شرعت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب منذ 29 ماي الماضي في مناقشة مشروع قانون رقم 10.16 يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي الذي أحيل عليها في 27 يونيو 2016، بعد مخاض عسير عرفته ولادة هذا المشروع في المجلس الحكومي الذي انعقد يوم الخميس 9 يونيو 2016 بسبب تضمنه لفصل يجرم الإثراء غير المشروع لم تحض صيغتاه الأولى والثانية بإجماع مكونات الحكومة. هذا الفصل تم تعديله مرتين دون باقي مواد مشروع القانون، وواكبت ذلك تصريحات حادة لوزير العدل آنذاك المصطفى الرميد الذي وصل به الأمر إلى أن هدد بتقديم استقالته في حال تم استبعاد هذا الفصل من مشروع القانون المذكور، وعاد مؤخرا ليضيف بصفته وزيرا لحقوق الإنسان أن هذا التجريم هو السبب في البلوكاج التشريعي الذي عرفه مشروع تعديل القانون الجنائي. تعرف جريمة الإثراء غير المشروع لدى بعض بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط بجريمة الكسب غير المشروع، ويرجع بروز هذا التجريم على المستوى التشريعي إلى حقبة الخمسينيات من القرن الماضي حيث نص عليه التشريع اللبناني سنة 1953 وعرفته الجمهورية العربية المتحدة إلى جانب العراق سنة 1958 التي لحقت بها مجموعة من الدول عبر العالم ابتداء من الستينيات من القرن الماضي. وعلى مستوى الاتفاقيات الدولية، فقد تم لأول مرة النص على هذه الجريمة في اتفاقية البلدان الأمريكية لمكافحة الفساد الصادرة سنة 1996، ثم في البرتوكول حول مكافحة الفساد الذي تبنته المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا سنة 2001، واتفاقية الاتحاد الإفريقي للوقاية ومكافحة الفساد الصادرة سنة 2003، واتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد الصادرة في السنة ذاتها، التي لم تدخل حيز النفاذ إلى غاية 2005، ثم الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد الصادرة سنة 2010. إن تضمين تجريم الإثراء غير المشروع في مشروع القانون رقم 10.16 المعروض على البرلمان المغربي يجسد محاولة من الحكومة لتنفيذ الالتزامات الدولية للمغرب في مجال مكافحة الفساد، وهي الجريمة التي لا يعتبر النص عليها إلزاميا بمقتضى المادة 20 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد لسنة 2003 التي عرّفتها بأنها زيادة في موجودات الموظف العمومي زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا إلى دخله المشروع، غير أن هذه الصيغة لم تحض برضا كافة الدول الأطراف في هذه الاتفاقية. وفي هذا الصدد، أكدت دراسة أممية تحت عنوان "حالة تنفيذ اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد" على أن العديد من هذه البلدان قد نظرت في إمكانية اعتماد هذا النص التجريمي وبذلت جهودا حقيقية في سبيل تقييم مدى توافق استحداثها مع نظمها القانونية الوطنية، لكنها خلصت إلى أن ذلك لن يكون ملائما أو ساورتها شكوك شديدة حول ما يستتبعه ذلك من خرق على ما يبدو لمبادئ العدالة الأساسية وللقيود الدستورية وبشكل أساسي انتهاك قرينة البراءة. وقد شهدت اللجنة المعنية داخل مجلس النواب، في إطار مناقشتها لتعديل القانون الجنائي، تجاذبا حادا في ما بين مؤيد ومعارض للصيغة المقترحة لتجريم الإثراء غير المشروع، في ظل غياب أي نقاش أكاديمي وسياسي سابق أو مواكب حول الموضوع بالنظر لما له من أهمية وراهنية، خاصة ما يتعلق باستحضار الالتزامات الدولية للمغرب التي يلزم تنفيذها نظرا لسموها على القوانين الوطنية وفق مقتضيات الدستور إلى جانب استحضار التشريعات المقارنة بهدف الاستفادة من إيجابياتها وسلبياتها، خاصة ما يتعلق بالإشكالات التي يطرحها التطبيق. تطبيق القانون من حيث الأشخاص تختلف التشريعات المقارنة والاتفاقيات