يحمل الطعام أهمية عاطفية كبيرة بالنسبة للشعوب وبالأخص العربية التي نظرا لكون أغلبها يدين بالإسلام فقد تتطلب بعض المواصفات الخاصة في الطعام الذي تتناوله، خاصة اللحوم وأن تكون مذبوحة وفقًا للشريعة الإسلامية. وشاركت في كأس العالم 2018 بروسيا أربعة منتخبات عربية هي مصر والسعودية والمغرب وتونس، وتوفرت في عدة مدن لمشجعيهم،أو بالأصح من بحث منهم فرصة تناول الطعام "الحلال" كما يُطلق عليه باللهجة الدارجة. وكانت موسكو وسان بطرسبرج، عاصمة الإمبراطورية الروسية القديمة، أكثر مدينتين وفرتا هذا الخيار للجماهير التي بحثت عن مثل هذه المواصفات في الطعام، لكن أجواء بعض المطاعم حملت قدرا من المفاجآت. ففي أحد الشوارع الرئيسية بقلب العاصمة موسكو على سبيل المثال يظهر "مستر فلافل" الذي يقدم نفسه كمطعم لبناني للوجبات السريعة ولديه قائمة متنوعة تضم بعض الأطباق العربية التقليدية مثل الفلافل والشاورمة بأسعار في المتناول. وقال أحمد، مصري الجنسية، من أمام المطعم "والله الواحد بيتنقل كتير عشان موضوع الأكل الحلال. صحيح المنتخب مكملش في البطولة، بس مش هنموت من الجوع. أنا موجود لحد دور ال16. كان عندي أمل في التأهل، لكن راح ويمكن عشان كده بأكل طعمية". وبعيدًا عن "مستر فلافل" يظهر مطعم "شيخنا أيفا" الشيشاني الصغير الذي يقدم وجبات صغيرة متنوعة من المطبخ الشيشاني بأسعار أيضًا في المتناول. ويحمل المطبخ طابعًا شعبيا، وربما لهذا لم يُلاحظ فيه وجود عربي وهو ما أكده أحد سائقي التاكسي الشيشانيين ويدعى مختار الذي صف سيارته بالقرب من المطعم لتناول الطعام حيث صرح ل(إفي) "هو مطعم لا يعرفه الكثيرون. في مرة أو مرتين ركب معي زبونان عربيان وتحدثنا عن الأكل الحلال وجئت بهما إلى هنا، لكن عادة لا يأتي له سوى الشيشانيين". وأضاف مختار "لا يأتي الكثير من الأجانب إلى روسيا عادة إلا للدارسة أو العمل. مسألة السياحة هذه لم تكن كثيرة وظهرت مع كأس العالم". وفي جانب آخر من المدينة يظهر نوع آخر من المطاعم "الحلال" ينتمي إلى المطبخ الأوزبكي. اسم المطعم، الواقع في شارع حيوي، بكل بساطة هو أوزباكستان لكن تصنيفه أعلى من "مستر فلافل" و"شيخنا أيفا" ويظهر هذا في ديكوراته ومقاعده التي تشبه أجواء القصور وطاقم العاملين الذي ارتدى الزي التقليدي الأوزبكي. وتوفر قائمة المطعم خيارات متنوعة من الأكل "الحلال" التي تنتمي لعدة مطابخ منها الأوزبكي والفرنسي وحتى الإيطالي، بل وأيضا العربي، لكن أكثر ما يلفت الانتباه هو ارتفاع أسعار قائمة المطبخ العربي فعدة أطباق صغيرة متنوعة من "المَزة" يصل سعرها إلى نحو ثلاثة آلاف روبل أي 50 دولار تقريبا، فيما أن سعر "حجر الشيشة" يصل إلى نحو 25 دولار. وفي لقاء ل(إفي) مع سالم، وهو زبون سعودي بهذا المطعم قال "يا أخي والله ما تفرق معنا نأكل أكل عربي. المهم إنه يكون