تسير حركة الأرض وتطورها وفق نظامٍ طبيعيٍ ومتوازنٍ يسمح لمن يعمرها بالاكتفاء الذاتي. تتضافر كافة العوامل، من مصادر المياه الجوفية ومكونات التربة ونسبة الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وتنوع الكائنات الحية، لضمان الحفاظ على التوازن المثالي للأرض: ولا يتحول هذا التوازن أو يحيد عن مساره أبدا، ما لم يحدث تدخل خارجي ليعبث بنظامه المُحكم. لنأخذ على سبيل المثال منزلًا للنظر في مكوناته، بدءا بحجم نوافذ المنزل، ونمط العزل الحراري على الجدران وكمية الوقود المستخدمة للحفاظ على دفء المنزل، نجد أن جميع هذه العناصر متناغمة لضمان حياة الأسرة في أحسن ظروف ممكنة، فلو قام شخصٌ ما بكسر نوافذ المنزل وعبث بمعلومات نظام التدفئة، لتهاوى التناغم السائد ولم يعد ممكنا الحفاظ على الظروف المثالية في المنزل، هذه هي بالضبط حالة الأرض في واقعنا اليوم، حيث بدأ توازن الأرض الطبيعي يتحول بسبب عوامل مثل الاحتباس الحراري وإساءة استخدام الأراضي الزراعية وسلوكيات هدر المنتجات. على مدى ال 100 سنة الماضية، ارتفع متوسط درجة الحرارة في جميع أنحاء العالم بنسبة 0.7 درجة، ويعود سبب هذا الارتفاع إلى التغير في نسبة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، أي أكسيد الكربون CO وثاني أكسيد الكربون CO2، وأوكسيد النتريك NO، وثاني أوكسيد النتريك NO2. تتسببُ الغازات الدفيئة، وخاصة ثاني أكسيد الكربون في تسخين الأرض من خلال تغطيتها على شكل بطانية عملاقة. ويؤدي استخدام الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم، وانخفاض الأراضي الحرجية، والانبعاث المستمر لغازات العادم إلى تراكم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. ووفقا لتقارير بحثية، حتى لو توقف انبعاث الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي من الآن فصاعدا، فإن درجة الحرارة العالمية سوف تستمر في الارتفاع بين 0.5-1 درجة مئوية على مدى العقود المقبلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة. ويتسبب التغير المناخي في تغيرات ملحوظة في تساقط كمية الأمطار وكذلك في درجة حرارة الهواء والتربة والمياه. وتظهر هذه التغيرات في العديد من المناطق، في شكل أحداث مناخية غير طبيعية مثل العواصف العاتية والفيضانات ودرجات الحرارة العالية والجفاف الشديد، وهذه التغيرات الجسيمة في الغلاف الجوي تؤثر بدورها على الأراضي الزراعية، مما يهدد الحياة على الأرض. ويتوقع العلماء أنه بحلول عام 2050، لن يتمكن ما بين 2 و5 بلايين من سكان الأرض من الحصول على ما يكفيهم من الغذاء بسبب تغير المناخ. يُسبب الجفاف والفيضانات، وهما مؤشران بارزان عن تغير المناخ، إتلاف المحاصيل الزراعية قبل أوان الحصاد، وينجم عن ارتفاع درجة الحرارة إصابة الأراضي الزراعية بمختلف الآفات الحشرية ويتطلب المزيد من الري، الأمر الذي يؤدي إلى نضوب مصادر المياه الجوفية، وفي الوقت نفسه، تتطلب التربة الضحلة المزيد من الأسمدة، مما يسفر عن تلوث المياه الجوفية. وحتى إن لم تؤد كل هذه العوامل السلبية إلى خسارة كاملة في الغلة، فإنها تتسبب في انخفاض إجمالي في الجودة والقيمة التغْذوِية؛ وتزيد من صعوبة معالجة وتخزين هذه المنتجات، ومثلما يعلم الجميع، مع انخفاض كميات أي منتج من المنتجات، ترتفع الأسعار، ويصبح من الصعب الحفاظ على التغذية الصحية. تكتسي جميع هذه التطورات المترابطة أهمية بالغة، وسبب ذلك أن دخل 80٪ من سكان العالم يعتمد اليوم على الأحوال الجوية بطريقة أو بأخرى (2)، وبالتالي فإن التغيرات الكبرى في الطقس ستقوض قدرة الناس على زراعة أراضيهم، مما سينجم عنه تضرر 80٪ من سكان العالم من هذه التغيرات. في ضوء ذلك، يتفق العلماء على ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة للحيلولة دون حدوث مزيد من التدهور في التوازن الطبيعي، ومنع تزايد مشاكل الجوع الناتجة عن هذا الاختلال في الظروف المناخية، وفي هذا الصدد، يُعتبر التحكُم في انبعاث غازات الدفيئة في الغلاف الجوي من الأولويات التي يجب اتخاذها دون مزيد من التأخير، ومن نافلة القول أن هذا لا يعدو كونه جانبا واحدا فقط من المشكلة والطريقة الكفيلة بحلها. يبلغ عدد سكان العالم اليوم 8 بلايين نسمة تقريبا ولا يزال العدد في تزايد و1.3 بليون طن من أصل 4 بلايين طن مُنتجة سنويا تهدر ويلقى بها في النفايات، ولا يبدو أن المسؤولين قادرون على تفسير هذه المشاكل والحلول الممكنة في العالم، باعتبارها مسألة منفردة. لن يكون الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة كافيا لوحده في تقديم حل للمشكلة؛ فالوِقاية من التبذير، والتحفيز على استخدام الطرق التي تزيد من الإنتاجية في الزراعة، وزيادة وعي الناس، كلها قضايا أساسية أخرى ينبغي أخذها هي أيضا في الاعتبار على وجه الاستعجال. وبالإضافة إلى ذلك، بوسع الممارسات الزراعية الإيكولوجية التي تقضي على اعتماد المزارعين على الوقود الأحفوري المكلف، والبذور الصناعية، أن تزيد معدلات الإنتاج عن طريق ضمان توفير منتجات زراعية أكثر صحة وأعلى جودة. يقع على عاتقنا مسؤولية جعل العالم مكانا أفضل للعيش فيه، وذلك من خلال التصدي مباشرة للمشاكل وإيجاد الحلول النهائية دون إلقاء اللوم على الاحتباس الحرارى أو على عوامل أخرى كسبب وحيد، لأن المشكلة متعددة الأوجه، وتتطلب حلا متعدد الأوجه.