الإقليمية والدولية لمكافحة الفساد في تحديد الفئات الخاضعة للنص التجريمي للإثراء غير المشروع (الركن المفترض)، فمنها من حصرها في الموظف العمومي بمفهومه الجنائي كما هو الشأن بالنسبة لاتفاقية البلدان الأمريكية لمكافحة الفساد والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد (2010) والاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد (2003)، فيما أخضعت اتفاقية الاتحاد الإفريقي للوقاية ومكافحة الفساد (2003) لهذا التجريم جميع الأشخاص، سواء كانوا موظفين أم لا. وكذلك هو الشأن بالنسبة للتشريعات المقارنة فمنها ما حصر الأمر في الموظف العمومي من قبيل التشريع الجزائري والمصري والصيني، فيما البعض الآخر أخضع لذلك جميع الأشخاص ولو لم يكونوا موظفين من قبيل القانون الكولومبي والنيجيري، وكذا القانون العراقي في إحدى الحالات. أما في ما يتعلق بالمغرب، فقد نصت المادة 8-256 من مشروع القانون رقم 10.06 على اقتصار التجريم على فئة من الموظفين العموميين فقط، وهي الفئة الملزمة بالتصريح الإجباري بالممتلكات التي يناهز مجموعها 100 ألف شخص، الذين أوصى المجلس الأعلى للحسابات في تقريره حول أنشطته برسم سنة 2014 بتقليص عددهم إلى 6 آلاف (6% من عدد الملزمين حاليا) على أن يتم الاقتصار على كبار المسؤولين السياسيين والعموميين لوحدهم كأعضاء الحكومة، أعضاء البرلمان، القضاة، الموظفون والأعوان المعينون في المناصب العليا، الرؤساء المنتخبون للجماعات الترابية الكبيرة والمتوسطة ومسؤولو المؤسسات والشركات العمومية الوازنة اقتصاديا. فيما تضمنت صيغة المسودتين الأولى والثانية لمشروع القانون رقم 10.16 إخضاع جميع الموظفين العموميين انسجاما مع الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، سواء كانوا ملزمين بالتصريح الإجباري بالممتلكات أم لا. وللإشارة، فإن القانون الجنائي المغربي يجرم إحدى صور جريمة الإثراء غير المشروع التي لا تستلزم قيام صفة موظف عمومي لدى الشخص المشتبه به أو المتهم، ولا تتعلق بالمال العام، ويتعلق الأمر بالمادة 498 في الفقرة 7 التي تعاقب كل شخص "عجز عن تبرير مصادر مالية ملائمة لمستوى معيشته في الوقت الذي يعيش فيه مع شخص اعتاد على تعاطي البغاء أو الدعارة أو له علاقات مشبوهة مع شخص أو عدة أشخاص يتعاطون البغاء أو الدعارة "، وهو النص الذي يتعارض بشكل واضح مع قرينة البراءة. السلوك الإجرامي في جريمة الإثراء غير المشروع يتمثل السلوك الإجرامي في الإثراء غير المشروع وفق مشروع القانون رقم 10.16 في حيازة الموظف العمومي الملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات لزيادة مهمة في موجوداته غير مبررة بالنسبة لمداخيله المشروعة، إضافة إلى حالة وجود تلك الزيادة في الذمة المالية لأولاده القاصرين؛ ما يعني أن سلطة الاتهام يلزمها أن تثبت وجود تلك الزيادة الموصوفة بالمهمة قبل توجيه أي اتهام، أي إنها يجب أن تحوز معلومات عن المداخيل المشروعة للموظف العمومي ثم بعد ذلك عليها أن تثبت وجود زيادة مهمة في الذمة المالية غير مبررة بالنظر لتلك المداخيل، ثم كخطوة أخيرة فإنها تطالب الموظف العمومي المعني بتقديم تبرير بشأن تلك الزيادة وإلا اعتبر مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع. وهذه الصيغة جاءت لتلافي العجز الحاصل من أجل متابعة الموظف العمومي جراء حيازته لأموال ذات قيمة مهمة غير متناسبة مع مداخيله المشروعة يفترض أنها متأتية من جريمة أو مخالفة للأنظمة تكون غير معلومة، من قبيل الارتشاء أو خيانة الأمانة أو الاختلاس أو ممارسة التجارة وغيرها. ففي غير هذه الحالة، فإنه لا يمكن متابعة أي موظف عمومي راكم ثروة هائلة لمجرد أن راتبه المتواضع جدا الذي يعتبر دخله