لم يكن ظهور القنوات الإذاعية الخاصة بعد تحرير المجال السمعي البصري كله إيجابيات، وعسل في عسل على طول الخط، فقد شوش على هذا النصر المبين ظهور كائنات هلامية عجيبة على الأثير استغلت فراغ المغامرة الجديدة، وحاجة المحطات المستحدثة إلى إذاعيين وصحافيين أو من يملأ صمت ساعات البث ضجيجا. وهكذا استغل البعض هذه الحاجة في فرض أنفسهم "بزز" على المستمعين. والتشويش على أثير الإذاعة بالصوت الهجين والكلمة "غير الطيبة" والمفردات الجارحة يرمون بها يمينا وشمالا. ولنا في المدعو "بهلول" (الصورة) على محطة "شدى إف إم" أبلغ مثال. إذ وجد ضالته في برنامج يحمل اسم "كولها وارتاح" لكنه لم يكن يقول شيئا يذكر أو يريح أحدا من المستمعين. فقد استغل صاحبنا مدة البرنامج المباشر ليصفي حساباته التلفزيونية ويقع خبط عشواء في كل من يزعج قريحة بهلول العالية، ويقلق حسه الفني وأفكاره المتنورة! وحتى بعض المواضيع الجادة والهادفة يفرغها من محتواها بجميع أشكال الوقاحة والنزق والخفة. وبهلول الذي يقدم وصلة من "الهضرة" يبدؤها ب"اسمع اسمع بهلول كايبدع" كل صباح، هو في الأساس خريج لمدرسة الفشل المسماة "15 سنة و15 موهبة" برنامج المسابقات الذي قدمته القناة الثانية بمناسبة 15 سنة على ميلادها، إلا أن بهلول الذي لم يكلف احد من المشاهدين نفسه إرسال "إس إم إس" للتصويت عليه خرج من نافذة التلفزيون ليدخل من باب الإذاعة، وهناك من يقول إن "مبدع كورال السلسلات التلفزيونية" و"نجم الكومبارس" فيها دخل عالم الإنتاج أيضا وأسس شركة تحمل اسم "عزام عار" أو عزام آر". ولم يقف طموحه الشجاع عند هذا الحد بل دخل دروبا جديدة وسلك دهاليز بعيدة. فإذا كنت تريد أن تخسر قضية فضعها بين يدي أحمد عزام، وإذا أردت أن تفقد ملفا فكلف به أحمد عزام، وإذا فكرت يوما في محاربة الشغب في الملاعب الرياضية فآخر ما يمكن التفكير فيه هو أن يغني نجم النجوم وقدوة الجيل الصاعد أحمد عزام أغنية في الموضوع. فإذاك لن يقتصر الشغب على الملاعب فحسب بل سيمتد إلى البيوت بتكسير المشاهدين لأجهزة التلفاز والأواني والأثاث. وسيسقط مرور بهلول كما هو الحال في الحلقة الأخيرة من برنامج "مسار" الذي يقدمه الإعلامي عتيق بن شيكر، ضحايا من مرضى السكر وضغط الدم، وذوي القلوب "الهشيشة"، دون أن ننسى الأعراض الجانبية للتقزز والغثيان. لقد عرفنا على مدى سنوات أسماء إذاعية وازنة صنعت دفء الأثير وخلقت روابط حميمة مع المستمع، مثل محمد البحيري والمرحوم أليفي حفيظ وغيرهما، لكننا لم نسمع قط بمثل ما يجري اليوم من خزعبلات وترهات ما أنزل الله بها من سلطان. فأصبحنا ضحايا مراهقة إذاعية يومية واستعمال المايكروفون ضد الجار والجزار والصحافي والمعلم والبقال وكل من أراد صاحب سلطة المذياع. "" عن مدونة جمال الخنوسي