من المرجح بصورة كبيرة أن يؤدي تحول "حركة احتلوا وول ستريت" الى حركة عالمية والاضطرابات المستمرة في منطقة الشرق الاوسط الى جعل الخريف والشتاء القادمين فترة سخط واستياء. في أروقة وايتهول وواشنطن ومراكز الابحاث بل وحتى في بنوك الاستثمار هناك همهمات عن أن الاحداث التي شهدها العالم حتى الآن ربما تكون البداية. يخشى البعض من أن يكون العالم بصدد ان يشهد تصاعدا مستمرا في الغضب والاحتجاج والتوترات السياسية التي ربما تستمر سنوات أو حتى عقود. وفي كثير من الدول بدأ جيل من الشبان المتصل جيدا بمواقع التواصل الاجتماعي يفقد الثقة في الهياكل التقليدية للحكم والتجارة ويقول انه تعرض للخديعة وحرم من الفرص. وفي العالم المتقدم تخشى الطبقة المتوسطة الاوسع نطاقا من تبخر رخائها وتطالب بمحاسبة شخص ما وأن تتوصل النخبة في العالم الى طريق لتحقيق النمو مرة اخرى. وقال جاك غولدستون أستاذ السياسة العامة بجامعة جورج ميسون في واشنطن وهو خبير في علم السكان "قد تظل هذه الاحوال معنا لفترة طويلة". وأضاف "هناك جيل ضج من ان تملي عليه الدول الغنية الغربية أو أثرياء الغرب ما عليه ان يفعله. في مصر أسقطوا حكومة لكنهم قد لا يعجبهم من حل محلها وربما يسقطونها أيضا. ستكون فترة صعبة". وفي العالم الغربي أسفرت الازمة في البداية عن احتجاج مظاهره المادية أقل مما توقع كثيرون. لكن الامر يبدو في تصاعد. فقد شهدت اليونان واسبانيا وايطاليا وبريطانيا بعضا من أسوأ الاضطرابات منذ عشرات السنين. ويوم السبت امتدت احتجاجات اميركية على النظام المالي العالمي والتي بدأت في متنزه بنيويورك في منتصف سبتمبر أيلول الى خارج الولاياتالمتحدة لتشمل عشرات الدول مع انطلاق مئات في أحيان وربما عشرات الالاف في أحيان أخرى الى الشوارع. اتسم الكثير منها بالطابع السلمي لكن في روما أضرمت النار في سيارات وخاضت الشرطة معارك مع نشطاء من "الكتلة السوداء". وفي لندن وفي عدة مدن اخرى استمرت الاعتصامات. وقال تيم هاردي مؤسس مدونة (بيوند كليكتيفيزم) اليسارية وهو من المشاركين المنتظمين في احتجاجات لندن "حتى اذا بدأ الامر بعدد محدود من المحتجين يمكن أن يلهم عددا أكبر بكثير ليحضر وينضم لنا... اذا تمكنوا من اقامة مكان للاعتصام.. أتوقع أن تتزايد الاعداد". وهاجم حشد غاضب الجمعة مكتب بنك غولدمان ساكس في ميلانو. واتسمت أغلب الاحتجاجات بالطابع السلمي لكنها من المرجح أن تزيد من الضغوط السياسية على القطاع المالي. ويتحدث صناع السياسة بالفعل عن احكام اللوائح وفرض زيادات ضريبية لاستهداف قطاعات بعينها وتحول اهتمام الاعلام بشكل متزايد لانشطة الدول التي لا تطبق لوائح ضريبية صارمة والبنوك التي تحيط نفسها بسرية. وعلقت حياة علوي وهي أستاذ في دراسات الشرق الاوسط والامن القومي بكلية نيفل وور بالولاياتالمتحدة قائلة "كلمة واحدة.. المحاسبة". وأضافت "هذا موسم المطالبة بالمحاسبة وتطبيق سيادة القانون خاصة استهداف النخبة السياسة الحاكمة والنخبة الاقتصادية أيضا". وأظهرت أعمال الشغب التي شهدتها بريطانيا في اغسطس/اب أن اضطرابات ما بعد الازمة قد لا تكون دوما سياسية صريحة ولجأ شبان في المدن يعانون من تدني المعيشة الى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في تنسيق جرائم السلب والاحراق. ووسط كل هذه الاضطرابات في أنحاء العالم يتوقع البعض تصاعدا في هذا النوع من العنف الفوضوي. وبينما تتراجع حرارة الصيف في الشرق الاوسط يبدو أن المنطقة مقبلة على المزيد من الحرارة السياسية. ويشكو محتجون مصريون تمكنوا من الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط من أن الجيش ما زال يحكم البلاد وانه قام بالفعل بتدخل يصل الى حد التلاعب في الانتخابات المقبلة وانه لم يحدث تغيير يذكر. وشهد الاسبوع الماضي أسوأ اشتباكات منذ سقوط مبارك وكانت أساسا بين قوات من الجيش ومسيحيين. كما أن كثيرين في تونس وهي أول بلد تخلع حاكمها لديهم شكاوى مماثلة. ويبدو الصراع والمواجهات في سوريا في تدهور مع ورود تقارير من حين لاخر عن انشقاق جنود وضباط وتسلح اخرين في مواجهة الرئيس بشار الاسد. وفي المملكة العربية السعودية والبحرين ودول أخرى يرى محللون احتمالا لقيام احتجاجات جديدة خلال الشهور المقبلة. وتظهر مجموعة من حركات الاحتجاج الاخرى ثقة متزايدة. وفي اسرائيل والهند وتشيلي والصين وأماكن أخرى.. تمكنت الاحتجاجات سواء عن طريق الانترنت أو الشوارع من الحصول على تنازلات. ويعتقد البعض أن الغضب الحالي من الحكام الشموليين ومسؤولي البنوك والنخبة هو من أعراض التحولات الاساسية في التركيبة الهيكلية لسكان العالم. في الشرق الاوسط وشمال افريقيا هناك عدد كبير من الشبان يكافحون من أجل الحصول على وظائف. وتمكنت فئة من الشبان المتعلمين الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي للتنسيق من اشعال الاحتجاجات وسرعان ما انضمت اليها الحشود الغاضبة من مظالم كثيرة. وفي دول غربية هناك توترات بسبب ارتفاع أعمار السكان وهو ما أدى الى ارتفاع تكلفة رعاية المسنين وخفض النمو ومنع حصول السكان الاصغر سنا على وظائف. وعلى أسوأ تقدير يحذر خبراء من أن ذلك ربما يسفر عن متاعب اقتصادية قد تستمر عشرات السنين. وقال جولدستون من جامعة جورج ميسون "مثل هذه المسائل السكانية هي التي تسبب الكثير مما نراه في اللحظة الراهنة". ومضى يقول "هذا يجعل من الصعب للغاية التكهن بالسياسة. يمكن حدوث شلل لكن يمكن أيضا أن نرى تحولات جذرية في السياسة الى اليسار او اليمين. ويمكن أن نرى ظهور ايديولوجيات كما حدث في الثلاثينات. ما زلنا في البداية".