الوحيد لا يسمح له بذلك مطلقا؛ وذلك لعدم وجود نص يجرم حيازة هذه الثروة ولو كانت غير مبررة احتراما لمبدأ شرعية الجريمة والعقاب الذي ينص عليه الدستور والقانون الجنائي، والذي مفاده أنه لا جريمة ولا عقابا إلا بنص قانوني صريح. غير أن الصيغة المغربية كما هو الحال بالنسبة للصيغة الأممية تطرح مجموعة من الملاحظات لعل أهمها أنها لم تتطرق للإثراء السلبي، الذي يتمثل في نقصان الجانب المدين في الذمة المالية للموظف العمومي المعني نقصانا مهما غير مبرر بالنسبة لمداخيله المشروعة، حيث يمكن أن يعمد الموظف العمومي بدل أن يتلقى الأموال مباشرة إلى تحويلها من لدن الطرف الآخر الذي يمكن أن يكون الراشي إلى دائن الموظف العمومي مباشرة مقابل حصوله على إبراء منه، وهي الحالة التي ينص عليها قانون كل من الكويت والبارغواي والأرجنتين، على سبيل المثال. كذلك الشأن بالنسبة للحالة التي يقوم فيها الموظف العمومي بإثراء الذمة المالية لشخص آخر إلى أن يغادر الوظيفة ليتم نقلها إلى ذمته المالية، حينها ستكون تلك الزيادة المهمة في الموجودات لا تتعلق بالذمة المالية لموظف عمومي لانتفاء الصفة، ومن ثم انعدام الركن المفترض وكنتيجة انعدام الجريمة؛ لذا فإن بعض الدول عمدت إلى إطالة النطاق الزمني للجريمة إلى ما بعد مغادرة الشخص للوظيفة العمومية، من قبيل الأرجنتين وكولومبيا وباناما، والتي وصلت إلى غاية خمس سنوات. كما يطرح مشكل حين يقوم الموظف العمومي بإثراء الذمة المالية لزوجه أو أبنائه الراشدين، فبخصوص الزوج فإنه يكون بدوره خاضعا للتصريح الإجباري بالممتلكات عند الاقتضاء، وحتى لو ثبتت حيازته لأموال ذات قيمة مهمة وغير مبررة، فإن ذلك لا يفيد شيئا في اتهام الموظف العمومي بالإثراء غير المشروع لغياب الركن المادي للجريمة؛ وهو ما يشكل ثغرة في هذا المشروع. وحتى لو نص القانون على هذه الحالة، فإنه ليس من العدل متابعة الموظف العمومي لكون الذمة المالية للزوج تعرف زيادة مهمة غير مبررة إعمالا لمبدأ شخصية العقوبة، وهو ذاته ما يمكن أن يكون عليه الأمر بالنسبة للأبناء الراشدين. الأموال محل جريمة الإثراء غير المشروع وفق مشروع القانون رقم 10.16، فإن الأموال محل الإثراء غير المشروع هي ذاتها الأموال الخاضعة للتصريح الإجباري بالممتلكات، وهذه الأخيرة تتكون من العقارات والمنقولات التي تدخل في الذمة المالية للموظف العمومي الملزم بتقديم التصريح التي امتلكها أثناء فترة تعيينه أو انتخابه في المنصب المشمول بقانون التصريح الإجباري بالممتلكات، إلى جانب المداخيل المستلمة بأي صفة من الصفات خلال السنة السابقة للتعيين أو الانتخاب، وكذا التصريح بمجموع النشاطات المهنية والمهام الانتخابية عن فترة التعيين أو الانتداب. ويتضمن التصريح بهذه المداخيل وصفا لها، وتحديد تاريخ تسلمها، ثم تحديد قيمتها، وفق ما هو مسطر في المرسوم الوزاري رقم 2.09.207 الصادر بتاريخ 8 دجنبر 2009 المتعلق بتحديد نموذج التصريح الإجباري بالممتلكات ووصل التسلم وبالحد الأدنى لقيمة الأموال المنقولة الواجب التصريح بها. فبالنسبة للعقارات، فإن الملزم يجب عليه التصريح بطبيعتها وأصلها، وتاريخ تملكها، ومحتواها، وموقعها، وقيمتها الشرائية أو المصرح بها في حالة الإرث، وحصته في ملكيتها، ثم أخيرا المرجع العقاري، والأمر نفسه بالنسبة للأبناء القاصرين، وكذلك بالنسبة للزوج عند الاقتضاء. كما يلزمه التصريح بخصوم ذمته المالية؛ وذلك بتحديد الهيئة المقرضة أو اسم وعنوان مانح الدين، طبيعة الدين وتاريخه وموضوعه، المبلغ الإجمالي للقرض، وأخيرا مبلغ القسط الشهري، ويشمل كذلك الممتلكات المشتركة مع الأغيار أو التي يسيرها الملزم لحسابهم، ويلزم وصفها وتحديد تاريخ تملكها أو تعيينه كمدبر لها، ثم تحديد