وضّحت الناشطة الحقوقية لطيفة البوحسيني أسباب توقيعها على نداء تعليق مقاطعة حليب سنطرال، بعد اللقاء بالمدير العام للشركة، قائلة: "اعتبرنا أنه سيكون مفيد جدا أن نستغل ونستثمر مقترح هذه الشركة بشكل إيجابي من أجل الضغط وتقوية المقاطعة بخصوص الشركتين الأخريين اللتين ظلتا صامتتين ومتعجرفتين دون التفاعل بأي طريقة كانت". وتعليقا على ردود الفعل بعد انتشار نداء "تعليق" المقاطعة متضمنا أسماء الموقعين عليه، اعتبرت البوحسيني أن هدف "ذوي النيات السيئة والمُبيّتة هو ضرب رمزية بعض المناضلين وسمعتهم، والمساهمة في إفقاد الثقة في ما تبقى من الناس المدافعين عن قضايا حقوق الإنسان بشكل عام، وقضايا الديمقراطية وكل ما يهم وطننا". وأكدت الناشطة الحقوقية ذاتها، في هذا الجزء الثاني من حوارها مع هسبريس، أن الأشخاص الذين اتهموها ب"الخيانة والارتزاق" لا يهمونها، لأنهم، بحسب تعبيرها، "يلعبون في الماء العكر ويتصيّدون كل الفرص ليلعبوا فيه، وهم معروفون". وإليكم نص الجزء الثاني من الحوار: استغربَ الكثير من المواطنين الذين انخرطوا في حملة "المقاطعة" توقيعكِ على بيان شركة سنطرال المتعلق بوقف المقاطعة، لماذا اخترتِ إذن الانخراط ضمن الموقعين على البيان؟ أود أن أوضح أنني انخرطت في مقاطعة المنتجات الثلاثة عمليا منذ بداية المقاطعة، أي بعد أسبوع من إطلاقها من طرف أشخاص مجهولين على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". انخرطت باسمي الشخصي والعائلي وبصورتي وبرصيدي، وبكل الاهتمام والعنفوان والإيمان بأن هذه المقاطعة هي فرصة مهمة تتاح لنا كمغاربة من أجل التعبير، إذا شئنا القول، عن غضب وعن احتجاج ورفض لما تعيشهُ بلادنا على كل المستويات. شخصيا، المقاطعة كانت فرصة للتعبير عمليا عن رفضنا لسياسيات عمومية في مجالات مختلفة، وأخذنا كمثال مقاطعة بعض المنتجات، وانخرطت فيها بإيمان وما زلت منخرطة فيها بالإيمان نفسه الذي حذاني منذ الوهلة الأولى. ماهي إذن الأهداف التي دفعتكِ إلى الانخراط في المقاطعة منذ بدايتها؟ أعتقد وبكل تواضع، أنني كنتُ من بين المناضلين والمناضلات ومن بين الأطر والحقوقيين الذين انخرطوا ليس فقط من أجل ترويج الفكرة في حد ذاتها، بل السعي إلى التفكير فيها ومناقشتها وتأطيرها، وطرح عدد من المقترحات بخصوصها، والتفكير فيها كآلية جديدة نعبر من خلالها عن احتجاجنا الحضاري والجميل في بلدنا. وبالتالي، منذ البداية، كنت أشعر، وأعتقد بأن الكثير منا كان يشعر، بأن هذه المقاطعة لا يمكن أن نتركها بدون تفكير وتأطير، وعندما أقول تأطير لا أقصد الرغبة أو الإرادة في فرض تأطير ما، فقط اقتراحُ ما كنتُ أفكر فيه وأعتبره مقترحات تصلح للنقاش وللدفع بأن نجعل المقاطعة لحظة مهمة للتفكير في الآليات المختلفة التي من شأنها