لا هدوء يَلُوح في أفق العلاقات المغربية الموريتانية، بَعْد تَنَاثُر غُبار أزمة جديدة بين بَلَدَيْن جارَين أَلِفَا بُرُودَةَ الأجواء الدّبلُومَاسية، حيْثُ ظلّت خاضعةً على الدَّوام لحوادث واصطداماتٍ بين الفينة والأخرى؛ آخِرُها خروجُ المسؤول الأول في الخارجية الموريتانية بتصريحاتٍ أشْعلت فتيلها رِيَاحُ الأزمة بين الرباطونواكشوط، خاصةً بعد غياب الملك محمد السادس عن القمة الإفريقية، التي احتضنتها العاصمة الموريتانية مؤخرا. ويْبدُو أن غِيَابَ العاهل المغربي عن أشغال القمة الإفريقية ال31 المنظمة بنواكشوط قد استْأَثَرَ بنقاش مُستفيضٍ داخل مراكز القرار الموريتاني. ولد الشيخ أحمد، وزير الخارجية الموريتاني، لم يُخْفِ مَوْقِفَ بلاده الرسمي، وقال إن "موريتانيا بعثت دعوة إلى كل قادة الدول؛ لكن لدى بعضهم عوائق ونحن نحترم ذلك. نتمنى أن تتاح فرص أخرى يزور خلالها الملك محمد السادس موريتانيا"، وفق تصريحات نقلتها مجلة "جون أفريك" الفرنسية. ولم يتوقف تصريحُ المسؤول الموريتاني عند هذا الحدِّ، بل ذَهَبَ إلى حد القول بأن "هناك صعوبات تعتري علاقاتنا مع المغرب"، مضيفاً أن "وضعية قضية الصحراء لا يمكن أن تطول فهي تؤثر على المنطقة بشكل كامل، وتعوق بناء المغرب العربي، كما تؤدي إلى تفاقم وضعية سكان الصحراء أنفسهم". وبالرغم من أن النظام في نواكشوط يتشبَّثُ باتخاذ مسافة عن النزاع في الصحراء وتأكيده خلال السنوات الأخيرة على موقفه من النزاع بأنه "حياد إيجابي"، فإن علاقات الجبهة الوهمية بموريتانيا كانت قد اتخذت منحى خطيرا في الأشهر القليلة الماضية، بعد لقاءات الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، مع العديد من قيادات البوليساريو، ل"تثمين العلاقات وتحويلها إلى معطيات ملموسة على الأرض". عبد الرحيم المنار السليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، قال إن تَصْرِيحات وزير الخارجية الموريتاني الجديد تُوضّحُ أن "العلاقات المغربية الموريتانية في أَوْجِ أزمتها وإن كانت أزمة صامتة، فالأمر يتعلَّق بتردِّ خطيرٍ تعيشه هذه العلاقات في فترة الرئيس محمد ولد عبد العزيز". ويُبرّر الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية "تجمُّد" العلاقات المغربية الموريتانية بأنَّ "السلطات في الجارة الجنوبية لم تَعُدْ مُحايدة، وباتت تُوَظّفُ مخططا جزائرياً يستهدف المغرب"، مُوضحاً في السياق "كيف أسقطت المخابرات الجزائرية الرئيس الموريتاني في فخِّ خطير لتحول موريتانيا إلى ورقة توظف ضد المغرب". وكشف أستاذ العلاقات الدولية، في تصريح لجريدة هسبريس، عن أن "المخابرات الجزائرية وظَّفت "عرافاً" موريتانياً يُروج لخرافة مفادها أن "الرئيس الموريتاني إذا صافح الملك فإن حُكْم الرئيس ولد عبد العزيز سينتهي في موريتانيا"، قبل أن يورد بأن "هذه الخرافة جعلت السلطات الموريتانية تبتعد عن المغرب". ويعود المحلل ذاته إلى ما يَصِفُه مخططات الجارة الشرقية التي تنسِّقُ في تحركاتها مع الرئيس الموريتاني، وقال إن "الجزائر شرعت في نقل مجموعة من الصحراويين من مخيمات تندوف نحو الشمال والشمال الشرقي الموريتاني. وقد شجع هذا الوضع على تزايد نشاط البوليساريو في المنطقة العازلة؛ ذلك أن السلطات الموريتانية كانت تزود سيارات الجبهة التي تقطع المنطقة العازلة بالمحروقات، بما فيها سيارة ابراهيم غالي". "ولم يقف الرئيس الموريتاني عند هذا الحد؛ بل إنه عمل على تحويل أجندة مؤتمر الاتحاد الإفريقي الأخير في نواكشوط ليكون مؤتمر أجندة ضد المغرب، بدعم من موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي لتمرير تقريره حول الصحراء في أشغال القمة بتواطؤ واضح مع الجزائري إسماعيل شرقي"، يضيف الخبير المغربي. ومقابل تأكيده أن "الرئيس الموريتاني لم يَعُدْ محايداً وإنما طرفاً يناور ضد المغرب"، تابع السليمي "الجزائر والبوليساريو نجحتا في تقسيم الموريتانيين إلى "موريتانيين مغاربة" و"موريتانيين جزائريين"، ويزداد هذا الانقسام أكثر؛ لأن الحكم الموريتاني لم ينتبه إلى أنه يغير هوية الموريتانيين الذين تربطهم علاقات عائلية وتاريخية وحضارية وثقافية وسيكولوجية بالمغرب.