لعل أكبر المستفدين من الوضع الاعلامي المغربي الجديد وخاصة السمعي منه، بعد دخوله مرحلة التحرير، هو المستمع بحكم التغيير الجذري في مضامين الاذاعات مقارنة مع الوضع السابق للإذاعة الوطنية. ولعل التفاعل المباشر مع المستمع المغربي كان اكبر تغيير عرفه الجيل الجديد من الاذاعات الخاصة التي تجاوزت احتكار الميدان من قبل اذاعات سابقة، وهي راديو ميدي آن راديو دوزيم وراديو ساوا التي ظهرت دون قانون منظم لها. إلا ان هذه المحطات الاذاعية، وبعد سنوات قليلة على ظهورها، عرفت عدة انتقادات على المستوى المهنية والمضمون. الاطار العام للمحطات الاذاعية مع مطلع الالفية الثالثة قام المغرب بإصلاح القطاع السمعي البصري من خلال إحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بموجب الظهير الشريف رقم 212 102 والذي صدر في 31 غشت .2002 وتركزت في رفع احتكار الدولة على هذا القطاع وضمان التعددية والتنوع الثقافي واللغوي وتحديث القطاع العمومي، وتشجيع الإنتاج الوطني، وتمكين الفاعلين الخواص من الاستثمار في هذا المجال، مع تنويع العرض. وبموجب ذلك أصبح المغرب يتوفر على عشرين محطة إذاعية خاصة متنوعة تسيرها جهات اقتصادية وسياسية ذات نفوذ في المجتمع والدولة. وتنقسم هذه الإذاعات إلى إذاعات ذات تغطية متعددة الجهات، واذاعات ذات تغطية جهوية. غير ان معظم هذه المحطات الاذاعية ترتكز في المدن الكبرى، خاصة محور الدارالبيضاءالرباط الذي يعرف تجاذبات اقتصادية ومؤسساتية، وإن كانت الهاكا التي لها المسؤولية في منح التراخيص تحرص على التوازن في التوزيع على مجمل التراب الوطني. ومن هنا جاء دور الاذاعات الجهوية التي تعتمد سياسة القرب مع المواطن ومحاولة الاستماع الى قضاياه وهمومه وتطلعاته اليومية (الاحواض الجديدةالدارالبيضاء الكبرى / بني ملال/ الجديدة /فاسمكناس/ الصويرةآسفي / كلميم باب الصحراء)، انطلاقا من ان الجهة كما قال احد اصحاب هذه المحطات الاذاعية ستصبح قطبا محوريا في المشهد الإعلامي الوطني، باعتبار ان لها مكانة محورية في العملية التنموية الشاملة. على ان اهم ما ميز هذه المشاريع التي تعتمد على رفع مداخيل الإشهار التجاري مصدرا اساسيا للحفاظ على توازنها المالي، هو انخراط بعض الاعلاميين فيها مثل الاعلامي السابق كمال لحلو، المدير العام لمجموعة +كازا إف إم؛، والتهامي الغرفي، الرئيس المدير العام لمحطة +أصوات؛، وعبد الرحمن العدوي، المدير العام ل+راديو بلوس؛. وهو ما يعني استفادتهم من تجربتهم الاعلامية في القناة المغربية الرسمية، ومسايرتهم لمقتضيات تطورات العصر التقنية والمهنية. وهذا ما جعل هذه المجموعات الاذاعية تسير نحو التوسع. الهرمية الثلاثية يجب القول إنه في ظرف وجيز استطاعت هذه المحطات الاذاعية ان تستقطب اليها نسبة كبيرة من المستمعين عبر برامج راهنت على سياسة القرب والمباشرة في البث؛ انطلاقا من ان المستمع المغربي لم يعد يكتفي بالاستماع كما كان من قبل، بل يطالب بالمشاركة. هذه البرامج تسير وفق الهرمية الثلاثية : إخبار/ توعية /ترفيه. وهي الهرمية التي تبحث عن التوازن في مخاطبة المستمع، في جو من المنافسة التي تحدث الجودة. وهذا يتطلب استعدادات أدبية ولوجيستيكية وبشرية مهمة قد تثير تحديات في المستقبل. وفي اطار الانجازات دائما فيمكن التأكيد على ان المحطات الاذاعية الجديدة استطاعت ان تجعل من المستمع المغربي شريكا فاعلا في تأثيث البرامج وإسهاما في إعداد فلسفة تأطيرها، مما يضمن الحفاظ على وتيرة الارتفاع في نسبة الاستماع التي تحظى بها هذه الاذاعات، خاصة المتميزة منها. ومن الملاحظ ان هذا التصور الجديد في التعامل مع المستمع دفع بالاذاعة الوطنية إلى الانخراط في نفس الاتجاه، والمنافسة التي اصبحت نسبيا تواكب مشاغله وتستجيب لانتظاراته. ويبقى ان هذه الاذاعات