معظمنا يعرف أسطورة سيزيف الذي حكم عليه كبير آلهة الإغريق زيوس، حيث أراد أن يخدع إله الموت ثاناتوس، وعوقب بحمل الصخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، عند وصوله بالصخرة إلى أعلى الجبل تتدحرج إلى الوادي ثم يعود لحملها، وبقي سيزيف هكذا، نتيجة لمكره وخداعه. اليوم نحن نعيش تراجيديا الريف، أو إن صح التعبير منذ فجر التاريخ والريف في صراع مع المأساة، وكأنه أيضا عوقب بحمل المأساة في كل ربع قرن 1921_1958/1959_1984_2011_2017. إن استحضرنا زيوس والعقاب الذي ناله يمكن أن نتعاطف معه نظرا لنوعية العقوبة، بالرغم من خداعه ومكره اللذين يطغيان عليه، لكن باستحضارنا للريف، نسأل: هل الريف ماكر؟ هل هو مخادع؟ أو بالأحرى هل من المنطقي أن نطرح مثل هذه الأسئلة على الريف؟ بإجابة منطقية يشهد عليها العدو قبل الصديق، فإن الريف صادق وشجاع، مثل النحل ولو قام بلدغك، فإنه يضع عسلا، دائما سباق إلى قول كلمة الحق، لا ينافق، لا يخدع، وحتى في حكاياته الشعبية وضع الثعلب رمزا للمكر، وفي أبشع الصور الاستفزازية، وفي الواقع غير مرحب به. الريف لم يخدع أحدا، بل خدع، نعت بأشنع الصفات، اغتصب، قتل، في الأخير لم ينفع معه إلا أن يعتقل بتاريخه وحاضره ومستقبله، والأهم في هذا هو التاريخ. هل تصدقون معي بأن هذا التاريخ قد اتخذ الجبال مسكنا، ماسكا لبندقية متهرئة، وعدة قليلة، وأصر أن يحاضر في فن المقاومة لأعظم دولتين إمبرياليتين حقيرتين، وهل تصدقونني أكثر بأن هذا التاريخ حكم عليه في سنة 2018 بعشرين سنة لكل صانعه؟ نعم كل الصحف والقنوات العالمية تتحدث عنه وتستنكر اعتقال هذا الوطن، للأسف إلا صحفنا وقنواتنا، نظرا لبعد الريف عن المركز، في المقابل نجدها تندد وتستنكر ما تمارسه فنزويلا ضد المتظاهرين، شيء غريب، أو بالأحرى فينزويلا قريبة للمركز. إنه لمن الغريب والعبثية أن يحاكم وطن إن سألتم عن جريمته وجدتم ورقة مطلبيه لا تحمل مضمونا تحريضيا ضد وحدة هذا الوطن، أو تهديدا لسلامة وأمن دولة هذا الوطن، بل ورقة كتبها شعب بمداد الذل والإهانة والهوان، لم يجد غير هذه الورقة لكي يرفعها في وجه السلطة، مطالبا بمستشفى، وجامعة، ومناصب شغل للحد من البطالة، لا أكثر من هذا. سيزيف نال عقابا على مكره، والريف نال عقابا على صدقه، هذه المفارقة العبثية، كمقارنة عالم الأسطورة بالحقيقة، ستقولون لي إنه لا مجال للمقارنة ولا تصح بتاتا، لكنني متيقن من أن الريف يحمل في كل يوم، وساعة، ودقيقة، وثانية، مأساة أو مآسي، مثل سيزيف الذي مازال إلى يومنا هذا يحمل الصخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، والريف يحملها بين ثنايا تاريخه. يقول ألبيرت كام: "لا أبغض العالم الذي أعيش فيه ولكن أشعر بأنني متضامن مع الذين يتعذبون فيه... إن مهمتي ليست أن أغير العالم فأنا لم أعط من الفضائل ما يسمح لي ببلوغ هذه الغاية، ولكنني أحاول أن أدافع عن بعض القيم التي بدونها تصبح الحياة غير جديرة بأن نحياها ويصبح الإنسان غير جدير بالاحترام". وكذلك الريف لا يبغض هذا الوطن، وإنما قام ليناضل على بعض القيم التي تشكل التوازن المجتمعي، من غيرها لن نصبح...، أو كما قال المرحوم مصطفى البعزاتي: "نكاد نخاف أن نصبح..."، أن نصبح على مجتمع ينهش نفسه، متجرد من الاحترام، والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. للمرة الألف في تاريخ الريف، يلقن درسا في فن الحرب لكن هذه المرة بسلاح السلمية، مستمر في ممانعته لأي شكل من أشكال الاستبداد والظلم، وللمرة الألف يدحرج صخرة المأساة ليسلمها للجيل القادم.