أن تجعلنا نتقدم ليس فقط في الرفض ولكن في طرح مطالب وبدائل بخصوص قضية الاستهلاك والأثمنة وقضية السوق، وفي ما بعد التفكير في القضايا المرتبطة بهذا الأمر. سبق هذا النداء نداء أول كنا قد عمّمناهُ على وسائل الإعلام، في الأسبوع الأول من شهر يونيو، وكنا مجموعة من المناضلين والمناضلات الفاعلين في الساحة قد التقينا وناقشنا المقاطعة واعتبرناها شيئا رائعا وآلية جميلة تعبر في حد ذاتها عن نفَس المغاربة وتشبثهم بالرغم من كل الانكسارات، وبالرغم من كل ما تم من قضاء على آليات الوساطة في بلدنا، وعمليا إفقاد الثقة في الشأن السياسي والحزبي، ومن أجل بناء الديمقراطية والاستقرار. توقفا عند فكرة التفكير في المقاطعة، هل كان التفكير أيضا حول مستجدات استمرار هذه الحملة؟ اعتبرنا أنه يجب أن نلتقط هذه اللحظة بشكل إيجابي وننخرط فيها بقوة ونسعى ما أمكن إلى تحصنيها من أي منزلق سلبي قد تسقط فيه؛ لذلك أصدرنا نصا أوليا بداية شهر يونيو نعبر فيه عن انخراطنا وننبه فيه إلى ضرورة الحرص على المنزلقات التي يمكن أن تذهب بالمقاطعة، وفي الوقت نفسه قلنا إن هذا يتطلب منا جميعا أن نبقى منخرطين ومتتبعين ويقظين ومتفاعلين مع ما يمكن أن يستجد في الساحة بخصوص المقاطعة. فكان المستجد هو نزول المدير العام لشركة سنطرال، الذي جاء إلى المغرب والتقى بالمواطنين والمستهلكين المغاربة وناقش معهم، وهنا لا بد من التنبيه إلى أنه لم يسع إلى لقاء أي جهة حكومية، لأنه، كما قال بالحرف، جاء لينصت للمقاطعين وليعبر عن احترامه لهم وللمقاطعة، وعبّر بالملموس على أنه يحترم رفض المغاربة للأسعار التي كانت تطبقها هذه الشركة، ولحق المستهلكين في أن يرفضوا هذه الأسعار. وقد عبّر عن تعهدات والتزامات بخصوص تخفيض الأسعار أولا، لكن أكثر من ذلك، فقد تعهد بمراجعة طريقة تدبير عملية تركيب الأثمنة، بإشراك المنتجين والمستهلكين بالشكل الذي يجعلهم يقدمون اقتراحاتهم. طلب مهلة واعتبرنا ذلك مستجدا، وقد قلنا في النص الأول إنه يجب أن نبقى يقظين وأن نتفاعل مع المستجدات، وبالنسبة لنا هذا مستجد إيجابي، لقد تعهد والتزام بأنه سيخفض الثمن، ولكن طبعا ضروري من الوقت، لأن هذه العملية تتطلب ذلك. تكلمتِ عن الشركة الأولى المعنية بالمقاطعة وهي شركة حليب سنطرال، ماذا عن باقي المقاولات التي شملت المقاطعة منتجاتها؟ اعتبرنا أنه سيكون مفيد جدا أن نستغل ونستثمر مقترح هذه الشركة بشكل إيجابي من أجل الضغط وتقوية المقاطعة بخصوص الشركتين الأخريين، اللتين ظلتا صامتتين ومتعجرفتين دون التفاعل بأي طريقة كانت. وقد لاحظنا أن شركة المحروقات لم تتنازل عن عجرفتها وكبريائها وبقيت في موقفها، أما شركة "سيدي علي" وفي محاولة تواصلية من طرفها، أصدرت بلاغا تعبر فيه عن استعدادها لتخفيض الثمن شريطة أن تخفض