عادتْ أجواءُ التوتّر من جديد لتُخيِّمَ على مدينة إمزورن، بعدما شنّت السلطات الأمنية، أمس الخميس، حملة اعتقالات وصفتها مصادر حقوقية ب"الواسعة"، طالتْ نشطاء في الحراك الشعبي بالمدينة التابعة لإقليمالحسيمة؛ على خلفية وقفة احتجاجية كان من المزمع تنظيمُها في اليوم نفسه، إلا أن السلطات الأمنية تدخَّلت لتُجهض خطوة النشطاء الريفيين. وذكرت مصادر حقوقية أن "إقليمالحسيمة شهد حملة اعتقالات وصفتها ب"الواسعة"، طالت عددا من النشطاء المحليين، الذين كانوا يستعدون لتنظيم أشكال احتجاجية منددة بالأحكام التي أصدرتها محكمة الدارالبيضاء في حق الزفزافي ورفاقه، مشيرة إلى أنه "تم عرض أربعة معتقلين على المحكمة الابتدائية بالحسيمة أمس الخميس، فيما اعتقلت القوات الأمنية 14 ناشطاً بمدينة إمزورن". وذكرت المصادر ذاتها أن "السلطات الأمنية انتشرت في وقت مبكر من الأربعاء الماضي في عدد من المواقع بالمدينة، لمنع أي شكل احتجاجي قبل أن تشرع في اعتقال عدد غير محدود من نشطاء الحراك إثر تدخلات مختلفة". وأضافت "منذ الثلاثاء الماضي باشر الأمن حملات عشوائية استهدفت ما لا يقلُّ عن 30 ناشطاً محليا". وفي الوقت الذي أكد مصدر أمني، في تصريح لهسبريس، أن "الأمر يتعلق بحالات معزولة لا علاقة لها بالحراك في إمزورن"، سجّل محمد البوجندي، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالمدينة ذاتها، استمرار ما وصفها بخروقات وانتهاكات حقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق في الاحتجاج السلمي، مشيرا إلى أن "إمزورن أصبحت ساحة للمواجهة المفتوحة بين السلطات الأمنية والمحتجين، خاصة بعد الإعلان عن الأحكام الجائرة في حق المعتقلين". وأضاف "أمام هذه الأحكام كان من الطبيعي أن يخْرُجَ النشطاء إلى الساحات من أجل التعبير عن رفضهم أحكام المحكمة، إلا أن القوة العمومية قامَتْ بقَمْعِ المُتظاهرين حتى قبل نُزولهم إلى الشارع". وأكد البوجندي، في تصريحه لجريدة هسبريس الالكترونية، أن "المنطقة عاشت حصاراً أمنياً رهيباً خلال الأيام القليلة الماضية"، مشيرا إلى أنه "كانت هناك استعدادات مُكثفة من أجل قمع وإخماد أيَّ شكل احتجاجي بإمزورن؛ فقد أصبح التظاهر السلمي من قبيل المحرمات وكأننا نعيش حالة استثناء غير معلنة في الإقليم". وفي سرده لتفاصيل أحداث الأربعاء، قال البوجندي إن "القوات الأمنية داهمت المقاهي والمنازل، وشرعت في اعتقالات عشوائية من أجل ترهيب المواطنين للحيلولة دون أن يقوموا بأي شكل احتجاجي ضد الأحكام والأوضاع في منطقة الريف". من جانبه، أقر محمد اليعقوبي، وهو فاعل جمعوي بإمزورن، بأنَّ الوضْع في المدينة متردٍّ ولم يتغير منذ بداية الحراك". وأضاف أن "الأحكام جائرة ولا تعكس الواقع الحقيقي، حيث لم تتم الاستجابة لمطالب الساكنة المحلية، خاصة في إمزورن. هناك اعتقالات عشوائية مست المئات من المواطنين والنشطاء الحراك الذين يرفعون مطالب اجتماعية بسيطة". واسترسل البوجندي قائلا: "إن تمادي الدولة في السير بالمقاربة الأمنية إلى مداها يشكل خطرا على الحريات ويعمّق الأزمة"، مضيفاً أن "إمزورن نالت القسط الأوفر من الاعتقالات التي باتت تستهدف مناضلين منتمين إلى إطارات سياسية ونقابية، آخرها توقيف أهباض نصير، عضو فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالمدينة، وعضو حزب النهج الديموقراطي والجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية". بدوره، كشف سعيد المدني، الكاتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي فرع إمزورن، في تصريح لهسبريس، أن "الاعتقالات ما زالت مستمرة إلى حدود الآن، حيث تم اعتقال ما يناهز ثلاثين ناشطاً، من بينهم الناشط السياسي أهباض نصير". ونقل المدني صورة قاتمة عن الوضع في المدينة الريفية، وأكد أن "المنطقة تعيش ردة حقوقية، حيث كان هناك من يتوهم بأن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ستفتح باباً للمصالحة، لكن لا شيء تغيَّر، فسنوات الرصاص لا تزال قائمة و"المخزن" مازال يتعامل مع ساكنة الريف بعقلية أمنية، فكل تحركاته محكومة بهاجس أمني". وقال ناشط آخر في "حراك إمزورن" إن "الأحكام الصادرة في حق المعتقلين تمثلُ جريمة في حق الإنسانية، استُغلَّ فيها القانون وحرم من خلالها النشطاء من الحرية". وأضاف أن "ساكنة الريف متعطشة للحرية وحاسة بالحكرة ولا تريد الدخول في مشاكل مع الدولة، ليس خوفاً وإنما تأمل في البراءة وتخاف على هذا الوطن". وتابع "هناك ترهيبٌ كبير يُمارس في الريف وتراجع مهول على مستوى المُكتسبات"، مضيفاً "لم نعد نطالب بالمستشفى والمدارس فقط، وإنما أصبح عصب مطالبنا يدور حول إطلاق سراح كل المعتقلين". وأشار إلى أن "الدولة تتجه إلى تجويع أبناء المنطقة ودفعهم إلى الهجرة ومغادرة الريف لكننا سنتصدى لكل هذه الأفعال". وكانت مدينة إمزورن، حسب ما نقلته وسائل إعلام، شهدت ليل الثلاثاء الأربعاء، تجمعات احتجاجية إثر صدور الأحكام. وتحدثت صحف محلية عن إضرام النار في مدرسة إعدادية. وأكدت السلطات المحلية لوكالة "فرانس برس" نبأ إضرام النار في مدرسة إعدادية دون "تأكيد ما إذا كان الحادث يرتبط بالأحكام الصادرة" في محاكمة قادة الحراك. وقد فتح تحقيق لتحديد أسباب الحادث.