعوذُوه ودجّالوه... وإذا كانت للأقدمين أساطيرُهم المرتبطة بالآلهة والأرواح وقوى الخير والشر، فإن للمعاصرين أيضًا أساطيرُهم. وحتى ربط الظاهرة بالجهل والأمية والتخلف، لا يبدو أمرا حاسما في تحليلها وضبط مساراتها، فإذا كان من الطبيعي أن تنتعش ظاهرةٌ من هذا القبيل في بلد يُصنَّف في خانة البلدان المتخلفة كالمغرب، فإن الرسائل التي تتوافدُ على بريدنا الإلكتروني باستمرار من قبل عرّافين ومُشعوذين من دول الشمال والمواقع المتخصّصة للدجالين والمشعوذين الغربين، الذين يعرضون خدمات شبيهة بتلك التي يعرضها دجّالُو الأسواق الشعبية في المضمون إن لم يكن في الشكل، تُحيلُ على أن الظاهرة ليست مرتبطة بالتخلف الثقافي أو الاقتصادي، إلا بشكل نسبي للغاية بقدر ما هي مُلازمة للوجود الإنساني. فالشعوذةُ كسلوك لا يتأسّسُ إلا انطلاقا من اعتقاد المتلقّي بقُدرة أفراد معيّنين في ظروف معيّنة على اختراق القوانين المحددة للكون والحياة، والإتيان بظواهر خارقة وخارجة عن المألوف، قد تجد تجلياتها في ممارسات كثيرة ذات صبغة علاجية مثلا كما هو الشأن بالنسبة للتداوي على يد من يُسمُّون أنفُسَهم بالمعالجين الروحانيين أو طاردي الأرواح، أو الوقوع ضحية نصب من لدُن أشخاص يدّعون العلاقة بعوالم خفية، كما وقع بالمغرب في حالات كثيرة، حيثُ عُرضت أمام المحاكم وادّعى فيها أشخاصٌ علاقتهم بأرواح وعوالمَ سفليةٍ تُسهّل عليهم استخراجَ الكنوز من باطن الأرض... التعاطي معها في تقديري لا ينبغي أن يقتصر على السلوك الذي يقوم به المشعوذ، لأنه غالبا ما يحتمل تأويلا نفعيا، لأن الأمر يتعلق في الغالب باستغلال المتلقين وسلبهم أشياءهم وممتلكاتهم، بل على التعاطي مع سلوك وتفاعل المتلقين الذين يعتقدون بقدرة المشعوذين الخارقة، فيوفّرون بالتالي التربة الصالحة لازدهار الظاهرة، انطلاقا من التصديق بها إلى الدرجة التي تجعلها تتحول إلى واقعة، فيصبح للمشعوذ بالفعل قوى خارقة تشل تفكير المتلقي وتجعله طوع أوامره وطلباته. أما عن سُبل محاصرتها فمن البديهي أن تتّخذ مساريْن: الأول: يُشتغل على الممارسة ذاتها من خلال محاصرتها أخلاقيا وقانونيا، بالنظر إلى أنها ليست في نهاية المطاف سوى شكلا من أشكال الغشّ والتدليس والنّهب، الذي تدينُه التشريعات الأخلاقية، وتجرّمه التشريعاتُ القانونية أما الثاني: وهو الأهم فيتعلق بالإيمان بالشعوذة، كمعتقد تمليه الشروط العامة التي تشكلت فيها الذهنية على كافة المستويات وتتطلب تجاوزه أو على الأقل التخفيف من حدّته، فترة قد تقاس بعُمر المجتمعات أكثر مما تقاس بعمر الأفراد».