الدولة الضريبة على القيمة المضافة، ومعناه أن الشركة تعبر بوضوح أنها غير مستعدة لأن تتنازل عن أرباحها، بل أرادت أن تحمل الحكومة قضية تخفيض الثمن، ومعناه أن يتحمل ذلك المغاربة، وأعتقد أن هذا مقترح اللامقترح، ويوحي أنه يريد أن يتقدم في حلحلة المشكل لكنه في الحقيقة خطوة إلى الأمام بغية التراجع خطوات إلى الوراء. هاتان المقاولتان هما مقاولتان وطنيتان، ولا يمكن ألا ننتبه إلى الفرق في التعامل بين شركات متعددة الجنسيات وشركات وطنية، كيف تعاملت الشركة متعددة الجنسيات والشركة الوطنية التي يبدو أنه ليس لها من الوطنية إلا الادعاء، أما احترام المغاربة الذين انخرطوا بقوة في المقاطعة وأبدعوا أشكالا حضارية جميلة جدا، فأقل شيء هو الانتباه لهذا الزخم، وانخراطهم القوي في المقاطعة، وعلى الأقل كان حري بالشركتين أن تعبرا على جزء ولو يسير من وطنيتهما، وتتعاملا مع المغاربة بالاحترام الذي يستحقونه. هدفنا من النداء أن يظهر أن هناك تفاعلا إيجابيا وفرقا في التعامل بين الشركتين وهذه الشركة، ويظهر رسالة واضحة أننا متشبثون بالمقاطعة، بل يجب أن نمنحها وهجا وأن نعطيها نفسا جديدا، وأن نشتغل على إمكانية منحها زخما أكبر مما كانت عليه بالنسبة للمقاولتين الأخريين. ماهي الهواجس التي انشغلتم بها وقد انخرطتم في المقاطعة والتعبئة لها بشكل مستمر؟ بالمناسبة، خلال الأسابيع الثلاثة الفارطة لم يعد أحد يتكلم عن المقاطعة، طبعا استمرت على أرض الواقع، ولكن أتحدث عن النقاش حولها وحول مآلها وما الذي نبتغيه ونتوخاه منها وكيف يمكن أن نجعلها من جديد مطروحة في الساحة، كنقاش عمومي يجعل الفاعلين، سواء الحكوميين أو المستثمرين، مضطرين للتفاعل مع معها. وهذا يبين بالملموس أننا كنا منشغلين انشغالا كبيرا بمآل المقاطعة، ولم نكن نريد أن يلفها الصمت وتموت موتها الطبيعي وتلفظ أنفاسها بعد شهر أو شهرين، أي بعد عطلة الصيف والدخول الاجتماعي والسياسي. بالنسبة لنا هذا كان نداء، وسأتوقف عند كلمة نداء، هو ليست عريضة، هو نداء لتعليق مقاطعة حليب سنطرال وليس لوقف المقاطعة، هذه مسألة لا بد من التأكيد عليها، والنداء معناه أنني أتصل بك وأناديك ويمكن أن تقول مرحبا ويمكن أن تقول لا، إما أن يكون هناك تجاوب فعلي ملموس، وإما سيكون على المقاطعين استئناف مقاطعة المادة بنفس جديد أو بشكل جديد، وبالتالي الأمر واضح، وسنستمر في المقاطعة، فقط يجب أن نعرف النفس الذي نعطيها من جديد. هل توقعتم قبل نشر النداء ردود فعل غاضبة ورافضة لانخراطكم وقبولكم مقترح شركة حليب سنطرال؟ عندما خرج النداء، كنا نتوقع أن تكون هناك ردود فعل، وإلا فالأمر غير عادٍ، بل كنا نتوقع أن تكون ردود فعل غاضبة وحتى عنيفة، وما لم نكن نتوقعه هو أن يخوض الناس في سيرة المناضلين أصحاب المبادرة، وأن نصبح بين عشية وضحاها خائنين بعدما كنا مناضلين. ردود الفعل اتهمتنا بالخيانة والارتزاق والبعد عن الوطنية وبأننا أخذنا المال دون أي دليل على ذلك. أنا أشخصيا أعتبر أن ردود الفعل هذه هي لذوي النيات السيئة والمُبيّتة، وهي ردود فعل الهدف منها بالأساس ضرب رمزية بعض المناضلين وسمعتهم، والمساهمة في إفقاد الثقة في ما تبقى من الناس المدافعين عن قضايا حقوق الإنسان بشكل عام، وقضايا الديمقراطية وكل ما يهم وطننا. وهذه الفئة، شخصيا، لا تهمني، لأنهم يلعبون في الماء العكر ويتصيّدون كل الفرص ليلعبوا فيه، وهم معروفون وسيظلون كذلك، ولا يهمونني، ما يهمني هم المغاربة المقاطعون الذين ردوا الفعل بشكل علني وغاضب. بصراحة، أقول لهم "برافو". هذا الغضب هو رسالة تؤكد تشبث الناس بالمقاطعة، وتؤكد لأصحاب القرار وللحكومة وللشركات أن المغاربة لن يتنازلوا عن هذه الآلية التي اعتبروها أداة، إذا شئنا القول، للتعبير عن رفضهم وعن احتجاجاتهم وعن مطالبهم. وأعتبر أن غضب هؤلاء مرحب به، وبالنسبة لي أعتبر أننا أعطيناهم، من خلال هذا النداء، المزيد من تأجيج الغضب، والمزيد من الاحتجاج ومن التشبث بالمقاطعة. وكمناضلة ومنخرطة بقوة في المقاطعة، لا يمكن إلا أن أعتبر أن هذا الأمر إيجابي، ونحن مسؤولون في سياق معين، لا يجب أن نتزايد على بضعنا. كيف تفاعلتِ مع الذين عبروا عن رفضهم بيان "تعليق" المقاطعة؟ بالنسبة للإخوان الذين رفضوا النداء، هذا جيد، لكن ماهي البدائل وماهي الأجوبة التي يقترحونها على سؤال مآل المقاطعة؟ شئنا أم أبينا، هذا السؤال يتطلب التفكير فيه وتقديم أجوبة، لا يجب أن نقول إنه يجب أن يُخفض الثمن وانتهى الكلام، فالشركة تعطي الجواب من خلال تعهدها، وهذا من الأخلاقيات. وهناك من يقول علينا أن ننتظر الشركة حتى تخفض الثمن، حينها سيكون الهدف قد تحقق، ولكن بالنسبة لنا كانت هذه فرصة بشكل إيجابي لكي نضغط على المقاولتين الأخريين لكي تضطرا وتُجبرا على أن تقترحا بدائل حقيقية لخفض الثمن. والشركتان معا ليس لنا معهما فقط مشكل الأسعار المرتفعة، ولكن مشكل زواج المال والسلطة ومشكل الاحتكار الفظيع. لقد تم تعطيل مجلس المنافسة الذي دوره هو ضبط عملية الأسعار، وأنا في الحقيقة، منذ البداية، كنت واعية بأن المعني بقضية زواج المال والسلطة هو "إفريقيا" و"سيدي علي". أما هذه المقاولة (سنطرال)، فهي غير معنية. فإذا بنا نجد أن هذه الأخيرة تستجيب وتنصت وتطرح بدائل حقيقية، عكس الشركتين الأخريين. بالنسبة لي، لا مشكلة بالنسبة لمن يرفض النداء أو يغضب منا، ولكن يجب أن نكون مسؤولين وفي مستوى الذكاء الجماعي الذي عبرنا عنه في لحظة انخراطنا في المقاطعة وأن نقترح بدائل حقيقية، لأنني أعتقد أنه ليس المهم أن نرفض، ولكن أن نفكر في بدائل لنتقدم إلى الأمام.