عندما ترى الحزم والثقة التي تستخدمهما السيدة خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي تعبر عن مواقفها المدافعة عن توفيق بوعشرين، تخال نفسك أمام حقوقية مبدئية لا تخشى لومة لائم في الجهر بالحقيقة والدفاع عن كرامة وحقوق الأفراد بكل تجرد ونزاهة، لكن بمجرد أن تتفحص هذه المواقف وخلفياتها ودواعيها حتى تنهار أمامك هذه الصورة البطولية التي رسمتها للسيدة الرياضي، وتتجلى أمامك حقيقة هذه المواقف الانتقائية والمتحيزة والمهيأة تحت الطلب. فإذا كان الفاعل في مجال حقوق الإنسان ملزم بالتقيد التام بمبادئها وقيمها الكونية بشكل متجرد وشامل غير قابل للتجزيء أو الانتقاء وبعيد عن المواقف العرقية والدينية والسياسية والجنسية، فالسيدة الرياضي وبخلاف كل هذا باتت تستعمل ورقة حقوق الإنسان كآلية من آليات الصراع السياسي والايديولوجي الذي يخوضه حزبها "النهج" داخل البلاد، حيث أصبحت حقوق الإنسان حصرا على المنتسبين لحزبها والمتحالفين معه، والباقي كلهم جلادون وسفاحون،لا مجال لهم للحديث عن حقوق الإنسان، ولا يمكنهم بأي حال من الأحوال أن يكونوا موضوعا لها أو أن يستفيدوا من الحماية التي تنص عليها مقتضياتها . فما معنى أن تصطف الرياضي منذ الوهلة الأولى في صف بوعشرين وتتنكر لكل المبادئ والحقوق التي نصت عليها جميع المواثيق والمعاهدات الدولية تجاه النساء ضحايا الاغتصاب والتعنيف، التي تفرض الاصطفاف إلى جانب الضحايا من النساء إلى أن يثبت العكس؟ وما يمنع السيدة الرياضي باعتبارها رئيسة سابقة وقيادية حالية في أكبر جمعية "لحقوق الإنسان" بالمغرب أن تنظم جلسات استماع لضحايا بوعشرين وأن وتواكبهن قانونيا وحقوقيا ونفسيا؟ وما يمنعها من التواصل معهن على أقل تقدير؟ لا مبررا موضوعيا أو حقوقيا لما تقوم به السيدة الرياضي ولا لما تتخذه من مواقف باسم حقوق الإنسان سوى أن المشتكيات بكشفهن لما تعرضن له من اغتصاب وعنف من طرف بوعشرين قد دخلن منطقة محظورة، تعتبرها الرياضي من بين المحرمات التي تستوجب التخلي عن مبادى حقوق الإنسان وتجردها وشموليتها، وتستدعي تكييفها مع ما يضمن إيجاد المخرج للحليف والصديق، واستعمالها كورقة للضغط قصد تشويه الحقيقة وخلق حالة الالتباس، فحقوق الإنسان بالنسبة للرياضي ورفاقها هي مجرد ورقة لردع المخالفين وترهيب الخصوم، تستعمل كلما دعت الضرورة لذلك. الانتقائية الحقوقية للرياضي لم تعد تقتصر فقط على بوعشرين وضحاياه، بل امتدت إلى الصحافة، حيث اعتبرت الرياضي أن كل المنابر الإعلامية التي تنقل تطورات وحيثيات ملف بوعشرين متواطئة ومتآمرة وتخرق مبدأ قرينة البراءة، لكنها في المقابل تغض الطرف عمدا عما تقوم به صحافة بوعشرين من تنكيل بالمشتكيات وتشويه للحقائق وتسمح لها بنقل ما تريد من أخبار وادعاءات. السيدة الرياضي تعلم علم اليقين أن دور الصحافة هو نقل الأخبار وكشف الحقائق ومتابعة الأحداث، ومن حقها الحصول على المعلومة ونشرها، وخاصة في ما يتعلق بالقضايا المجتمعية التي يكون أحد أطرافها شخصيات عامة، وهو ما يقع في كل دول العالم وفي أعتى الديمقراطيات، لكن الرياضي تنزع هذا الحق عن كل المنابر والمواقع التي لا تساير أطروحة براءة بوعشرين، وفي المقابل تعطي الحق في النشر والاتهام والتشكيك والطعن في المحكمة والمحاكمة للجرائد والمواقع التي تدور في فلكها وفلك حلفائها، بحيث لا تعتبر تغطيتها وتقاريرها وأخبارها ضربا لقرينة البراءة وإساءة وطعنا في شرف المشتكيات؛ فقرينة البراءة لدى السيدة الرياضي تتلخص فقط وبشكل حصري في مسايرة وموافقة طرحها ومواقفها، وغير ذلك يعد تآمرا وخيانة ومسا بحقوق وكرامة الإنسان . ما تقوم به السيدة الرياضي هو نوع من التشويه السيء والسمج لحقوق الإنسان، بحيث أصبحت تجعل من فعلها الحقوقي مبررا لشرعنة كل ما يتوافق مع آراءها ومواقفها السياسية بغض النظر عن مصدره وغايته وما يرتبط به من تجاوزات وانتهاكات ومهما بلغت خطورتها، وملف بوعشرين أثبت بالملموس أن حقوق الإنسان ومواثيقها ومبادئها تتلخص عند الرياضي فقط في أن تكون "معارضا وفقا لتصورها للمعارضة"، وكل ما تقوم به بعد ذلك من مخالفات وجرائم مباح وجائز ولا يرتب عليك أي عقاب أو جزاء. * فاعل حقوقي