الخاصة، وكما هو معلوم، محكومة بدفتر التحملات الذي توقعه مع الهاكا الذي يخولها المتابعة والمعاينة عن قرب لأهم ما يجري في البرامج الاذاعية و في مسار تدبير الموارد البشرية والتقنية في ارتباطها بمساحة البث. انجازات بتجاوزات من الأكيد ان الاذاعات الخاصة في المغرب بأجيالها الثلاثة قد أحدثت جوا من المنافسة، محققة بذلك قفزة نوعية في ميدان الاعلام السمعي وحتى البصري، لا تقل اهمية عن التحولات الكبرى التي عرفها المغرب في ميادين شتى. غير أنه بعد فترة وجيزة شهدت هذه الاذاعات الجديدة تجاوزات مهنية وأخلاقية واجتماعية ولغوية، بشهادة عدد كبير من المستمعين و الإعلاميين والمتخصصين، ولعل توجيه اللوم في الآونة الأخيرة لهذه الاذاعات من قبل وزير الاتصال خير دليل على ما وصلت اليه هذه المحطات من تجاوزات. فالعديد من الاذاعات سارت اليوم في خط تحريري تحرري لا يعير اهتماما لما جاء في دفترالتحملات ولقرارات الهاكا وإجراءاتها الزجرية التي طالت البعض منها، ولا لخصوصيات الشعب المغربي الثقافية والاخلاقية واللغوية. وقد عبر المستمع المغربي في أكثر من محطة عن استيائه مما جاء في عدة برامج اجتماعية وترفيهية لم تراع أحيانا حتى خصوصية رمضان. وهذا ما جاء على لسان العديد من الاعلاميين والمختصين كانت التجديد قد حاورتهم عدة مرات، إذ أكدوا ان المشاهد/المستمع المغربي يعيش اليوم ثورة إعلامية حقيقية شكلا ومضمونا، خصوصا على مستوى الإذاعات المستحدثة. لكن إذا كان التحول قد طرأ على مستوى الشكل؛ فعلى مستوى المضامين التي تدخل في صلب الحدق السمعي البصري، جاءت الامور مخيبة لتطلعات المغاربة لضعفها ولاأخلاقية بعض برامجها. كما ان هذه المحطات تعتمد في اغلب برامجها على اللغة الفرنسية إلى درجة أن المستمع في بعض البرامج يتحدث العربية او الدارجة والمذيعة ترد باللغة الفرنسية، بل احيانا نجد طغيان الفرنسية على البرنامج كله دون ان يكون معدا أصلا بالفرنسية، وهذا كما صرح احد المتتبعين يكرس التبعية الثقافية واللغوية لفرنسا، فضلا عن القيام بالترويج لقيم دخيلة على المجتمع المغربي المسلم. وخلاصة القول؛ فإن الابتعاد عن الهوية المغربية يظهر في الخط التحريري لهذه الاذاعات في مجملها، غير أن بعضها فيها برامج متميزة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تحركات الهيأة العليا للسمعي البصري المكلفة بصيانة هوية الجمهور المغربي إعلاميا والمحافظة على الأجيال الناشئة من معاول الهدم (انطلاقا من تصريحاتها: +الحرية يجب أن تمارس في ظل احترام الكرامة الإنسانية والقيم الدينية والنظام العام والأخلاق العامة)، كانت دون المستوى المنشود مقارنة مع حجم المخالفات والتجاوزات الأخلاقية والثقافية التي تمارس على المواطن المغربي، من قبل هذه الاذاعات، ومقارنة ايضا مع هجمات العولمة الشرسة. مما يفرض اعادة النظر في سياستها الزجرية والتقويمية. إعادة التأهيل لقد اصبح من الضروري ان تعيد الاذاعات الخاصة النظر في برامجها التي تخص المستمع المغربي مباشرة، لأنه صار يطالب بالجودة الحقيقية شكلا ومضمونا أمام المنافسة الاجنبية والعربية، لاسيما وان هناك دراسة ميدانية تفيد أن هناك بلدانا عربية متقدمة في هذا المجال مثل فلسطين والعراق ولبنان، بل ويطالب بما يحقق له حاجياته الفكرية والروحية والترفيهية. لقد راكمت المحطات الاذاعية مداخيل مهمة من خلال سوق الاشهار التي لا تراعي هي الاخرى خصوصية المتلقي المغربي، واصبحت تسعى الى التوسع، لكن دون ان توسع دائرة الإنصات إلى الاراء الأخرى، خاصة المقومة لخطها التحريري. على أن التوسع قد يؤتي بالتكرار عوض الجديد. والحل لتجاوز هو أنه لابد من اعتماد برنامج لإعادة تأهيل الموارد البشرية، خاصة المنشطين الشباب الذين هم في حاجة ماسة إلى من يذكرهم بهويتهم المغربية.