الصورة الفنان العربي اليعقوبي رفقة عمدة طنجة ينفث دخان سيجارته، ويتأمل امتداد البحر أمامه.. يتحدث بغصة في الحلق عن حاضره، ويتذكر ماضيه بإغراق كبير في الحنين.. يُبسط معاناته مع المرض والفقر والوحدة في بضع كلمات، ثم يعود لسيجارته ليتلذذ بها بنشوة.. إنه الفنان العالمي العربي اليعقوبي، الذي يعتبر من ركائز المسرح المغربي، وأحد أعمدة فرقة "المعمورة" التي أعطت أسماء كبيرة لفن الخشبة، كما أعطى هو نفسه للسينما المغربية والعربية والعالمية، بتصميمه لأزياء أفلام شهيرة كما هو الحال مع فيلم "لورانس العرب" لديفيد لين، وفيلم "الرسالة" و"عمر المختار" لمصطفى العقاد، وفيلم "الإغواء الأخير للمسيح" للمخرج سكورسيزي. أطلق العربي اليعقوبي أول صرخة له في الحياة بمدينة طنجة سنة 1930، وبين دروب هذه المدينة التاريخية، كبر وترعرع ونما حبه لخشبة المسرح وتصميم الأزياء، قبل أن يحترف هذه المهنة بفعل ولعه للممثل المصري بشارة واكيم الذي كان ملهما للعربي اليعقوبي في الكثير من أدواره. يتذكر العربي اليعقوبي بحنين جارف، بدايته مع فرقة "المعمورة" المسرحية، خصوصا مسرحية هاملت التي أدتها الفرقة سنة 1953 ولعب فيها اليعقوبي دور "روزنكراتس" وكذا مسرحية "معلم عزوز" سنة 1957 التي وضع لها الملابس، كلها أعمال مازالت راسخة في عقل اليعقوبي، الذي يتذكرها بألفة وحنين، كما يتذكر اختيار أستاذته في تصميم الأزياء، الإنجليزية "فليس دالتون" كي يقدم لها الجائزة التي فازت بها عن أحسن تصميم ملابس في أحد الأفلام سنة 1984 بمسرح "أولد فيك" بلندن. غير العربي اليعقوبي، ورغم كل الشهرة التي نالها في حياته الفنية، يعيش اليوم منعزلا في بيته المتواضع بطنجة، وسط ذكرياته وصوره التي إحداها مع الملك محمد السادس وولي العهد حينها، والعديد من الشواهد التقديرية ومقالات صحفية كتبت عن أعماله ذات يوم. لا أحد يتذكر العربي اليعقوبي، اليوم، غير أسماء من أوروبا وأمريكا وكندا تأتي خصيصا لملاقاته، في الوقت الذي يعيش فيه حيفا كبيرا في بلده، خصوصا وانه يعاني من أمراض مزمنة وفقر مدقع، دفع عمدة طنجة فؤاد العماري في الكثير من الأحيان للتدخل لدفع فواتير الماء والكهرباء التي كانت متراكمة عليه، ومعالجة الوضع المادي المزري لهذا الفنان الكبير الذي يعيش في زاوية سكون رهيبة. ماذا ينقصك اسي العربي: يسأله موفدا "هسبريس" إلى طنجة ليجيب: "هذا أخر الشهر خصني باش نخلص البيسري". شيء قاس أن يختزل فنان كبير كما هو حال العربي اليعقوبي معاناته في دراهم معدودة لدفع ثمن ما يأكله. شيء قاس أن يدير لك الزمن ظهره ويظلمك الوطن، رغم أن اليعقوبي يُقر في لحظة جلد للذات، أن نفسه هي من ظلمته، متمنيا لو اختار مهنة نادل لكان ذلك أفضل له!