قيمتها. وبالنسبة للمنقولات الأخرى، كما تم تحديدها بمقتضى المرسوم الوزاري المذكور، فيجب وصفها وتحديد تاريخ تملكها وكذا قيمتها الشرائية أو المصرح بها في حالة الإرث، والأمر نفسه بالنسبة للأبناء القاصرين، التي تتكون من الأنواع العشرة التالية: الأصول التجارية، الودائع في حسابات بنكية، السندات والمساهمات في الشركات والقيم المنقولة الأخرى، الأموال المنقولة المتحصل عليها عن طريق الإرث، العربات ذات محرك، الاقتراضات، التحف الفنية والأثرية، الحلي والمجوهرات، والتي حدد القرار الوزيري رقم 3.87.09 الصادر بتاريخ 11 فبراير 2010 الحد الأدنى لقيمة كل صنف منها ليلزم التصريح بها في ثلاثمائة ألف درهم (300.000 درهم). وبالتالي، فإن الشخص الملزم بالتصريح الذي يتوفر على الفئات العشر من الأموال المنقولة لا يلزمه التصريح بتلك التي لا تصل قيمتها بالتحديد إلى ثلاثمائة ألف درهم (300.000 درهم)، وبالتالي هناك إمكانية لكي يكون في ذمته المالية ما يقارب 3 ملايين درهم موزعة على الأصناف العشر دون أن يكون ملزما بالتصريح بها، ومن ثم لا يمكن أخذها بعين الاعتبار للتقصي بشأن جريمة الإثراء غير المشروع. تحريك الدعوى العمومية ينص الفصل 147 من الدستور على أنه تُناط بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات، وحسب المادة 156 مكررة من مدونة المحاكم المالية، فإنه في حال تبين عدم اتساق جلي وغير معلل بين تطور ممتلكات الموظف العمومي الخاضع للتصريح الاجباري بالممتلكات ومداخيله وبين نشاطاته المصرح بها، يتم إجراء تقص بشأن الأغلاط أو الاغفالات المحتملة حيث يتم الاطلاع على الوثائق والمستندات الإثباتية التي يمكن أن توفر معلومات حول التصريح كما يمكن القيام بالاستماع إلى الشهود دون أن يكون لهم الحق في الاحتجاج بالسر المهني، بما في ذلك الحصول على المعلومات التي في حوزة مديرية الضرائب والبنوك ومؤسسات الائتمان والمحافظة على الأملاك العقارية. وفي الحالة التي يتبين فيها بعد سلوك تلك الإجراءات وجود قرائن جسيمة ومتوافقة حول ارتكاب الموظف العمومي المصرح لجريمة الإثراء غير المشروع، تتم إحالة الملف على الجهة القضائية المختصة. ومن جهة أخرى، وفي إطار الولاية العامة للنيابة العامة، فإنه يخول لها بمجرد تلقيها مجرد وشاية بشأن ارتكاب موظف عمومي لجريمة الإثراء غير المشروع أن تقوم بالأبحاث اللازمة، حيث تكون ملزمة لتوجيه الاتهام بالحصول على معلومات بشأن مداخيله المشروعة مع إثباتها وجود زيادة مهمة في موجوداته غير مبررة بالنسبة لتلك المداخيل، ثم كمرحلة أخيرة تقوم بمطالبة المشتبه به بتقديم تبرير بشأن تلك الزيادة وإلا تمت متابعته بتهمة الإثراء غير المشروع، حيث يمكن للنيابة العامة الحصول على كافة المعلومات اللازمة لها التي يتوفر عليها المجلس الأعلى للحسابات وفق ما تنص عليه النصوص القانونية المنظمة للتصريح الإجباري بالممتلكات. وفي تونس، نص مشروع القانون رقم 89/2017 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، كما صادقت عليه لجنة التشريع العام بمجلس الشعب في شهر ماي الماضي، من خلال الفصل 40، على أنه "تتعهد النيابة العامة بالنظر في دعوى الإثراء غير المشروع، بناء على إحالة من الهيئة أو بكل وسيلة من وسائل إثارة الدعوى العمومية المنصوص عليها بمجلة الإجراءات الجزائية". غير أن عمل النيابة العامة أو المجلس الأعلى للحسابات لن يكون ذا فعالية كما هو منتظر لمكافحة هذه الجريمة إذا لم يتم تمكينهما من الحصول على مساعدة المواطنين الذين يلزم منحهم الحق في الاطلاع إلكترونيا على التصريح بالممتلكات، من قبيل ما يجري في فرنسا. مدى تعارض التجريم مع قرينة البراءة لقد سجلت العديد من الدول "المتقدمة" تحفظها على المادة 20 