حلال. قلت أخوض تجربة جديدة وطلبت أطباق من المطبخ الأوزبكي". وتظهر في القائمة بعض المأكولات الأوزبكية التقليدية مثل الخبز المستدير وحساء الماشخوردا المكون من تشكيلة متنوعة من الخضروات والأرز وقطع من لحم الضأن ويشبه نوعًا ما حساء "الحريرة" المغربي، ومشويات الضأن المعروفة باسم "شاشليك". وعلى الرغم من أن المطعم يوفر قائمة من المأكولات الحلال إلا أن قائمته في نفس الوقت تقدم مجموعة متنوعة من النبيذ والشمبانيا والجعة والفودكا بخلاف وجود عروض رقص شرقي لتسلية الزبائن، وهي الأمور التي وفقا للتفسير الإسلامي تُحرمها الشريعة. وبين رائحة المشويات ودخان الشيشة وصوت اصطكاك الملاعق والأشواك تخرج راقصة روسية كل نصف ساعة أو 45 دقيقة لتؤدي وصلة من الرقص الشرقي على أغنية عربية. وقالت الراقصة الروسية أنستازيا، التي أدت فقرتها على أغنية "بشرة خير" التي يغنيها المطرب الإماراتي حسين الجسمي بلهجة مصرية "ذهبت إلى مصر من خمس سنوات. أعجبت بالرقص الشرقي. تعلمته هنا في مدرسة للرقص والآن أعمل به. حلمي أن أكون محترفة رقص شرقي في مصر". وبنفس المواصفات تقريبا يظهر مطعم باكو الأذربيجاني في أحد الميادين الرئيسية بمدينة سان بطرسبرج، لكنه كان يحمل مفاجأة أخرى من نوع مختلف وهي وجود مطرب مصري يعمل به. وخلق المطرب، الذي رفض الإدلاء بتصريحات ل(إفي) أجواء موسيقية هائلة، بأداء أغنيات بالعربية منها "يا حلوة يا شايلة البلاص"، التي رقصت عليها بعض عميلات المطعم من الروسيات، وأغنيات أخرى بالإنجليزية والفرنسية والروسية. وحول هذه الأجواء قال المصري محمد إبراهيم المتواجد في المطعم "والله كانت مفاجأة من كل اتجاه. أكل حلال جديد وناس بترقص ومطرب مصري في سان بطرسبرج والمنتخب خسر من روسيا، بس الحمد لله. على الأقل الأكل مش غريب أوي على معدتنا". لكن المغربي أحمد جروندي كان له رأي آخر حيث قال ل(إفي) بالقرب من منطقة المشجعين في مدينة سان بطرسبرج من أمام كنيسة "الدم المسفوح" إنه لا يفضل تناول الأكل في المطاعم لأنه لا يضمن أن تكون اللحوم حقا مذبوحة وفقا للشريعة الإسلامية، لهذا يلجأ لتناول أنواع مختلفة من الأجبان أو المأكولات البحرية إن استدعت الضرورة. واشتكت بعض الجماهير المصرية في مدينة فولجوجراد من عدم توافر أي خيارات كثيرة في المطاعم وليس فقط الحلال، حيث صرح المشجع المصري كريم ل(إفي) بعد يوم من هزيمة مصر من السعودية بهدفين لواحد وتوديعها المونديال بصفر من النقاط "معدتي تقريبا فيها صفر زي صفر المنتخب، بس خلاص قريب هنرجع لأكل ست الحبايب"، في إشارة إلى والدته. يشار إلى أن الشيخ روايل عين الدين رئيس مجلس المفتيين الروس كان قد أكد مؤخرا في مقابلة صحفية إنه بحلول عام 2020 فإن عدد المسلمين في روسيا سيصل إلى 25 مليون نسمة، مع العلم بأن تعداد روسيا حاليا نحو 144 مليون و300 ألف نسمة. *إفي