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد باعتبارها تمس بحق من حقوق الإنسان، وهو افتراض البراءة، أو ما يسمى كذلك بقرينة البراءة، الذي يكون له أثران أولهما أن عبء الإثبات ملقى على عاتق سلطة الاتهام، وثانيهما أن الشك يفسر لفائدة المشتبه به أو المتهم. ومن قبيل هذه البلدان، نجد السويد واسبانيا والمملكة المتحدة وكندا، التي تعتبر أن مطالبة الموظف العمومي بتبرير الزيادة المهمة في موجوداته التي لا تتوافق مع مداخيله المشروعة يعتبر قلبا لعبء الإثبات، أي إن المشتبه به أو المتهم يكون ملزما بإثبات أنه بريء بدل أن تقدم سلطة الاتهام الحجج لأجل إدانته. غير أنه كان لخبراء هيئة الأممالمتحدة رأي آخر أوردته الدراسة الأممية المعنونة ب "حالة تنفيذ اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد" تعقيبا على موقف البلدان الرافضة لتجريم الإثراء غير المشروع، وفق المادة المذكورة، الذين أكدوا على أنه من باب أولى أن يوصف هذا العكس المتصور لعبء الإثبات في قضية جنائية بالقرينة غير القاطعة، بدل اعتباره انتهاكا لقرينة البراءة. ففي بعض الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون ينقلب مبدأ افتراض البراءة إلى مبدأ افتراض الإدانة، أي إن عبء الإثبات حينئذ ينتقل من النيابة العامة إلى المشتبه به أو المتهم، حسب الحالة، وقد أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في هذا الشأن على أن القرائن الواقعية والقانونية في القوانين الزجرية لا تنتهك بالضرورة قرينة البراءة إذا ما تم حصرها في حدود معقولة تراعي جسامة الجريمة والمحافظة على حقوق الدفاع (قضية سلابياكو ضد فرنسا)، كما نصت المبادئ التوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا على أن القرائن الواقعية أو القانونية لا تكون مقبولة إلا إذا كانت قابلة للدحض، مما يسمح للمتهم بإثبات براءته. هذه الشروط نجدها متحققة في تجريم الإثراء غير المشروع، فافتراض الإدانة قابل للدحض بما أن المشتبه به أو المتهم عليه أن يثبت أن تلك الزيادة مبررة استنادا إلى مداخيله المشروعة، كما أنها لا تمس حقوق الدفاع على اعتبار أن للمشتبه به أو المتهم أن يلجأ إلى كل وسائل الدفاع المتاحة قانونا لدحض التهمة الموجهة له، كما أنها محصورة في حدود معقولة؛ إذ إنها تقتصر على واقعة وحيدة تتمثل في الحيازة موضوع الجريمة بحيث لا يقتضي الأمر سوى تبريرها فيما يجب على سلطة الاتهام أن تثبت وقوع زيادة مهمة في موجودات الموظف العمومي بدون تبرير، كما أنها لا تتعلق بجريمة خطيرة تفرض استبعادها من أن تكون موضوع قرائن قانونية غير قاطعة من هذا القبيل. على سبيل الختم إن دعوة الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد الدول الأطراف إلى النظر في تجريم الإثراء غير المشروع من خلال المادة 20 لا تعني بالضرورة أن يتم الاقتصار في التشريعات الداخلية على تبني صيغة المادة ذاتها وإن بتعديلات طفيفة، وهو الطريق المختصر الذي تبنته الحكومة المغربية من خلال مشروعها، إنما هذا المقتضى يدعو البلدان إلى وضع صيغة لتجريم الإثراء غير المشروع تمتاز بالفعالية وتكون محترمة لمبادئ حقوق الإنسان والقوانين الداخلية والدستور دون أن تقوم هذه الدعوة بالغوص في تفاصيل التجريم الذي ترك أمره للتشريع. وفي هذا الإطار، نجد مجموعة من التشريعات المقارنة التي صدرت قبل الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد بعشرات السنين قد خصصت لمكافحة الإثراء غير المشروع قوانين خاصة، من قبيل القانون العراقي واللبناني والمصري، تضمنت كذلك تنظيم التصريح الإجباري بالممتلكات بدل تشتيت وسائل الكشف عن هذه الجريمة على مجموعة من النصوص القانونية كما هو الحال بالنسبة للمغرب.